إسرائيل واستحقاقات السلام : بقلم- ماجد كيالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بكل الاحوال فان تفسير السياسة الاسرائيلية تجاه عملية التسوية يتلخص بأن اسرائيل حينما انخرطت في هذه العملية كانت تطمح الى تحقيق الأهداف التالية : 1 ــ تجاوز الاستحقاقات المطلوبة منها ازاء الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 (خاصة الاراضي الفلسطينية) وايجاد صيغة حل وسط اقليمي بالنسبة لهذه المسألة. 2 ــ السعي للاستفادة اقتصاديا من تطبيع علاقاتها مع محيطها الاقليمي. 3 ــ تعزيز موقعها الاستراتيجي في اطار السياسة الامريكية. منذ بداية عملية التسوية وحتى الآن اسرائيل ليست مستعدة للسير في هذه العملية بكل أبعادها بالنظر للاستحقاقات المطلوبة منها والتي على ما يبدو انها ليست مهيأة تماما لتقديمها, مما يعني بأن الاوضاع الداخلية في اسرائيل لم تنضج بعد لرسم حدودها الجغرافية والبشرية والسياسية والاقتصادية, برغم مرور مايقارب من نصف قرن على قيامها, وبرغم ان حوالي 60% من سكانها اليهود باتوا من مواليدها (بعد ان كانت مجرد مجتمع مستوطنين/ مهاجرين) , وعلى رغم كل التطور المجتمعي والاقتصادي في داخلها الذي يدفع بها نحو التحول من دولة بذاتها الى دولة لذاتها. وبسبب الانقسام السياسي في المجتمع الاسرائيلي, ووعيهم لطبيعة المجتمع الاسرائيلي كمجتمع استيطاني عنصري مصطنع, وغريب في هذه المنطقة, فان مختلف القوى السياسية الاسرائيلية تضع أمن اسرائيل واستقرار علاقاتها الداخلية في أول الاهتمامات, وهذا ما يفسر عدم قيام كل طرف بتنفيذ رؤيته خاصة بالنسبة لقضية ايديولوجية وسياسية مصيرية مثل قضية الاراضي الفلسطينية المحتلة, فلا حزب العمل تخلى عنها, ولا الليكود ضمها, وظل الحل الانسب للطرفين استمرار سياسة الامر الواقع, وهو في هذه المرحلة يعني تجميد العملية السلمية. ما تقدم يؤكد ان لحزب العمل سياسة مختلفة عن (الليكود) , ولكنه لم يستطع تطبيقها لأنه لا يشكل الأغلبية المناسبة الكافية في المجتمع الاسرائيلي, ولهذا فانه لمن الطبيعي ان يقف اليوم قادة حزب العمل بعد خسارتهم في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة ليتهموا نتانياهو وحكومته بعرقلة مسيرة السلام, وليطالبوهم بتنفيذ التعهدات المتضمنة في اتفاق أوسلو, والتي لم ينفذوها هم انفسهم عندما كانوا في السلطة, هذا يعني بأن اسرائيل لم تنضج بعد لعملية التسوية وانها هي اهم معيق لهذه العملية في المنطقة. ولا تقتصر اعاقة اسرائيل لعملية التسوية على جبهة المباحثات الثنائية المتضمنة ضرورة انسحابها من الاراضي التي احتلتها عام ,1967 وانما تشمل ايضا جهة المباحثات المتعلقة بتطوير مسارات التعاون الثنائي والاقليمي وقضايا المشروع الشرق أوسطي, فهذه المسائل كما قدمنا لا يوجد اجماع عليها أيضا. فمثلما ان أوضاع اسرائيل الداخلية ومدى نضجها الذاتي لم يصلا بعد الى الدرجة التي تحدد فيه حدودها الجغرافية والبشرية اللازمة للمفاوضات الثنائية, فانهما ايضا لم يصلا الى درجة رسم حدودها السياسية والاقتصادية. وهذا يعني بأن اسرائيل ليست متحمسة تماما للانخراط في كل ما يتعلق بالمشروع الشرق اوسطي ومجالات التعاون الاقليمي, هذا أولا, كما ان هذا يعني بأن اسرائيل غير قادرة على الهيمنة على هذا المشروع لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا ثقافيا, وثالثا, ان اسرائيل تنظر الى هذا المشروع بمنظار الربح والخسارة وبشكل انتقائي وبحسب أولوياتها. وبمعنى محدد فان انخراط اسرائيل في منظومة شرق اوسطية تتضمن بنية مؤسسية اقليمية مشتركة, وانفتاحا اقتصاديا, وفتح الحدود امام عوامل الانتاج (رأس المال ــ تجارة ــ عمالة ــ خدمات) ما يعني بالنسبة لها رسم حدودها السياسية, او تحديد دورها الاقليمي, وبالتالي ضبط ادائها السياسي, مما يحمل في طياته مخاطر تحولها مستقبلا الى دولة من دول المنطقة, وتاليا تآكل وضعها كدولة ذات دور سياسي ــ وظيفي في اطارها الاقليمي, اما من الناحية الاقتصادية فان الطابع المتميز للاقتصاد الاسرائيلي باعتبارها اقتصاد دولة مصطنعة ذات دور سياسي سيخضع هو بدوره لآليات النشاط الاقتصادي التي تخضع لها الدول الاخرى, بحيث تقوم اسرائيل بتغطية نفقاتها وتمويل معظم نشاطاتها بذاتها, وهذا سيؤدي الى تراجع دور الدولة في قيادة النشاط الاقتصادي, باعتبارها مالكا لوسائل الانتاج والمخطط له. ومعروف ان الدولة في اسرائيل تلعب دورا فريدا من نوعه فهي معنية بتغطية نفقات الاستيطان واعادة تأهيل المهاجرين, وهي معنية بالحفاظ على اعادة توزيع الدخل, وكذلك هي التي تمول الخدمات الاجتماعية, وهي التي تنفق حيزا هاما من الثروة القومية على التسلح والامن, وتراجع دور الدولة الاقتصادي في اطار تحرير الاقتصاد والخصخصة والانفتاح سيؤدي الى تقويض الدور السياسي للدولة على المديين المتوسط والبعيد. بتقديري فان فهم هذه المقدمات هي مسألة على غاية من الاهمية لادراك مأزق اسرائيل, وتاليا لادراك مأزق عملية التسوية التي يبدو أنها فاجأت الاطراف المعنية جميعا بما فيهم اسرائيل. وعلى ضوء ادراك ما تقدم يمكننا فهم وجهتي النظر الاسرائيليتين اللتين تشكلان الاستقطاب السياسي الحالي في اسرائيل على خلفية عملية التسوية وعلى خلفية رؤية اسرائيل لذاتها ولدورها الاقليمي السياسي والاقتصادي في المنطقة, وبالتالي يمكننا الاستنتاج بأن اسرائيل ذاتها هي العائق الاول والاساسي لعملية التسوية الجارية في المنطقة بسبب عدم نضج اوضاعها للتحول الى دولة عادية في المنطقة كما تفترض عملية التسوية واستحقاقاتها. وعليه فان اللوحة السياسية في اسرائيل لا تبدو باعثة على الآمال لجهة اطلاق عملية التسوية من الجمود الذي يحيط بها, مادامت حكومة نتانياهو على سياساتها الحالية, وطالما ان حدود الضغط الامريكي خاصة والدولي عامة لم يصل الى الدرجة المناسبة, وفي حال لم يتطور الموقف العربي الى المستوى اللازم لاجبار حكومة نتانياهو على تغيير سياساتها, وبالأساس فان هذا الامر يحتاج ايضا, وعلاوة على كل ما تقدم الى معادلة سياسية اسرائيلية جديدة تتيح لقوى المعارضة تعديل الميزان الداخلي لصالحها. بكل الاحوال, فان فرص استمرار سياسة حكومة نتانياهو محدودة, فهذه الحكومة التي تستدعي الرموز الاسطورية الدينية, والتي تحاول استحضار الصهيونية التقليدية, والارتكاز على عوامل القوة والغطرسة العسكرية, تسير بعكس عجلات التاريخ, وبعكس اتجاهات التطور العالمي, وفي معاندة الوقائع التي تفرضها التطورات العلمية والتكنولوجية ومسارات الانفتاح الاعلامي والاقتصادي والثقافي. كاتب سياسي فلسطيني*

Email