مع الناس: بقلم - عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

العاقل هو الذي لا يصدق ما يقوله الأطباء عن أحوالنا الصحية وما يفيدنا وما يضرنا من أول مرة, بل الذي يناقش نظرياتهم واستنتاجاتهم ليصل بدوره إلى الحقيقة من طريق آخر لم يعرفها الأطباء, غير طريق المختبرات والنظريات, هي طريق تجارب الحياة نفسها, من التي أزعم ان كل قارىء لديه تجربة كبيرة أو صغيرة فيها, فيستطيع الحكم بنفسه على ما يقوله الأطباء . وبما أني لا أفعل اليوم أكثر من التسلية مع القارىء فقد اخترت له ثلاثة أخبار ربما كان قد قرأها سابقا فأناقشها بالطريقة التي أشرت إليها, لكي تكون التسلية مفيدة من ناحية ولكي أجعل القارىء الكريم الذي تهمني سلامته البدنية والنفسية يأخذ باله جيدا مما يقوله الأطباء, فلا يعتقد ان كل كلامهم صحيح. فقد قرأنا عن الاستنتاج الطبي الذي قال مؤخرا ان الثرثرة وكثرة الكلام ترفع الضغط, وهو كلام نريد تصديقه لأنه طبي حسب الخبر, لولا اننا نشاهد كل يوم زوجاتنا يثرثرن كثيرا فيرتفع ضغطنا بالمقابل لا ضغطهن, ويصبح علينا نحن مراجعة الأطباء للعلاج, ما يجعلنا نشك في تواطؤ الأطباء في مثل هذا الخبر للاكثار من الزبائن والمرضى الذين يطلبون العلاج عندهم. واذا كان ما سبق لا يكفي القارىء دليلا على عدم صحة استنتاج الأطباء فهناك حقيقة اخرى تدحض ما توصلوا إليه وتنسفه نسفا, وهي ان المرأة, حسب رأي الأطباء والعلماء أنفسهم, تعيش أطول عمرا من الرجل, وعليه لو كان كلامهم عن الثرثرة صحيحا لرأينا اليوم أكثر الوفيات بين النساء اللائي يرتفع ضغطهن فيصبن اكثر من الرجال بالجلطات الدماغية وبالموت المفاجىء, لولا ان أغلب هذه المصائب من نصيب الرجال, فنكتفي بذلك الى الخبر الطبي الثاني. فقد زعم طبيب نفساني وضع كتابا عنوانه (العلاج بقول الحقيقة) ان الكذب يضر بالصحة والصدق فيه منافع للجسد والروح, وأن أكثر الذين يعانون من التوتر والقرحة والأرق والتهابات القولون يكذبون أكثر من غيرهم, وأيده في ذلك طبيبان آخران, وشخصيا لم استطع تأييده وإليكم الاسباب. الصحيح ان الصدق هو الذي يضر بالصحة ويقصف العمر, ولا نحتاج الى ادلة كثيرة على عدم صحة نظرية الكذب تلك, فأغلب من نعرف من قادة وزعماء سياسيين في العالم, اليوم وأمس وربما غدا, هم الذين يمارسون الكذب على شعوبهم وعلى غيرهم من القادة, ويتمتعون بصحة ممتازة, ولن نذكر احدا منهم فالقارىء ذكي الى الدرجة التي يستطيع فيها التمييز, بين الزعيم الذي يكذب كل يوم ويتمتع بالصحة والعافية, وبين آخرين دفعوا ثمن قول الحقيقة من صحتهم وعافيتهم, ويبدو ان أطباء الغرب تجاهلوا هذه الحقيقة وإلا ما طلعوا بتلك النظرية. طبعا لا ندعو القارىء إلى ممارسة الكذب لكي تكون صحته بمب, بل الى قول الحقيقة فهذه حسب النظرية هي التي تحافظ على الصحة السليمة لا الكذب, لولا ان القارىء نفسه سيلاحظ من بين معارفه وأصدقائه وزملائه ان أكثرهم صحة وعافية هم الذين يكذبون من دون اكتراث, ومن دون حساب ولا عقاب ايضا في هذا الزمن, فيجمعون بالكذب الحسنيين, الصحة وتسيير المصالح والأعمال. ونختم بالخبر الثالث الذي جاءنا من روما هذه المرة ويؤكد فيه علماء بمعهد الطب النفسي ان الحب من أول نظرة من أقوى وسائل الوقاية من أمراض نزلات البرد والانفلونزا وضغط الدم والتهاب القولون والقرحة وايضا من الصداع النصفي والمزمن وأمراض كثيرة اخرى فيدعو الناس الى رفع شعار (حبوا تصحوا) . طبعا هذا الكلام الجميل يمكن تصديقه لو أن الحب من أول نظرة متوفر في الصيدليات والبقالات فنلجأ إليه لبلعه كل يوم من الفم بعد الطعام أو قبله لا فرق, مقابل ما نعرف من ان هذا الحب نفسه الذي لا يأتي إلا في العمر مرة يتسبب في خفقان القلب الى درجة توقيفه عن العمل وفي التواء القولون إلى درجة عصره, أما عن الصداع النصفي, فإن هذا الحب في حالة نجاة صاحبه من أعراضه السابقة, فإنه يبقى معه طول العمر, بعد ان تصبح التي احبها من أول نظرة, زوجته وحرمه المصون.

Email