معايير لجنة بازل، رياح العولمة تهب على المصارف الخليجية - بقلم: حسن العالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتعدد اشكال التأثيرات المحتملة لتنامي اتجاهات العولمة والتحرير المالي بالنسبة للقطاعات الاقتصادية والمالية بدول مجلس التعاون الخليجي. ولاشك ان مقررات لجنة بازل الدولية والقاضية بتحديد نسبة الملاءة المالية للبنوك بـ 8% ترتفع في وقت لاحق الى 12%, تعتبر من اهم التحديات التي تواجه المصارف الخليجية لا سيما تلك التي تمتد انشطتها وشبكة فروعها خارج الوطن العربي . ان اهمية المعايير الدولية لكفاية رأس المال للبنوك التجارية تتجاوز بالنسبة للقطاع المصرفي الخليجي كون هذه المعايير تمثل مقاييس موجهة لرفع كفاءة النظام المالي العالمي. فالظروف المستجدة في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالاتجاه المتعاظم لدولها نحو التمويل الخارجي تبرز تلك المعايير كتحد ينطوي على العديد من الابعاد الاقتصادية والاجتماعية. وقبل الخوض في هذه الابعاد من المفيد ان نلقي نظرة على اهمية معايير لجنة بازل والكيفية التي تعاملت بها دول مجلس التعاون مع هذه المعايير لحد الآن. تتعرض البنوك للعديد من المخاطر التي قد تنشأ من عوامل داخلية ترتبط بنشاط وادارة البنك ذاته او عوامل خارجية تنشأ عن تغيير الظروف التي يعمل البنك في ظلها. ومن هنا تظهر اهمية دور السلطات النقدية في الرقابة على اعمال البنوك للمحافظة على سلامة مراكزها المالية. ويجب التنويه هنا ان من الصعوبة تأمين سلامة المراكز المالية للبنوك في العالم عن طريق الاهتمام بتعزيز كفاية رأس المال وحده. فقد بينت الدراسات والتجارب ان بنوكا كانت تتمتع بكفاية رأسمالية عالية قد اخفقت لاسباب اخرى اهمها انخفاض اصولها او انخفاض سيولتها. وفي ضوء تجارب الدول انتهت السلطات النقدية خاصة في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية الى ان المخاطر تتفاوت بين اصل وآخر حيث تبلغ اقل درجة (صفر) بالنسبة للاصول النقدية السائلة واقصى درجة (100) بالنسبة للقروض والاصول الثابتة. كذلك تتفاوت درجة المخاطرة بين دولة واخرى, ومنطقة واخرى وفقا للاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الاطار وضعت اوزانا ترجحية متفاوتة لمخاطر الاصول بحيث يعاد حساب قيمة الاصول مرجحة بالاوزان قبل ان ينسب اليها رأس المال. لقد انشأت لجنة بازل من مجموعة الدول الصناعية العشر في نهاية عام 1974 في ضوء تفاقم ازمة مديونية العالم الثالث وازدياد حجم الديون المشكوك في تحصيلها التي منحتها البنوك العالمية الكبرى خاصة الامريكية منها. وتعثر بعض البنوك وانتشار فروع البنوك خارج البلد الام زد على ذلك منافسة البنوك اليابانية الشديدة ازاء البنوك الغربية نتيجة لتدني رؤوس اموال البنوك اليابانية. وانتهت لجنة بازل من مناقشة هذه الموضوعات وانعكاساتها على انشطة البنوك التجارية الى وضع معيار موحد لكفاية رأس المال حيث تم تحديد حد ادنى للعلاقة بين رأس المال من ناحية وبين الاصول والالتزامات العرضية الخطرة مرجحة بالاوزان من ناحية اخرى وهذا الحد هو 8%. اما فيما يخص بتعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع معايير لجنة بازل, فقد اجتمعت لجنة الاشراف والرقابة على الجهاز المصرفي في دول مجلس التعاون في سبتمبر 1992 بمدينة الرياض لمناقشة هذا الموضوع. وبعد الدراسة الموسعة له وافقت على الصيغة النهائية لنظام ملاءة رأس المال ومخاطر الاصول والتركزات الائتمانية في البنوك العاملة بدول المجلس. فقد اتفقت دول المجلس على تطبيق الحد الادنى لكفاية رأس المال بنسبة 8% في بنوك دول المجلس على ان يتم الوصول الى هذه النسبة بشكل كامل حسب البرنامج المرحلي الذي حدده نظام مجموعة العشرة وقد اتخذت هذه النسبة من اجمالي الاصول محسوبة على اساس اوزان مخاطر حددها نظام معايير كفاية رأس المال واكتسب صفة دولية. وبصفة عامة يمكن القول ان بنوك المنطقة تتمتع بملاءة رأس مال جدية بسبب كبر حجم رؤوس اموال البنوك الوطنية فيها اضافة الى ما تم اتخاذه من اجراءات سابقة لزيادة رأس المال والاحتياطيات والمخصصات. كما وافقت دول المجلس على العناصر المكونة لرأس المال كما حددتها معايير لجنة بازل التي تتكون من رأس مال اساسي ورأس مال مساند حيث يدخل ضمن رأس المال الاساسي رأس المال المدفوع والاحتياطيات المعلنة والارباح كما يدخل ضمن رأس المال المساند الاحتياطيات غير المعلنة والمخصصات العامة والقروض المساندة. وفيما يخص أوزان مخاطر الاصول المصرفية وافقت دول المجلس على الاخذ بصورة عامة بتقسيمات فئات اصول البنوك واوزان مخاطرها كما حددها نظام مجموعة العشرة وذلك تحقيقا للتوازن في تحديد نسبة الحد الادنى لكفاية رأس المال بين بنوك دول المجلس والبنوك العالمية. الا ان دول المجلس طالبت في هذا المجال بضرورة مساواة حكومات دول المجلس ومؤسساتها المصرفية والنقدية بمثيلاتها من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والدول الداخلة في الاتفاقية العامة للاقتراض الخاص بصندوق النقد الدولي من حيث المركز الائتماني واوزان المخاطر. كذلك طالبت دول المجلس بضرورة معاملة المؤسسات التنموية الاقليمية والدولية التي تساهم فيها دول المجلس نفس معاملة المؤسسات التنموية الدولية الاخرى التي اشار اليها نظام معايير كفاية رأس المال ومنها على سبيل المثال البنك الاسلامي للتنمية وان يترك للسلطات النقدية في الدول الاعضاء امر تحديد المؤسسات التنموية التي ترى ادراجها لهذا الغرض. كذلك دعت دول المجلس الى اختيار بديل الكلفة الاحلالية او الكلفة الاصلية في تقييم عمليات النقد الاجنبي وفقا لما تراه السلطات النقدية بدول المجلس. اما فيما يختص بنظام التركزات الائتمانية فقد اتفقت دول المجلس على ان تشمل مخاطر الائتمان الالتزامات التالية باعتبارها ستدخل ملاءة رأس المال عند تقييم الاصول ووضع الاوزان الترجحية لها. فأولا هناك الالتزامات الائتمانية ضمن الميزانية وتشمل القروض والسحب على المكشوف بضمان وبدون ضمان الكمبيالات والقبولات والاوراق الاخرى ذات الطبيعة المماثلة. وثانيا الالتزامات الائتمانية خارج الميزانية وتشمل الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان والتزامات والتسهيلات الائتمانية من قروض وارصدة حسابات جارية مدينة غير مسحوبة ومبيعات موجودات بحق الرجوع اضافة الى الالتزامات ذات الطبيعة المماثلة وعقود الصرف الاجنبي الآجلة ومقايضات العملاء والاستثمار في الخيارات وغيرها من العمليات ذات الطبيعة المماثلة على ان تحسب قيمتها وفقا لأوزان المخاطر. والى جانب ذلك اتفقت دول المجلس على التفاصيل الخاصة بالحدود القصوى للتركزات الائتمانية والاطراف المترابطة اقتصاديا وقانونيا والاطراف ذات المصالح المتداخلة وبيانات التركزات الائتمانية والتقييم الموحد للمخاطر الائتمانية. واخيرا اتفقت دول المجلس على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات تنتهي في 31 ديسمبر 1994 يتم خلالها تطبيق الحدود والنسب الخاصة بالتركزات الائتمانية التي يتم الاتفاق عليها في الدول الاعضاء بصفة استرشادية يمكن الملاحظة من خلال العرض السابق ان دول مجلس التعاون تبنت كامل الحدود والاسترشادات التي وضعتها لجنة بازل بخصوص معايير كفاية رأس المال. ويجب التنويه هنا ان ما ساعدها على ذلك هو الاوضاع المالية الجدية لعموم البنوك التجارية في المنطقة وبالتالي فانها لم تلق صعوبات جدية لحد الآن في تنفيذ تلك المعايير. وقد لاحظنا كيف ان كبرى البنوك السعودية قد لجأت الى طرح العديد من الزيادات الرئيسية في رؤوس اموالها للاكتتاب العام وقد نجحت في اتمام تلك الزيادات وبالتالي الايفاء بمعايير لجنة بازل. وعلى الرغم من ان دول المجلس لم تلق صعوبات حقيقية في جعل البنوك تلتزم بالمعايير المذكورة نظرا اولا للاستعدادات السبعة لدى البنوك للالتزام بهذه المعايير وثانيا لوجود فترة زمنية كافية للتكيف مع القرارات الصادرة لهذا الشأن. فإن المتغيرات الاقتصادية العميقة التي تمر بها دول مجلس التعاون سوف تفرض على البنوك العاملة فيها وخلال المرحلة المقبلة التعامل بحذر اكبر مع هذه المعايير. فعلى سبيل المثال يبرز اولا اتجاها متزايدا لدى البنوك الخليجية لتنويع مصادر تمويلها وخاصة من خلال اسواق المال العالمية وذلك بعد تراجع معدلات نمو ودائع العملاء الخليجيين. هذا في الوقت الذي توجه فيه هذه البنوك لتقديم تمويلات اكبر للاقتصاد الوطني سواء من خلال الاقراض الحكومي او المساهمة في مشاريع تنموية رئيسية. ان هذه التوجهات تعني بصورة مباشرة تقليل نسبة حقوق المساهمين الى مجموع المطلوبات. كما تعني زيادة الموجودات ذات المخاطرة. وثانيا, فان ازدياد المنافسة بين البنوك في الاسواق المحلية مع تراجع معدلات نمو فرص الاعمال المتوفرة يعني ضرورة ان تتجه البنوك لتنويع مصادر دخلها وخصوصا من خلال المصادر غير المعتمدة على الفوائد. وبالنسبة للعديد من البنوك فان هذا التوجه قد استلزم التوسع بصورة كبيرة في الالتزامات خارج الميزانية سواء الالتزامات الائتمانية او الاستثمار في مشتقات المنتجات الاستثمارية كالخيارات والعقود الآجلة وغيرها من الالتزامات التي ادت الى زيادة حجم الموجودات ذات المخاطرة مقارنة بحجم رأس المال المتوفر. وثالثا, فان التقلبات الشديدة في اسواق المال العالمية سواء في اسعار العملات او الفوائد, مع ازدياد اتجاه البنوك المحلية لفتح مراكزها الخارجية سواء في جانب الاقتراض او الاقراض قد استلزم ان يلجأ العديد منها ايضا الى اجراء عقود ضخمة متعلقة باسعار الفائدة واسعار الصرف وذلك لحماية مراكزها اتجاه هذين العنصرين مما ساهم في تضخم الالتزامات خارج الميزانية بصورة ملحوظة خلال العام الماضي وهذا العام. ان هذه الامثلة التي سقناها هي نماذج لضغوط قد تتزايد خلال الفترة المقبلة مما يبرز مسألة الالتزام بمعايير كفاية رأس المال كتحد جدي امامها. لقد سبق ان قامت السلطات النقدية بدول المجلس بطرح ملاحظاتها على هذه المعايير, الا انه المطلوب حاليا ان تأخذ هذه الملاحظات شكل مطالبات محددة من اجل ان تلقى البنوك في المنطقة معاملة اكثر عدلا ومساواة فيما يخص التزامها بتلك المعايير. ففيما يختص بالاسس التي اتبعتها لجنة بازل في تقسيم دول العالم من حيث المخاطر يلاحظ انها لا تنطبق على جميع الدول وان هناك العديد من الدول ذات اداء اقتصادي افضل بكثير من مستواه في الدول الصناعية, ومع ذلك صنفت على اساس انها ذات مخاطرة مرتفعة. كما ان هذه الاسس قد ساوت بين دول المجموعة الواحدة رغم انها تشمل دولا على طرفي نقيض من حيث المخاطر. كذلك لم تميز تلك الاسس بين مخاطر الدولة ذات ومخاطر بنوكها اذ كثيرا ما يلاحظ ان بنوكا في دول ذات المخاطرة المرتفعة افضل اداء من بنوك في دول ذات المخاطرة المنخفضة. كما ان تقسيم البنوك على اساس تواجدها الجغرافي وجنسيتها داخل وخارج OECD قد تجاهل تماما مستويات الاداء وسلامة الاوضاع المالية لكل بنك على حدة. كذلك فان تلك الاسس لم تعط اية امتيازات اضافية للبنوك التي تتجاوز نسبة كفاية رأس المال النسبة المطلوبة. وبالتالي فان مخاطرة الدولة التي تقع فيها سوف تبقى دون تغيير على الرغم من تحسن اوضاع هذه البنوك. وبالمحصلة فان عدم مراعاة الاسس التي وضعت بها تلك المعايير للمعطيات السابق ذكرها يعني ارتفاع كلفة حصول بنوك الدول ذات المخاطرة المرتفعة على الاموال, كما يعني زيادة الفجوة القائمة في البنية الاقتصادية بين دول المجموعتين والتي سوف تنجم عن حركة الاموال. لقد لاحظت مؤسسة نقد البحرين وعلى سبيل المثال المساوىء الناشئة عن هذا التمايز على المقترضين في دول الخليج, لذلك فلقد لجأت الى اعطاء وزن متساو للمطالب على المقترضين سواء في دول الخليج او اوروبا وهذا الاجراء هو احد الامثلة لما يمكن للسلطات النقدية ان تفنذه او تطالب بتنفيذه ليس حماية للبنوك العاملة في دولها اضافة الى تحفيز هذه البنوك العاملة في دولها فحسب بل وتحفيز هذه البنوك لمواصلة لعب دور نشط في التنمية الاقتصادية, ولكي لا تتحول تلك المعايير الى مبرر للتردد او التحفظ.

Email