روسيا: مجلس الدوما أم رئيس الوزراء.. ليس هذا هو السؤال، بقلم: رضى الموسوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

سواء صوّت مجلس الدوما الروسي (البرلمان) لصالح مرشح الرئيس بوريس يلتسين لرئاسة مجلس الوزراء سيرجي كيريينكو, او ضده, فان الدلائل جميعها تؤكد ان يلتسين سيثبت هذا الشاب القادم من وزارة الطاقة والنفط حتى وان أدى ذلك الى حل الدوما وتنظيم انتخابات مبكرة قبل مدتها المقررة في العام 1999م . فالجلسة التي يعقدها البرلمان الروسي اليوم محكومة بمستقبل المجلس نفسه وليس بتشريح كيرينكو, ذلك انه وفي كل الحالات سوف يبقى مرشح الرئيس. هذه الجلسة لا شك انها فاصلة في المعركة القائمة منذ قرابة شهر بين يلتسين والاغلبية الشيوعية في البرلمان, والتي ترى بأن يلتسين يغامر بالبلاد الى مستويات خطيرة يصعب معها تجاوز الازمات المتلاحقة على كافة الاصعدة في بلد كان يوما ما دولة عظمى. وقراءة المراقبين لجلسة اليوم تنحصر في خيارين لا ثالث لهما: فاما يستمر مجلس الدوما حتى نهاية دورته واما يحل. والحسابات الان ليست في شطب كيريينكو او تثبيته بعد ان صوت الدوما مرتين ضده, انما في بقاء الدوما والتبعات التي ستلتحق بالحل ان رفض البرلمان كيريينكو, اذ يجيز الدستور الروسي لرئيس الدولة حل البرلمان اذا رفض مرشحه ثلاث مرات ومن ثم يدعو الى انتخابات مبكرة. هذه المادة هي التي تؤرق النواب الروس في معاركهم العديدة مع الرئيس الذي استخدم ذات المادة الدستورية سلاحا يشهره متى أراد ذلك لتمرير قراراته المثيرة للجدل. لقد انتقلت (الكرة) الان الى ملعب الدوما الذي يدرك اعضاؤه ان يلتسين لن يكتفي بحله في حال رفض الاول مرشح الرئيس, بل ان هناك تخوف من دستة قرارات وقوانين رئاسية سوف يتخذها يلتسين في ظل غياب السلطة التشريعية في البلاد, مما يجعل امكانية العودة عنها امر صعب ان لم يكن مستحيل في ظل الصلاحيات المطلقة للرئيس. كما ان الوضع الداخلي الروسي لا يتحمل مزيدا من الخضات السياسية. فروسيا تعيش الان أوضاعاً اقتصادية واجتماعية في غاية الصعوبة, اهمها ان الاقتصاد الى مزيد من الانحدار والتدهور بالرغم من التطور الظاهري, والدولة عاجزة عن دفع الرواتب لموظفيها إذ تشير المعلومات إلى أن ديون الحكومة لموظفيها تزيد على العشرة مليارات دولار هي مجموع الرواتب المتأخرة التي لم تصرف لبعض القطاعات منذ عام كامل. والفساد الإداري والمالي بلغ مستويات قياسية وفي أعلى المراكز القيادية, وكأن ما يجري الآن هو اقتسام غنائم الاتحاد السوفييتي المنهار وتوزيع تركته على حفنة من المتنفذين في موسكو. فقد كشفت الصحف الروسية في الآونة الأخيرة عن بعض من هذا الفساد الذي طال أقرب المقربين إلى الرئيس بوريس يلتسين. فرئيس الوزراء الذي أطيح به في الثالث والعشرين من شهر مارس الماضي جمع ثروة تقدر بخمسة مليارات دولار في سنوات قليلة, والنائب السابق لسكرتير مجلس الأمن الروسي بوريس بيريزفسكي جمع أيضا ما لا يقل عن 3.5 مليار دولار أمريكي, ووجهت التهم إلى النائب الأول لرئيس الوزراء اناتولي تشوبايس بانه المسؤول عن تنظيم نهب أموال الدولة الروسية من خلال عمله لانشاء رأسمالية عصابات تستند إلى نهب أموال الدولة الروسية من خلال عمله لانشاء رأسمالية عصابات تستند إلى نهب أموال القطاع العام حين يباع في المزاد العلني للقطاع الخاص, اضافة إلى ضلوعه في تزييف الدولارات الأمريكية والتي عرضت قضيتها ابان الانتخابات الرئاسية الماضية بفضيحة كرتونة الدولارات التي اكتشفت في مقر مجلس الوزراء مع مساعدين لفتوبايس. اما النائب العام الروسي السابق الكسندر ايليشنكو فانه اعتقل لاتهامه باتلاف قضايا تتعلق بصفقات الخصخصة مقابل الحصول على مبالغ طائلة. ولم تسلم وزارة الدفاع من عدوى الفساد, فقد اعتقل قائد المشاة الاسبق وقائد اسطول المحيط الهادي الجنرال فملنوف بعد أن أقدم على بيع 64 سفينة عسكرية لكل من كوريا الجنوبية والهند بينها حاملات الطائرات مينسك على أساسا انها خردة وخارج الخدمة, بينما استغل وزير الدفاع الاسبق قرار انسحاب الجيش السوفييتي من ألمانيا فباع مئات الدبابات وأطنان من الوقود والزخيرة لتجار السلاح! وفوق ذلك كله, وبسبب الأوضاع الاقتصادية التي تحصد المواطن العادي ولا توفر قوت يومه, فان في روسيا الان قرابة خمسة آلاف عصابة معظمها انشات على اساس عرقي من الاقليات القومية في الاقاليم, فيما نظمت العصابات الكبيرة نفسها وقسمت البلاد إلى مجالات نفوذ. وتشير المعلومات إلى ان عصابات الاجرام استطاعت السيطرة على قرابة أربعين ألف مؤسسة اقتصادية بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة, منها أكثر من 400 مصرف و1500 من مؤسسات القطاع العام. ولهذا فانه ليس من المستغرب ان يطرد من سلك الشرطة أكثر من 25 ألف ملتحق بسبب ادانتهم بالتورط في العمل مع رجال العصابات واستغلال النفوذ. هذا الوضع حول روسيا الى مرتع لتعاطي وتجارة المخدرات حيث توضح الاحصائيات بان هناك اكثر من مليوني متعاطي مخدرات, وان معدل الجريمة ارتفع ليصل الى جريمة كل ثمانية عشر دقيقة. كما حولها الى موقع (متميز) في غسل الاموال القذرة والتي تصل الى اكثر من مليار دولار سنويا. وبسبب هذا الوضع زاد الفقر, حيث تراجعت الطبقة الوسطى الى اقل من 10 بالمئة من اجمالي السكان وزادت الطبقة الفقيرة لتشكل قرابة 35 بالمئة فيما زاد عدد المعدومين لتصل نسبتهم الى حوالي 50 بالمئة, في الوقت الذي بلغت فيه نسبة اصحاب الثروات الخيالية اربعة بالمئة من السكان. تلك المعطيات شجعت احدى المؤسسات المستقلة لاجراء استطلاع للرأي خلصت منه الى ان 25 بالمئة من فتيات روسيا يرغبن العمل في اعمال غير مشروعة وان قرابة 17 بالمئة من الشباب يسعون للعمل مع العصابات المنظمة والمافيا. واذا كان الوضع الداخلي الروسي بهذا السؤ, بسبب تبعات الانهيار بعد الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي والولوج في الفوضى الاقتصادية, وتضاعف الدين الخارجي ليتجاوز مائة وستين مليار دولار في عشر سنوات, فان الاحزاب الروسية امام نيران متعددة. نار الاصلاح الاقتصادي الذي يبشر به مرشح الرئيس سيرجي كيريينكو والذي لخصة في برنامج يعتزم تنفيذه اذا تبوأ منصب رئيس الوزراء وفي مقدمته دفع الرواتب المتأخرة, وتحديد التصنيف الضرائبي المطلوب للصناعة النفطية الروسية ووضع خطة تؤدي الى نمو صناعة الفحم. لكن سيرجي كيريينكو الذي رفضه المجلس مرتين, لم يأت بجديد, فالاصلاح الاقتصادي هو شعار الرئيس يلتسين منذ تسلمه الرئاسة, وقد ادت ادارته للبلاد الى هذا النوع من الكوارث. ان السؤال الآن ليس بقاء مجلس الدوما او رحيله, بقدر ما هو مستقبل روسيا التي يقال انها تدار من قبل مستشارين ثلاثة الاول ابنة الرئيس تاتيانا دباشينكو التي تقوم بدور متزايد, وفالنتاين يوماشوف الذي يحلو ليلتسين قراءة خطبه التي يكتبها, وبوريس بيريزوفسكي الذي يحمل الجنسية الاسرائيلية اضافة للجنسية الروسية. ويبدو ان الاخير هو المقرر الاقوى حيث استطاع ابعاد اقرب المقربين الى يلتسين, رئيس الوزراء المقال فيكتور تشيرنوميردين. فهل تتجاوز روسيا محنتها مع رئيس الوزراء الجديد ام انها استحقاقات ما بعد الانهيار واسدال الستار على الحرب الباردة؟

Email