اكبر القتلة قاتل الأمل: بقلم - عبد الرحيم الشاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ عشرين عاما صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (425) الخاص بالانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان بدون قيد او شرط. ولكن هذا القرار لم ينفذ لان مجلس الامن الدولي لم يستطع ارغام العدو الصهيوني على الانسحاب من الجنوب اللبناني ولان الولايات المتحدة الامريكية الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني لم تكن لتسمح لمجلس الامن الدولي ان يرغم اسرائيل على الانسحاب بالقوة. كما لم تتخذ الامم المتحدة اية اجراءات او عقوبات اقتصادية او سياسية او غيرها لارغامها على الاذعان للقرار الدولي. وكان هذا موقف الامم المتحدة بخصوص كافة القرارات التي تدين العدو الصهيوني ولصالح القضايا العربية العادلة منذ قرار تقسيم فلسطين عام 1948. لقد خضع الشعب العربي طوال مراحل التاريخ لشتى انواع الاستعمار والاضطهاد السياسي والعسكري والاقتصادي, ولكن بارادة ابناء الشعب العربي المدافعين عن عدالة قضيتهم وحقوقهم المقدمين التضحيات تلو التضحيات, استطاعت أمة العرب ان تحصل على الاستقلال. وعلى سبيل المثال قاوم الشعب العربي في الجزائر الاستعمار الاستيطاني الفرنسي اكثر من مائة عام وقدم اكثر من مليون شهيد ارتوت بهم الارض العربية الجزائرية حتى حصلت الجزائر على استقلالها. وكذلك ناضلت الشعوب العربية الاخرى حتى حصلت على استقلالها. وقد علمتنا تجارب التاريخ ان الاستعمار لا يرحل عن بلاد محتلة الا بعد أن يزرع فيها بذور الفتنة والتفرقة والانقسام حتى تعيش بعد رحيله عنها ممزقة في خلافاتها غارقة في نزاعاتها مبعثرة القوى لا يلتئم لها جهد لقيادة نهضتها وبناء مستقبلها. ولم تكن بلادنا العربية أسعد حظا من البلاد الاخرى. فلقد ترك لنا الاستعمار بالاضافة الى المشكلات الداخلية في كل قطر عربي, والمشكلات بين الدول العربية, زرع لنا في قلب الوطن العربي دولة بني صهيون, التي استنزفت مواردنا المالية والبشرية. ومنذ صدور قرارتقسيم فلسطين عام 1948 خاض العرب معارك وحروب مع هذا العدو الصهيوني في اعوام ,1956 ,1967 وحرب اكتوبر ,1973 التي حقق فيها العرب الانتصار على العدو المدعوم من القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية. تحقق الانتصار عندما تضافرت الجهود العربية جميعها من المحيط الى الخليج. ولكن مما يؤسف له ان العرب لم يستثمروا هذا الانتصار لفرض شروطهم وتحقيق مطالبهم المشروعة والعادلة بل على العكس, ومنذ مطلع الثمانينات والأمة العربية تعاني اشد انواع التشرذم والضياع والصراعات العربية. فكان الاجتياح الصهيوني للبنان ومن ثم استمرار الاحتلال للجنوب اللبناني, ولم يستطع العرب في ظل حالة التردي الوقوف في وجه العدوان. ومن ثم جاءت الحرب العراقية الايرانية التي استنفذت الثروات والموارد العربية. واخيرا كانت الكارثة من جراء الاحتلال العراقي لدولة الكويت في اغسطس 1990 والذي فرق العرب, ومازالت آثار هذا الاحتلال باقية الى اليوم, بحيث أصبح العرب عاجزين عن عقد قمة عربية واتخاذ قرار لمصلحة الأمة العربية يعيد اليها تضامنها. ثم جاءت اتفاقيات اوسلو التي أخذت من العرب واعطت لاسرائيل اكثر مما كانت تتوقعه اسرائيل نفسها وحليفتها الولايات المتحدة الامريكية, دون ان تعطي العرب اي مقابل ملموس على الارض, وكان رد بعض العرب المهزومين انه ليس بالامكان ابدع مما كان, وتناسوا ان اكبر القتلة هم قاتلي الامل. بعد خمسين عاما على قرار تقسيم فلسطين وقيام دولة الكيان الصهيوني كان لسان حال بعض العرب (لقد حاربنا بما فيه الكفاية وحان وقت الصلح والسلام مع العدو) وتناسى هؤلاء ان صداع الوجود والبقاء ليس رهنا بزمن معين. لقد ناضل الشعب في جنوب افريقيا قرابة 350 عاماً حتى حصل على استقلاله وقضى على التفرقة العنصرية واصبح اصحاب الارض الشرعيين يحكمون بلادهم ولم يهنوا ولم يستكينوا. فما بالنا نحن العرب بعد 35 عاما نعلن استسلامنا وموافقتنا على شروط العدو. لقد علمتنا تجارب التاريخ (ما ضاع حق وراءه مطالب) وعلمتنا ايضا ان الحقوق تنتزع ولا تمنح, ففي خضم حالة الضياع والتردي التي يعيشها العرب. يبزغ فجر جديد فلابد لارادة الشعوب ان تنتصر, وها هي المقاومة اللبنانية تسطر احرف من نور في الصمود وتقدم اروع الأمثلة في البطولة والفداء. فلقد رفضت المقاومة اللبنانية منطق القوة والغطرسة الصهيونية, وعدم التزام العدو بتنفيذ القرار الدولي رقم (425) فقررت ان تتولى بنفسها مسؤولية تحرير الارض بالقوة مهما كان الثمن باهظا فقدمت لنا المقاومة اللبنانية البطلة التضحيات وقرابين الشهداء حتى ارتوت ارض الجنوب اللبناني بدماء الشهداء الابرار الذين اقضوا مراقد العدو وابهروا العالم بصلابة مقاومتهم وشرعية الدفاع عن مصالحهم وارضهم ووجودهم. لم يخافوا الطائرات والصواريخ وشتى انواع الاسلحة الفتاكة. كان دفاعهم عن ارضهم وعرضهم فوق كل اعتبار. اجبروا العدو على الانسحاب من مواقع عديدة, اجبروه على الاعتراف بقوة ارادتهم وعزيمتهم. والآن وبعد مضي عشرين عاما على القرار الدولي رقم (425) الخاص بالانسحاب من جنوب لبنان, قرر العدو ليس بارادة المجتمع الدولي وليس بضغوط الولايات المتحدة الامريكية الحليف الاستراتيجي ولكن بإرادة وعزيمة وصمود المقاومة اللبنانية, الاعتراف بالقرار رقم (425) وقبول العدو الانسحاب من جنوب لبنان. ان ما يجري في الجنوب اللبناني انما يبعث الحياة والامل في النفوس ويوقظ المهزومين الذين رأوا العدو خلاص لنا الا بالجلوس مع الدو والقبول بشروطه. الذين رأوا ان أمننا واستقرارنا لا يتحقق الا بالخضوع لمصالح العدو. ونسي هؤلاء ان ارادة الشعوب لاتهزم وهي القادرة على قهر الطغيان والجبروت. وان ارادة الشعوب هي وحدها القادرة على حماية مصالحها وأمنها واستقرارها. وصدق الشاعر حيث قال. اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر ولابد لليل ان ينجلي ولابد للقيد ان ينكسر قسم العلوم السياسية ــ جامعة الامارات العربية المتحدة

Email