السلم والديمقراطية والتنمية الاقتصادية: بقلم - الدكتور تيسير الناشف

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يعني السلم والأمن مجرد عدم نشوب النزاع على الصعيد الوطني والصعيدين الاقليمي والدولي. معنى السلم والأمن أوسع من ذلك. انهما يعنيان عدم وجود الظروف التي تهدد التمتع بالحياة والوئام الاجتماعي. ومن هذه الظروف عدم تحقيق التنمية الاقتصادية التي تنطوي على ازالة الفقر والجوع والبطالة وغيرها من مظاهر انعدام التنمية الاقتصادية. وبالتالي لا يتحقق السلم والأمن دون كفالة تحقيق هذه التنمية. ومما له صلة بالموضوع ان التدابير التي تتخذ لكفالة السلم والأمن يجب أن تشمل بذل الجهود لكفالة تحقيق التنمية الاقتصادية. وستبقى الجهود التي تبذل لفض النزاعات ولاستعادة السلم والأمن عديمة الجدوى ما دامت شعوب العالم النامي عاجزة لأسباب مختلفة داخلية وخارجية عن تحقيق التنمية الاقتصادية. ومما يقترن بعدم التحقيق هذا الاختلال الاقتصادي المتزايد باطراد بين دول العالم النامي ودول العالم المتقدم النمو. لقد تفاقمت الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الأغلبية الساحقة من الشعوب النامية في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية لأسباب منها تزايد البطالة وأعباء المديونية وتدهور أسعار المواد الأولية والصعوبة في تسويق منتجاتها. في ظل النظام الاقتصادي الدولي الحالي لا يستطيع ثلثا الجنس البشري على الأقل الوفاء باحتياجاتهم الأساسية, ويعيش 650 مليون شخص على الأقل حالة الفقر المدقع. والقاء نظرة على الأحوال المعيشية لسكان العالم العربي, على سبيل المثال, من شأنه أن يساعد المرء على ادراك العوز المالي والمعاناة البشرية نتيجة لعدم تحقيق التنمية الاقتصادية. وتحقيق حقوق الانسان قضية تمس البشر كلهم. ويجب ارساء معيار دولي واحد لحقوق الانسان, وتحقيق التنمية الاقتصادية حق أساسي من حقوق الانسان. وبالتالي لا يكون احترام حقوق الانسان كاملا دون تحقيق التنمية الاقتصادية. ومما له صلة بالموضوع ان المؤتمر العالمي المعني بحقوق الانسان الذي عقد في فيينا خلال الفترة الممتدة من 14 إلى 25 يونيو 1993 أكد على أن الحق في التنمية يشكل حقا أساسيا من حقوق الانسان. ويقوم ترابط وعلاقة متبادلة بين تحقيق التنمية الاقتصادية والديمقراطية, إذ لا يمكن للمواطنين ممارسة حقوقهم في اطار النظام الديمقراطي في ظل الظروف الدالة على عدم تحقيق التنمية الاقتصادية, وهي ظروف تشمل الفاقة والمرض والأوبئة والحرمان من الغذاء والكساء والمأوى والتعليم والصحة وفرص العمل. وذلك لأن الانسان المحتاج والعليل والسيئ التغذية والمفتقر إلى الكساء الوافي بالغرض والمشرد الذي لا يقيه سقف بيت والأمي والعاطل عن العمل ليس في مقدوره أن يمارس حقوقه في النظام الديمقراطي ولا يميل إلى هذه الممارسة ويتهيب منها ويكون تفكيره منصبا على كيفية الوفاء بحاجاته الضرورية الأكثر الحاحا. وتقوم علاقة متبادلة أيضا بين تحقيق التنمية الاقتصادية والحرية السياسية ــ التي هي جوهر الديمقراطية ــ وذلك لانه لا يمكن أن تتوفر حرية التفكير والتصرف للانسان الذي لم يؤمن أسباب الرزق لنفسه ولأفراد أسرته.

Email