سياسة الفضاء المفتوح ومعادلة الحرية والمسؤولية: بقلم -الدكتور محمد قيراط

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت أبوظبي عاصمة الدولة في الشهرالماضي مؤتمر الاعلام والتكنولوجيا, واهم ما لفت انتباه المشاركين والمختصين في هذا التجمع الهام هو كلمة الافتتاح حيث اعلن سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الاعلام والثقافة سياسة الفضاء المفتوح التي تتبناها الدولة وكذلك الاعلان عن تعديلات أساسية قامت بها الوزارة بشأن قانون النشر والمطبوعات. وتستدعي هاتان النقطتان الوقوف عندهما للمناقشة والتحليل. ودون اي تردد فان هاتين الخطوتين المباركتين تعنيان الكثير وتحملان في طياتهما بذور الحرية والمسؤولية والايمان الراسخ والعميق بحرية تدفق المعلومات وحرية الفكر والرأي والتعبير وكذلك الرسالة الاعلامية المسؤولة والفاعلة. فبالنسبة لسياسة الفضاء المفتوح فلا خيار امام اية دولة في ايامنا هذه سوى مواكبة التطور واللحاق بأخر ما وصلت اليه تكنولوجيا الاعلام والاتصال, فمن يحاول ان ينعزل على العالم ويتقوقع على نفسه فتكون خسارته خسارتين, الخسارة الاولى انه يجهل ويساهم في تخلف شعب بكامله ويحرمه من الاستفادة من مصادر العلم والمعرفة ومن سيل هائل من المعلومات والمعطيات لا ينضب ولا يتوقف, اما الخسارة الثانية فانه في ايامنا هذه من النادر جدا ان نجد دولة أو سلطة او إدارة او قانون او تشريعات استطاعت ان توقف التدفق العلمي للاخبار او المعلومات اوالمعطيات سواء عن طريق البريد الالكتروني او عن طريق الانترنت او البث التلفزيوني الفضائي او غير ذلك. فالامر اصبح لا نقاش حوله وقرية ماكلوهان العالمية قد تحققت رغم انف معارضيها ورغم انف دعاة الرقابة والتسلط والحذف. لكن ما يلفت الانتباه هنا ويثير التساؤل ما هي حصتنا من مدخلات الفضاء الاعلامي الدولي, وهل لنا وجود يذكر في هذا الفضاء؟ صحيح ان سياسة الفضاء المفتوح تعطي الحرية للمؤسسة وللفرد للتشبع بدون حدود ولا قوانين ولا قيد بما هو متوفر على الصعيد المحلي والاقليمي والجهوي والعالمي, لكن هل هذا يكفي ليكون لنا وجود فاعل ومؤثر في الفضاء الدولي او احتى في فضائنا الاقليمي. ام اننا سلمنا مواطنينا ومشاهدينا غنيمة للصناعات الثقافية الغربية التي تعمل بطبيعة الحال على تكريس قيم دولها سواء كانت ثقافية أم حضارية ام استهلاكية... الخ. فسياسة الفضاء المفتوح بحاجة الى سياسات عديدة تهدف الى الانتاج والمشاركة في صناعة المعلومة والمعرفة ليس محليا فقط وانما على المستوى العالمي. فسياسة الفضاء المفتوح يجب ان تكون سياسية ايجابية فاعلة, وليست مستقبلة سلبية, وهذا يعني انه يتوجب علينا كعرب وكمسؤولين على قطاع الاعلام والثقافة ان نخصص ميزانيات وامكانات وكوادر بشرية مبدعة وخلاقة لتواكب العصر وتساهم في مدخلات الثقافة العالمية. الصناعات الثقافية العربية: هل من وجود لها؟ كثرت الفضائيات العربية في العقد الاخير من هذا القرن وتجاوزت الثلاثين محطة, وهذا يعني ان البث التلفزيوني الفضائي العربي زاد بثلاثين ضعفا او اكثر مما كان عليه قبل البث الفضائي, والمنطق هنا يفترض ان الانتاج التلفزيوني يزيد بزيادة حجم وساعات البث. ما نلاحظه في حقيقة الامر ان هذا الانتاج تراجع وأصبح البث التلفزيوني العربي في غياب الانتاج والابداع يتسم بالركاكة والروتين والتقليد والى غير ذلك. صحيح ان سياسة الفضاء المفتوح هي خطوة مباركة وعملاقة لكن يجب ان تدعم في ارض الواقع بالانتاج والابداع وليس الاستهلاك السلبي والاعتماد على المعلب والمستورد. سياسة الفضاء المفتوح تتطلب كذلك نسبة عالية من المهنية والاحترافية والمسؤولية وهنا يجب على القائم بالاتصال ان يلعب دور الفاعل والمساهم والمشارك في العملية الاتصالية سواء محليا او اقليميا او دوليا. وهذا يعني كذلك المستهلك العربي سواء كان مشاهدا او قارئا او مستعملا للانترنت وغير ذلك من الوسائط المتطورة يجب ان يكون في مستوى من الوعي ومن المسؤولية ومن الكفاءة في التفاعل مع ما يقدم له. فالفرد يجب ان يكون في مستوى الحرية التي ينعم بها في التفاعل مع رسائل اعلامية ومنتجات ثقافية ترد اليه من كل صوب من المعمورة. فاذا اخذنا على سبيل المثال الانترنت فاننا نجد ان حصة العرب من مدخلات هذه التكنولوجيا محدودة جدا لا تكاد تذكر رغم ان الاقبال على هذه التكنولوجيا والتفاعل معها واستهلاك محتوياتها من قبل المواطن العربي في زيادة مطردة في العالم العربي من شرقه الى غربه. وهنا نتساءل هل بدأنا نفكر في ما يجب ان نقدمه للآخرين مقابل ما نستقبله ونستهلكه من عندهم؟ العملية اذا بحاجة الى تأكيد الذات وفرض وجودنا حتى لا نذوب في الآخر وهنا تصبح سياسة الفضاء المفتوح نقمة وليست نعمة على دولنا العربية. الرقابة الذاتية: من أهم المشاكل التي تواجه القائم بالاتصال في الوطن العربي الحصانة القانونية او الحماية من جبروت السلطة والمال والانتماءات السياسية والجماعات الضاغطة وغير ذلك, وفي غالب الاحيان يكون مغلوبا على امره لا يشفعه القانون ولا النقابة او جمعية الصحافيين ان كانت موجودة. وينتهي الامر بزميلنا الصحافي وحتى يتجنب اي مشكل يذكر مراقبة نفسه بنفسه والممارسة الذاتية, والحذف الذاتي او الرقابة الذاتية يكونان اخطر بكثير من تلك الرقابة التي تفرض من السلطة او من جهات خفية, والضريبة هنا يدفعها بطبيعة الحال الضمير المهني والوصول الى الحقيقة ومعرفة الواقع بجوانبه المختلفة. وفي هذه الحالة وبتفشي هذا المرض الداخلي تنعدم المصداقية ويفرغ الاعلام ومهنة الصحافة من المحتوى الحقيقي للرسالة الاعلامية وتتفشى ظاهرة اعلام التلميع و(الزغردة) والتطبيل) واعلام المناسبات والمراسم والبروتوكولات. وبدلا من يكون الجهاز الاعلامي في خدمة الصالح العام وفي خدمة المجتمع وذلك بالتنقيب والاستقصاء والتحقيق في الفساد والرشاوى والامراض الاجتماعية نجد الآلة الاعلامية تسكت عن كل هذه الامور وتتسابق لتغطية الاخبار الروتينية والاخبار التي لا تغني ولا تفقر. ونلاحظ هنا وفي الكثير من الدول العربية والمؤسسات الاعلامية غياب مواثيق الشرف التي تحمي المهنة من المتطفلين عليها ومن الانتهازيين والمنافقين. تعديلات قانون المطبوعات والنشر: السائد والمعروف ان القوانين والتشريعات يضعها الانسان في ظروف معينة وفي بيئة معينة من اجل تنظيم تصرفات وسلوك وآليات معينة في المجتمع وبتطور الظروف والبنية التحتية والوسائل التكنولوجيا وبتطور الانسان كذلك لابد من مراجعة هذه القوانين والنظر فيها وتطويعها حتى تلائم التطورات التي يشهدها المجتمع ومختلف مؤسساته سواء داخليا او خارجيا. مبادرة وزارة الاعلام والثقافة جاءت في الوقت المناسب لتتماشى مع سياسة الفضاء المفتوح ولتتأقلم مع التطورات الهائلة والسريعة التي يشهدها العالم في مجال تكنولوجية الاتصال والاعلام والعلم والمعرفة. هذا يعني كذلك ان قانون المطبوعات والنشر لسنة 1980م اصبح لا يلائم ما شهدته وتشهده دولة الامارات العربية المتحدة خلال العقدين الاخيرين. وهذا يعني ان صاحب القرار في الدولة له النية الكاملة والراسخة والصادقة في ايجاد مناخ صحي وسليم نقي للممارسة العملية الاعلامية في دولة الامارات العربية المتحدة. كل ما ينتظره القائم بالاتصال في اية بقعة من العالم هو حصانته بقوانين جريئة شجاعة تحميه من جبروت السلطة سواء كانت سلطة المال او السياسة. والاداء الصحفي النزيه والشجاع والمسؤول لا يتأتى الا في محيط تحكمه قوانين واضحة مفهومة وصارمة تطبق على الجميع دون تحيز ولا تمييز ولا استثناء. ففي ظل قوانين وتشريعات صارمة وواضحة يعرف الصحافي ما له وما عليه ويعرف انه امام مسؤولية كبيرة وانه المراقب الامين والملاحظ الملتزم والناقد النزيه لكل ما يجري في المجتمع. ونلاحظ هنا ومن خلال كلمة معالي وزير الاعلام والثقافة لدى افتتاحه مؤتمر الاعلام والتكنولوجيا حرص دولة الامارات على الدور الايجابي الذي يجب ان تلعبه وسائل الاعلام حيث اكد معاليه وبكل وضوح فلسفة الدولة ووجهة نظرها في المؤسسة الاعلامية في كلمة الافتتاح حيث قال: اننا نؤمن بأن الصحافة ليست مصدرا للمعلومات فحسب. بل انها تعبر عن ضمير المجتمع وتساعد في تسليط الضوء على ما يعتري النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي من اخطاء وثغرات اضافة الى ما يحققه من مكاسب ونجاحات, ونلاحظ هنا كذلك ان صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة اكد على ذلك في العديد من المناسبات واولى اهتماما كبيرا للقائم بالاتصال ودوره الاستراتيجي في المجتمع. الامر اذا لا غبار عليه ولا جدال حوله, فسياسة الدولة واضحة تمام الوضوح ازاء آلتها الاعلامية وماذا تريد منها, لكن الامر الذي يطرح نفسه هنا هل القوانين لوحدها تكفي؟ وهل البنية التحتية و والتكنولوجيا تكفي لايجاد منظومة اعلامية فاعلة في المجتمع وتعمل على تصحيح اخطائة وكشف عيوبه و المساهمة بذلك في تطويره وتطوير روح النقد الذاتي والتعلم من الاخطاء وقبول هذه الاخطاء بكل روح رياضية. خطوة وزارة الاعلام سواء بالنسبة للفضاء المفتوح أو للتعديلات الجديدة في قانون المطبوعات و النشر خطوات مباركة وتبشر بالخير يجب ان تتبعها خطوات اخرى كتدعيم المؤسسة الاعلامية في دولة الامارات بالعنصر المواطن الذي يعرف احسن من غيره خبايا وخلفيات وحيثيات مجتمعه كذلك يجب التفكير في تكوين القائم بالاتصال وتدريبه بصفة مستمرة ودورية حتى يتأقلم مع التطور الهائل والسريع في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات, ووزارة الاعلام وكذلك المؤسسات الاعلامية المختلفة بتقديم التعليم المتواصل والتدريب المستمر لاطاراتها وكوادرها الصحفية. المؤسسة الاعلامية لا يجب ان تنشغل بالاعلانات وبالربح فقط دون النظر في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ووزارة الاعلام وكذلك المؤسسات الاعلامية المختلفة مطالبة بتقديم التعليم المتواصل والتدريب المستمر لاطاراتها وكوادرها الصحفية, المؤسسة الاعلامية لا يجب ان تنشغل بالاعلانات وبالربح فقط دون النظر الى المستلزمات الضرورية واللازمة لتقديم رسالة اعلامية مسؤولة حرة نزيهة وفاعلة. قسم الاتصال الجماهيري جامعة الامارات*

Email