أبجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكتابة اليومية, تعني ان تتجرح بالقلق والتوتر كل يوم, وأن تنام ليلتك وانت تضع تحت وسادتك الكثير من دعوات الافطار الحميمة او صحبة النهار الحلوة مع عدد لا بأس به من القراء في نهار الغد الآتي. ولا تدري يقينا من هم أولئك القراء في عالم الاسماء والملامح, لكنهم بالتأكيد يعرفونك بصدق ويحبونك بثقة وبيقين تام. وهذا الصدق وهذا اليقين الذي يهبك إياه هؤلاء, ويجددونه لك في كل صباح يطاردون فيه ما تكتب, يجعلك في احسن حالات التورط الجميل, وتحت وطأة اكثر المشاعر رعبا.. الاحساس بالمسؤولية! ويوم كنا طلابا, قرأنا حكاية الخليفة الاسطوري عمر بن عبد العزيز, ومازلت اتذكر في حكاية عمر ذلك الفخ العجيب من مشاعر المسؤولية, بعد توليه الخلافة, والتي تلبسته وسيطرت عليه, حتى تجاوزت الشعور والتنظير الى ممارسة تنجدك في لحظات ودقائق يومه كله. هذا الرجل العظيم كان دائم الدعاء: (الحمد لله الذي جعل من اهلي من يعينني) وكانت زوجته فاطمة خير معين, وكان ابنه يسير على خطاه, حتى صار يحاسبه وينصحه ويعينه دائما. وليس منا من ليس بحاجة لهذا النور... نور النصيحة والعون, خاصة من اولئك الذين يزيدون في توريطنا كل يوم بمزيد من الثقة والمسؤولية وسعي التواصل. هؤلاء القراء, هم زادنا ورفقاء الطريق, وعليه فنحن نقذف الكرة في ملعبهم ــ ليس تهربا من المسؤولية ــ ولكن لأن الحياة بنصف حلم, لا تتحقق, وبنصف أمنيه لا تكون جميلة, وبعين واحدة لا ترى كما يجب. يوم اتصل بي الاخ طلعت يوسف من دبا الفجيرة, وكان صوته ينضح بالأسى, فإنه قذف أساه ومعاناته في اجواء نفسي التي لا ينقصها ذلك, ومعنى سعيه تجاهي سعي قد لا أستحقه وقد لا أطيق احتمال تبعاته وان كنت أرجو من الله عكس ذلك ولكنها ــ كما قلت ــ تلك البطاقة اليومية التي تحجزها مساءً عندما تأوي الى فراشك بعد ان تنتهي من كتابتك اليومية. بطاقة الدخول الى قلب القارىء, والى صميم معاناته, تصريح مفتوح فريد من نوعه, تحصل عليه بالولوج الى اكثر العوالم تحصينا وحرمة, لم تفكر يوما فيها, ولم يفكر فيها حتى اولئك الذين فتحوها لك وجعلوها مشرعة امام اجهزتك الفاحصة, صدقك ووعيك أولا, وقلمك وأوراقك ثانيا. ويوم قال لي الاخ الفاضل يعقوب, بأن حديثي معه في ذلك الصباح قد فتح له آفاقا, وأذاب جليدا كان متراكما في الفهم وربما في التصورات يومها اجبته بأن جبال الجليد لا تنزرع في طريقنا, نحن الذين نستنبتها ونسعى للاصطدام بها فتكون نهايتنا. ووحده الحوار المسؤول يفتح أقسى الابواب المغلقة, ويذيب كل جبال الجليد. ويوم جاءتني الاخت أميرة بمستنداتها وحكاية توأمها الجميل, ربما لم استطع يومها ان اتحدث علنا في تفاصيل الحكاية, لكنني لم أتبرأ منها وحاولت الوصول معها الى ضفاف اخرى, ربما كانت اجمل من الابجديات واظن بأن الصرخة قد وصلت الآذان أو في طريقها. واطرق ــ اطرق.. اطرق.. لابد أن ينفتح الباب يوما على مصراعيه لنقف معا.. نحن والقراء على أعتاب عوالم نسعى جميعا اليها بيقين صادق.

Email