أبجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

بطبيعته, فإن الشباب صغار السن, ممن تعارفنا على تسميتهم بالمراهقين, غالبا ما يلجأون الى بناء اسوار من الخصوصيات والسرية حول علاقاتهم وتصرفاتهم واهتماماتهم . فإذا تساءلنا عن السبب, فربما نغرق انفسنا في تفسيرات مستعارة من خبرات الاطباء النفسانيين, او الآباء اصحاب التجارب, أو كتب علم النفس, وقد تكون هذه التفسيرات مقبولة وصحيحة, وقد لا تكون, ولكن الاكيد ان هذه الظاهرة تكاد تكون معروفة ومتكررة امام انظار الجميع في كل البيوت المغلقة الأبواب والنوافذ. وحينما قررت صديقتي ان تغير اثاث غرفة ابنائها, احتج أحدهم بأن الخزانة الجديدة بلا أدراج وبلا أقفال, وحينما سألته مداعبة (على ماذا تخاف يا عزيزي, على الملايين ام على أسرار الدولة؟ اجابها جادا: لي أسراري الخاصة التي لا علاقة لاحد بها! واتضح لها فيما بعد ان اسرار هذا المراهق الصغير ليست سوى بطاقات تهنئة من أشخاص مجهولين لا تعرفهم, ودمى رقيقة, وعلب صغيرة و... عالم من المراهقة والرومانسية, يجدف بعكس اتجاه عقارب السياسة والاقتصاد والمجاعات, وأزمات العالم الثالث, وامتحانات الدراسة الثانوية. صديقتي ألمحت لي في حديث لاحق بأنها, مرّرت هذا الموقف أمام ابنائها بشكل بدا طبيعيا, لكنها لم تستطع ان تمرره على نفسها بالسهولة ذاتها, ليس لانه مهم وخطير فقط, ولكن لانها اكتشفت بأنها في غفلة عن حياة ابنائها الخاصة, التي صارت تنمو بعيدا عنها في حماية الاسرار والخفايا المقلقة. تفاعل الأم مع هذه الظاهرة بهذه الحساسية مطلوب, ولا مبالغة فيه, ذلك ان (اكبر النار من مستصغر الشرر) . مثل صحيح جدا, ولاشك ان الانتباه الى بدايات المشكلة افضل مليون مرة من تحاشيها او تجاهلها تحت حجج واهية. حكاية صديقتي مع ابنها صاحب (الاسرار) تمثلت أمام عيني وأنا استمع بأسى الى قصة اخرى, اكثر مأساوية, يرويها شقيقي عن صديقه الشاب الصغير في السن, الذي تركه مساءً بعد جلسة حلوة كان خلالها يضج مرحا وصخبا, ليفجع في صباح اليوم التالي بخبر وفاته منتحرا!! ما السبب؟ لا احد يدري, ولا أحد يملك تفسيرا لهذه الفاجعة, فربما كان يعاني أزمة ما دراسية أو عاطفية أو.. أو... وبالتأكيد فقد كانت له هو الآخر اسراره التي لم يقترب منها أحد ولم ينتبه اليها اقرب المقربين. وأعادت الى ذهني هذه القصص, تلك الدراسة الامريكية التي اظهرت ان معظم الآباء في الولايات المتحدة لا يصدقون ان ابناءهم يجربون المخدرات, فهم لا يعرفون بوجود الماريجوانا المخدر الشائع بين المراهقين لدى اطفالهم, وحسب الدراسة فإن فئة الاطفال لعمر 9 ــ 12 عاما شهدت ارتفاعا في اعداد الذين جربوا تدخين الماريجوانا الخطيرة من 334 الفا في الولايات المتحدة عام 1993 الى 571 الفا عام 1997 اي اكثر من نصف مليون طفل. غفلة الاباء عن ابنائهم جريمة لا تكفيها كل عقوبات القوانين المتداولة فانتبهوا ايها السادة الآباء, لان نسبة الشباب المواطنين الذين يغادرون الحياة قبل ان يفرحوا ببهجتها اصبحت ملفتة للنظر, وعالم الاسرار لا يزال يحيط بنسبة اعداد اخرى. انتبهوا حتى لا نصبح كآباء أمريكا المغفلين.

Email