الجنوب اللبناني.. والضغوط العدوانية الإسرائيلية! بقلم - نصير الاسعد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد الصياغة الجديدة لموقفها حيال الجنوب اللبناني, والتي بموجبها اعلنت اسرائيل اعترافها بالقرار 425 واستعدادها لتطبيقه والانسحاب تاليا من لبنان بشروط تزعم انها تتماشى مع القرار الدولي, شنت اسرائيل على امتداد الاسابيع الاخيرة هجوما دبلوماسيا سياسيا سعت من خلاله الى كسب التأييد الاقليمي والدولي للضغط على لبنان واستدعائه الى مفاوضات لبنانية ــ اسرائيلية حول القرار ومترتباته الامنية المزعومة اسرائيليا. وقد بلغ الهجوم الدبلوماسي السياسي الاسرائيلي محطة بات يمكن معها تقديم الحصيلة السياسية لهذا الهجوم, والتي نسارع الى القول من دون تردد انها (اي الحصيلة) تمثل فشلا سياسيا اسرائيليا, وهو ما سنبرهن عليه من خلال هذه المعالجة. الهجوم الدبلوماسي السياسي الاسرائيلي والحصيلة السياسية الفاشلة سعت اسرائيل الى كسب تأييد اقليمي ــ دولي مزدوج لتفسيرها للقرار 425 على أنه قرار بانسحاب اسرائيلي من جنوب لبنان مشروط بترتيبات أمنية سابقة على الانسحاب ولاحقة عليه من ناحية, ولدعوتها الى مفاوضات لبنانية ــ اسرائيلية على اساس التفسير الاسرائيلي الانف من ناحية ثانية. غير ان اسرائيل لم تقنع احدا اقليميا ودوليا بالامرين, فلا هي كسبت تأييدا لتفسيرها للقرار 425 في وقت كان الجواب الاقليمي ــ الدولي عامة بأن القرار 425 يدعو الى انسحاب اسرائيلي دون قيد او شرط, ولا هي كسبت تأييدا لدعوتها الى مفاوضات منحكمة الى التفسير الاسرائيلي للقرار الدولي, والاهم في نظرنا انها جوبهت بموقف اقليمي ــ دولي يرى ان يتزامن تنفيذ القرار 425 مع اختراق حقيقي (اي تقدم) على مستوي العملية السلمية ككل في المنطقة, لا ان يكون التنفيذ ــ المشروط اسرائيليا ــ بديلا من العملية السلمية ككل.. وهذا ما جرى التعبير عنه بالقول ان تنفيذ القرار 425 يجب ان يتم في اطار حل شامل في المنطقة ككل. الجواب الاقليمي ــ الدولي لم يقر بتلازم المسار اللبناني والسوري فحسب, بل ارتقى الى المطالبة بحل شامل. هذا كان الموقف العربي من خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل أيام. وهذا كان الموقف الاوروبي الاجمالي وقد أكده وزير الخارجية البريطاني روبن كوك خلال جولته في المنطقة في الأيام الاخيرة. وهذا كان بشكل عام موقف الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان. فعلى الرغم من قوله ان (على الاطراف المعنيين ان يتحدثوا وان يتفاوضوا ويقبلوا التسويات الضرورية لتنفيذ القرارات الدولية فهي لا تفرض نفسها) , مما فهم منه أنه يعتبر القرار 425 قابلا للتفاوض, الا انه رأى في المقابل ان في الامر (زاوية سورية) لابد من اخذها في الاعتبار, تأكيدا منه على ارتباط الحل على المسار اللبناني بالمسار السوري بشكل محدد. لكن اللافت للانتباه, هو ان موقف الولايات المتحدة الامريكية كان كذلك ايضا. فعلى الرغم من ان وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت وعدت بدراسة خطة الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان والتي حملها وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي الى واشنطن, وعلى الرغم من ان وزير الدفاع الامريكي وليم كوهين رفض اعتبار (الوجود الاسرائيلي) في الجنوب اللبناني احتلالا, فقد سارعت الادارة الامريكية الى تعميم موقف يقول ان تنفيذ القرار 425 الخاص بجنوب لبنان ينبغي ان يتم في اطار (حل شامل) . هل تمتثل اسرائيل للجواب الاقليمي ــ الدولي؟ نقول اذا ان الهجوم الدبلوماسي ــ السياسي انتهى الى حصيلة سياسية فاشلة اقليميا ودوليا منظورا اليه من زاوية ما كانت اسرائيل ترمي الى تحقيقه على النحو المشروح آنفا. في المقابل ان الجواب الاقليمي ــ الدولي لاسرائيل والذي يعلن ان تنفيذ القرار 425 يجب ان يتم في اطار حل شامل, يعني في العمق ان الربط مستمر بين الجانب الاقليمي من (الازمة اللبنانية) وازمة الشرق الاوسط, لا بل ان تمديدا لهذا الربط قد حصل وان الفصل بين الحل في لبنان والحل في المنطقة لا يشكل امكانية واقعية. بكلام آخر, اعتبر البعض في لبنان ان (العرض الاسرائيلي) بتنفيذ القرار 425 بصرف النظر عن الاشتراطات الاسرائيلية القابلة في نظر هذا البعض للبحث الذي يجب ان يؤدي الى استبعاد ما يرفضه لبنان, اعتبر البعض اذا ان هذا العرض يشكل فرصة لاستعادة لبنان سيادته على ارضه وفرصة لتحقيق الفصل بين (ازمة لبنان) , و(أزمة المنطقة) . وبهذا المعنى يرى هذا البعض ان فشل اسرائيل في كسب تأييد اقليمي ــ دولي لخطتها, ليس نجاحا آليا للبنان الذي خسر هو ايضا فرصة لــ (تحرير) ارضه, ولكن بعيدا عن الجدل الذي دار في بعض الاوساط السياسية والاعلامية اللبنانية, يبدو ان الجواب الاقليمي ــ الدولي الذي اعطى لاسرائيل رسم المعادلة السياسية مرة اخرى لا فصل للحل في الجنوب عن الحل في الشرق الاوسط ككل. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بالحاح هو الآتي: هل تمتثل اسرائيل للنتيجة التي انتهى اليها هجومها الدبلوماسي ــ السياسي خلال الاسابيع الاخيرة, اي هل تمتثل لمضمون الجواب الاقليمي ــ الدولي الذي اعطى لها وترتب عليه الاستنتاجات المنطقية؟ لنعد اذا الى هذا الجواب وما قاله فعليا: الجواب الاقليمي ــ الدولي يقول لاسرائيل ان لا عزل للبنان عن سوريا ولا عزل تاليا للمسار اللبناني عن المسار السوري. واذا كان تنفيذ القرار 425 يجب ان يتم بالرأي الاقليمي ــ الدولي الغالب من ضمن (حل شامل) , فبالاحرى ان يرتبط بالحل على المسار السوري. والجواب الاقليمي ــ الدولي يقول لاسرائيل ان لا عزل لتطبيق القرار 425 عن موافقة سوريا, وهذا ما يرتب منطقيا ان يتم استئناف المفاوضات على المسار السوري وان تتقدم هذه المفاوضات. وبما ان استئناف المفاوضات مرهون بموافقة اسرائيل على مواصلتها من النقطة التي انتهت اليها في فبراير 1996 كما تطالب سوريا كضمانة للمفاوضات وتقدمها, فمن الواضح اذا ان على اسرائيل ان تقوم بما يلزم. هذا هو الجواب الاقليمي ــ الدولي الذي اعطى لاسرائيل فاذا استوعبته ورتبت عليه النتائج المنطقية, فان عليها ان تسلك في اتجاهين متكاملين: الاول استئناف المفاوضات على المسار السوري بضمانة سياسية رئيسية هي الموافقة على مبدأ الانسحاب من الجولان بحيث لا تتعطل المفاوضات من أساسها. والثاني تجديد انطلاقة المسار الفلسطيني بالتوقف عن عملية تفجير اتفاق اوسلو وسائر مترتباته. المعطيات الاسرائيلية والعامل الامريكي الراهن هذا ما ينبغي على اسرائيل ان تستنتجه, فهل تفعل حقيقة؟ نعرض في سبيل الاجابة عن هذا السؤال المعطيات السياسية الاسرائيلية اولا. لم تقم اسرائيل بهجومها الدبلوماسي السياسي خلال الاسابيع الاخيرة من اجل ان تصل الى هذه النتائج, اي انها لم (تتحرش) بالموضوع اللبناني والذي ارادته حلا لمشكلتها في (المستنقع) اللبناني, من اجل ان يفرض عليها في النهاية القبول بتجديد انطلاق العملية السلمية. في الجواب عن السؤال المطروح, نقول ان ما يواجه الامتثال الاسرائيلي للجواب الاقليمي ـ الدولي الذي اعطي لها, هو اولا المكابرة الاسرائيلية التي تتماشى مع النهج العام الذي تعتمده اسرائيل منذ مجىء بنيامين نتانياهو الى السلطة في اسرائيل قبل عامين من الآن. واضافة الى المكابرة في التطرف أولا ثمة نقطة ثانية. اذا كان مبدأ الخروج من لبنان نظرا للكلفة الباهظة التي تدفعها اسرائيل, يحقق اجماعا اسرائيليا رغم اختلاف الخطط لتحقيق هذا الخروج, فان مبدأ الخروج والانسحاب من الجولان لا يتحقق حوله اجماع اسرائيلي. بكلام آخر, اذا كانت اسرائيل تستطيع ان تعلن ان مشكلتها مع لبنان من طبيعة (أمنية) تحلها ترتيبات مناسبة, فانها لا تقول الشيء عن سائر الاراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان معارضة حاسمة في مبدأ الانسحاب خاصة بعد أن آلت مقاليد زعامة (حزب العمل) الى ايهود باراك. هذه هي بايجاز المعطيات السياسية الاسرائيلية التي تجعلنا نشك بان اسرائيل ستقبل بالنتائج التي يرتبها الجواب الاقليمي ــ الدولي الذي اعطى اليها. ولكن الأمر لا يقف هنا, بل يستدعي وقفة سريعة مع (العامل) الامريكي. صحيح ان امريكا قالت هي ايضا بـ (الحل الشامل) , لكننا لسنا امام مبادرة سياسية امريكية لاستئناف العملية السلمية ككل. تعلن واشنطن انها ستركز على المسار الفلسطيني وان لديها هنا افكارا معينة, لكننا هنا ايضا لسنا امام مبادرة حقيقية, باتت تتطلب اكثر من اي يوم مضى ضغطا على اسرائيل, ان وجود (أزمة) في العلاقات الامريكية ــ الاسرائيلية امر مؤكد, لكن ليس هناك ما يؤكد نية الولايات المتحدة الانتقال من (ادارة الازمة) بما تفرضه من تكيف مع اسرائيل الى المبادرة بما تقتضيه من ضغط ونقول ذلك في وقت تهدد فيه الولايات المتحدة بالانسحاب من العملية السلمية لمواجهة التصلب الاسرائيلي, فلنلاحظ هذا الضغط في التهديد بالانسحاب. خلاصة القول ان ثمة معطيات اسرائيلية تجعلنا نشك في استعداد اسرائيل للقبول بالجواب الاقليمي ــ الدولي الاقليمي, ونتائجه وان العامل الامريكي لايبدو في واقعه الراهن ضاغطا فعلا, لذا نتوقع بما هو متوفر الان ان تلتف اسرائيل على هذا الجواب ومترتباته السياسية المنطقية. الجنوب والاحتمالات الاسرائيلية غير ان تحليلنا لايقف عند هذه الحدود اذ لا بد بعد الاجابة عن السؤال السابق: هل تمتثل اسرائيل للجواب الاقليمي الدولي الذي اعطى لها, لابد من لاجابة عن سؤال آخر ماذا تفعل اسرائيل اذا؟ عن هذا السؤال اعطى وزير الدفاع الاسرائيلي اسحاق موردخاي ملامح جواب سياسي لا بد من التدقيق في احتمالات ترجمته عمليا قال: اذا ما رفض لبنان (خطة اسرائيل للانسحاب) فسيتحمل مسؤولية اي تغيير يحصل في انماط نشاطاتنا العسكرية في لبنان, وسيكون الجهة الاولى التي ستعاني من ذلك, والحق موردخاي هذا التهديد بتهديد آخر اذا قال : لبنان قد يواجه عواقب غير مرغوب فيها اذا لم يتعاون في تنفيذ القرار) . لن نتوقف كثيرا عند مفارقة وقوع الموقف الاسرائيلي بشكل مستهجن بين حدين: اعلان نية الانسحاب من جهة في مقابل اعلان نية العدوان من جهة اخرى اذ ليس بين هذين الحدين حد وسط! لكننا لابد ان نعرض الاحتمالات عنوان ان لبنان بشكل عام (وجنوبه بشكل خاص) سيبقى مقيما في دائرة الخطر الاسرائيلي. ويرى بعض المحللين ان الاحتمال الاول هو ان تلجأ اسرائيل الى انسحاب من جانب واحد وعلى الرغم من نفي اسرائيل لهذا الاحتمال وقول بنيامين نتانياهو ان اسرائيل لن تهرب من لبنان يستمر بعض المحللين على قناعتهم به فهم يرون ان اسرائيل بخروجها من لبنان تسقط ورقة الجنوب من يد سوريا وتجعل الوجود السوري في لبنان بعد الانسحاب الاسرائيلي مكشوفا سياسيا, واضافة الى ذلك فان اسرائيل لا تكتفي ــ بذلك ــ باسقاط ورقة الجنوب من اليد السورية, بل تعفي نفسها من المفاوضات على المسار السوري على الرغم من (المنطق) الذي يصاغ به هذا الاحتمال فهناك عوامل لا تساعد على ترجيحه: العالم الاول هو اعلان اسرائيل استبعادها له, والعامل الثاني ان انسحابا من جانب واحد لايشكل ضمانة لاسرائيل المطالبة بضمانات لعدم ملاحقتها الى داخل الحدود والعامل الثالث ان اسرائل تعاملت مع الوجود السوري في لبنان على انه يجب ان يشكل في النهاية رعاية لاي اتفاق امني مع لبنان تريد اسرائيل عدم اعتراض سوريا عليه. اي ان اسرائيل اعتبرت حتى الان ان المشكلة مع سوريا وان الحل معها ايضا! ويرى بعض آخر من المحللين ان الاحتمال الثاني هو قيام اسرائيل بانسحاب جزئي من منطقة معينة اي مايشبه (اعادة الانتشار) والمنطق هنا يستند الى ان اسرائيل ستحاول اصابة لبنان بأذية عبر التخريب اي ان يرتبط انسحابها بتخريب وفتنة هذا الاحتمال قائم وان كان بطبيعة الحال لا يحل مشكلة اسرائيل ولا يوفر لها الخروج من (المستنقع) اللبناني. اما الاحتمال الثالث والذي يرجحه البعض الآخر فهو العدوان العاري الواسع تحقيقا لتغيير قواعد اللعبة في لبنان هو احتمال وارد تماما خاصة ان اسرائيل يمكن ان تستغل هجومها الدبلوماسي ــ السياسي الاخير لتحمل لبنان مسؤولية فشلها لانه رفض انسحابها من ارضه وقد تكون غاية العدوان كاحتمال تغيير قواعد (تفاهم نيسان) لربطه بالمفهوم الاسرائيلي للترتيبات والضمانات الامنية. غاية القول في هذا السياق ان جنوب لبنان سيبقى مقيما في دائرة الاخطار ايا يكن الاحتمال الذي ستستقر عليه الضغوط العدوانية الاسرائيلية وهذا ما يستدعي تحوطا لبنانيا لذلك كله يكون في اساسه: التضامن الوطني اللبناني اولا, جاهزية الجيش اللبناني لتولي مسؤولية اي منطقة ينسحب منها الاحتلال ثانيا وتعزيز (التناغم) بين المقاومة اللبنانية والدولة في لبنان ثالثا... واخيرا.

Email