مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

من فوائد الطقس انه اذا التقى شخصان خاصة للمرة الاولى ولم يحدث بينهما تعارف بعد, كلقاء رجل بامرأة مثلا في اول موعد لهما, فان الاغلب ان يتحدث احدهما للآخر عن الطقس, فيقول مثلا: الله, الطقس حسن اليوم او يقول: الجو حر او برد, او: المطر شديد وغير ذلك, فيكون مفتتحا مفيدا لبقية الحوار واللقاء . غير ان الطقس والمناخ والجو والحر والبرد والمطر والصقيع والشمس والرياح مناسبة لقتل الملل ايضا, خاصة في حضرة شخص ثقيل لا يمكن ان يجرى معه حوار او كلام, فيكون الطقس مناسبا لقتل الملل او إشعاره بثقل الدم, على خلاف الميزة الاولى له, فيساعدنا هنا على غلق الموضوع وباب الحوار من أصله, كما ساعدنا سابقا على فتح الموضوع وباب الحوار. وأكتب عن الطقس اليوم للسبب الثاني, مستثقلا ظل الاخبار كافة, والموضوعات والاحداث, اي لشعور بالملل منها من ناحية اخرى, وهو حق لي ارجو من القراء الذين اعرفهم ويعرفونني ان يمنحوني فرصة ممارسته لكيلا اطق من الملل أولا, ولكيلا اثقل عليهم ثانيا, فيحدثوني بدورهم عن الطقس. وابدأ من نشرات محطات الارصاد, التي تحدثنا احداها عن ان الرياح غدا ستكون هادئة, فلا نعرف كيف تكون رياحا وهادئة في الوقت نفسه, فهي إما رياح قوية او رياح عاتية, اي اقوى, لأن الرياح والهدوء لا يمكن جمعهما, ما يدل على ان اغلب هذه النشرات تتوقع طقسا فنفاجأ بغيره في اليوم التالي, طالما انها تصر على جمع النقائض, كالموج خفيف الارتفاع, بينما المقصود الموج منخفض (الارتفاع) فالخفة والثقل للوزن لا للارتفاع والانخفاض. وتجولت في طقس العالم مؤخرا من طقس الامارات المعتدل حاليا مع الرطوبة والضباب الى اكثر المناخات تطرفا بين البرد والحر, كالحرارة المرتفعة في غير موعدها في لبنان مثلا والثلوج الشديدة في فرنسا, الى الفيضانات في بريطانيا والسيول في اجزاء من مصر وليس انتهاء بالجفاف في الفلبين, فرأيت ان التناقض يجمعها, لا على المستوى العالمي, فهذا مقبول نظرا لاختلاف المواقع والمواسم, وانما على المستوى المحلي ايضا, حيث في البلد الواحد يوجد اكثر من طقس في الوقت نفسه. وبما ان هناك تغييرات واضحة في المناخ على مستوى العالم ادت الى موجات حرارة او برد مثلا في غير مواعيدها المعتادة, كتأخر سقوط الثلوج في مواقع ما او تبكير دخول الصيف في مواقع اخرى من الكرة الارضية, فان ما تشهده بعض البلدان من مناخات متعددة ومتناقضة في وقت واحد هو ظاهرة غريبة حقا, كالثلوج في ستراسبورج بفرنسا والحر الشديد في نيس مع ان المسافة بينهما ليست كبيرة الى الدرجة التي يختلف الطقس فيهما بهذا المقدار. وعندنا اليوم مثال مصر, التي تبلغ فيها درجة الحرارة في القاهرة مثلا والصعيد كأسوان 44 درجة مئوية, مع هبات من موجات الخماسين الساخنة فان محافظات اخرى كالشرقية تشهد سيولا وفيضانات وعواصف شديدة, وفي كل طقس من هذه المناخات ما فيه من مضار لفئات وفوائد لفئات اخرى من الناس, كانتشار اللصوص مثلا في مدن بريطانية في الشرق والوسط لسرقة بيوت هجرها سكانها بعد الفيضانات الاخيرة. وما دمنا وصلنا لفوائد الطقس فنختم بها, فمن هذه الفوائد زيادة بيع أمصال العقارب والثعابين التي تنشط مع الخماسين في مصر, وبيع أدوية مضادة لضربات الشمس, وكذلك زيادة في مبيعات المثلجات والعصائر الباردة وقوالب الثلج في الطقس الساخن, علاوة على فوائد تكسبها شركات التأمين لازدياد حوادث الطرق مثلا او دمار ممتلكات من الفيضانات, فتعوض ما تخسره جزئيا في مزيد من التأمينات الجديدة, او كامتناع طلبة المدارس مثلا عن الذهاب الى مدارسهم, وغير ذلك من فوائد متعددة, فنعرف ان للطقس عند كثيرين منافع كثيرة, ليس الا اقلها كسر الملل والضيق, كما فعلت اليوم.

Email