أبجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما أتنقل بين محطاتنا الفضائية المحلية بحثا عن شيء ما افتقده ولا أدريه, ولكني احتاجه بشدة, ينتابني يقين غريب بأن لبنان الجميل, قد صادرنا فضائيا,واثبت انه متمدد في فضائنا الاعلامي بفضل مذيعاته المغناجات, فأغلق التلفاز لانني أكره ان يصادرني أحد . وحينما تجلس امهاتنا أمام التلفزيون, تكتسي ملامحهن بالرضا والبهجة, وتذهب عيونهن الى أبعد من هذا المعروض على الشاشة, خاصة عندما يكون المقدم, طبقا شبيها بسلال الرطب الحلو أيام القيظ التي تولت, او يكون شيئا من رائحة البحر والسمك والاحياء العتيقة. لكنهم يمتعضن, وتدمدم الشفاه كلمات احتجاج كلنا نسمعها, حينما تمتلىء الشاشات بسلع على شاكلة (حلوين, طيبين, بنحبكم) او (انتو حلوين, انتو كاشخين) وايوه يا عسل) , وضجيج من كل مكان تشعر به يصيبك بالحنق, واحيانا بالخيبة, لانك ـ باختصار ـ منفي خارج اللغات والوجوه والعروض. نتحدث بصراحة وحرقة فنقول: كلنا يفتقد الفاكهة النادرة في موسم جليد قطبي, وبينما يستمتع الاخرون بالتزلج, ويتقاذفون كرات الثلج التي لم نعرفها يوما, نكتشف نحن بأننا لا نجيد التزلج وباننا خارج الابداع والمتعة. ابداعنا المقذوف خارجا, وفاكهتنا النادرة هذه الايام هما الوجه والتواجد واللسان المواطن في برامج التلفزيون وكل الفعاليات الاعلامية في الفضائيات المحلية, صرخة نريدها ان تصل الى من يهمهم الامر: أين المواطن في الاعلام المحلي, وخاصة في التلفزيون؟ ويا سادتي مسؤولي الاعلام والفضائيات والبرامج في وطننا الجميل: افتحوا كل القنوات الفضائية على امتداد القارات, ووافونا باحصاءات دقيقة حول الكوادر الاعلامية المواطنة في البلاد الاخرى, ثم قارنوها بما عندكم, وعندها قد تعذرون انفعالنا وحرقتنا. والحجة غير مقبولة سلفا, لاولئك الذين سيدعون مقدما, انعدام الخبرة, وقلة الثقة بالنفس, والحضور الاعلامي غير المتوفر, وكذلك اللسان الراطن بكل اللغات.. لدى المواطن مقارنة بغيره, لاننا لم نسمع يوما عن مولود ولد وبيده نشرة اخبار او ميكروفون. هؤلاء الذين يبهروننا, ونباهي بهم لانهم يملكون الحضور والثقافة التلفزيونية, لم يولدوا هكذا, لقد اكتسبوا ذلك عن طريق الخبرة والدراسة والممارسة وبرامج التدريب (الحقيقية) . وهذه كلها ليست من المستحيلات كالغول والعنقاء والخل الوفي, انها اساسيات عمل يؤطرها القائمون على أمر الاعلام, وتنفق عليها الميزانيات, أما الشباب الراغب والطموح من المواطنين, فموجود.. موجود, موجود, وليس صحيحا ابدا انه ـ مفقود يا والدي.. مفقود.. مفقود!! وبالتأكيد فنحن هنا لا ننادي بالمواطن أيا كان, ومهما كان مستواه, ولا ننادي بمبدأ المواطن على حساب العمل والانجاز والابداع, فهذا يتناقض تماما مع منطق العشق الجارف الذي نحمله لهذا الوطن, لاسمه وتاريخه ومستقبله.. وانسانه ايضا. منطق العشق يحملنا على رسم صورة حقيقية, غنية بألوان الحياة, وبأصوات ووجوه الابناء الخارجين من رحم الارض, والممتلئين بتاريخ اولئك الذين مضوا وهم يرسمون الايام الرضية لنا, بينما عاشوا هم المعاناة بصمت وبطولة.

Email