الثانوية المهارية: بقلم- د. خليفة علي السويدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل الشهادة الثانوية منعطفا خطيرا في حياة الانسان, فلن يسألك احد عن الدرجات التي حققتها خلال المرحلة الابتدائية او الاعدادية وكذلك الصف الاول والثاني الثانوي لكن السؤال المطروح والمتردد يدور حول انجازات الثانوية العامة فهذه الدرجة هي التي تحدد مستقبل التعليم العالي لكل فرد, وبالتالي يتحدد مستقبل الانسان العلمي ومن ثم طبيعة الوظيفة التي سيمتهنها الانسان وهذه الوظيفة تؤثر وبلا شك على حياة الانسان الاجتماعية والاقتصادية... ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ان النسبة المئوية للثانوية العامة رمز يشير الى شيء ما, فما هو هذا الشيء؟ وهل يستحق منا الدراسة لمدة قد تزيد على 12 سنة؟ ثانوية المعرفة عندما يدرس المتعلم مختلف المواد لكي يمتحن بها في اختبار الشهادة الثانوية, ويقدم الامتحان وتمضي الايام يبدأ الانسان في طرح هذا السؤال على نفسه ــ كم من المعلومات والمعارف التي حفظتها سأستفيد منها في حياتي الجامعية ان بقيت في الذاكرة ويأتي التحدي القوي من اكثر من زاوية اولها ان قدرة الانسان على حفظ المعلومة غير المستخدمة محدودة جدا فكثيرة هي المعلومات التي لا تتجاوز حدود الذاكرة قصيرة المدى (للنجاح في الامتحان) ومن ثم تتلاشى هذه المعلومات مع مرور الزمن. ومن هنا ظهرت العبارة الاجنبية التي ما معناها (استخدمها أو افقدها) Use it or Lose it أي المعلومة. والامر الثاني انه مما يميز هذا الزمن عن غيره سرعة تبدل المعلومات فيه, فاذا كانت كتب التربية قديما تغير كل سنة لتبدل المعلومات فان المعلومات اليوم تتبدل شهريا بل اسبوعيا وبعضها يتغير يوميا. هذا ما نلحظه اليوم, وهذه من سمات العصر التي تميزه عن غيره, وبسبب الانفجار المعرفي اصبحت كمية المعلومات تكبر وتتضاعف بسرعة فاقت التصور, وهذا يضعنا امام تحد مهم وهو: ما المعلومات الواجب تدريسها للتلاميذ؟ بمعنى آخر ما المطلوب تعلمه؟ وما المفترض حفظه؟ المعلومات لا يستطيع ان يستغني عنها احد في حقل التربية والتعليم كأساس مهم للطالب, ولكن السؤال الذي لابد من الاجابة عنه هو: ما كمية هذه المعلومات اللازمة في ظل هذا العصر الذي تتغير فيه المعرفة بصورة سريعة؟ ففي احصائية لطيفة ذكرتها ان دود تقول ان المعلومات التي يتعلمها الطفل اليوم في المدرسة ستتضاعف الى اربعة امثالها عند تخرجه من الكلية, وعندما يصل عمره الى خمسين سنة, ستتراكم المعلومات لتصل الى ما نسبته 32 مرة اكثر مما هي عليه الآن, أو بمعنى آخر ان المعلومات ستتضاعف بما نسبته 97% عما كانت عليه عند ولادته. واما ثالثة الاثافي كما يقولون فتبرز عندما يقدم الطالب اختبارات تحديد المستوى في الجامعات والكليات لكي يفاجأ بأنها تتطلب العديد من المهارات التي لم يكتسبها الانسان خلال 12 سنة من تعليمه فمن خلال هذه الاختبارات يتبين ضعف الطالب في لغته الام وكذلك اللغة الاجنبية فيضطر خلال سنة اضافية الى اعادة دراسة مهارات استخدام اللغات وهل تنجح الجامعات في تدريب الانسان خلال سنة واحدة فيما لم تتمكن المدرسة تعليمه خلال 12 سنة فاذا كانت الاجابة بنعم او لا فنحن بحاجة الى اعادة النظر فيما يدرسه الطالب وكذلك طرائق هذه الدراسة. ان خلاصة الامر فيما ذكرت يكمن في ان ثانوية المعرفة ينبغي ان تعدل الى ثانوية المهارة فما هي هذه الثانوية؟ الشهادة المهارية ما هي المهارات اللازمة للانسان لكي يعد الاعداد المناسب للنجاح في الجامعات وكذلك الحياة؟ والجواب على ذلك معروف فمن تلك المهارات قدرة الطالب على التعبير شفاهة وكتابة بلغته الام وكذلك احدى اللغات الاجنبية, فاتقان اللغة لا يحدد في معرفة رموزها وقواعدها بل في طرائق استخدام هذه اللغة والتعامل ,التعايش معها, كما يحتاج الانسان الى مهارات ترتبط بالحفاظ على حياته كالعلوم والصحة والرياضة ويتطور الامر الى مهارات تنظيم الحياة كفنون التعامل مع الناس وآداب الحوار والمناقشة والاختلاف وكذلك تنظيم الوقت اضافة الى العديد من التخصصات الرائدة كالتاريخ والجغرافيا والفيزياء والكيمياء وكذلك المفتاح الالكتروني (الكمبيوتر) وغيرها من الامور التي تعد الانسان للمرحلة الاكاديمية المقبلة. تجارب الدول عندما بدأت دول العالم في محاولة تحويل المعارف التي تدرس في مناهجها الى مهارات فوجئوا ببعض العقبات والتي منها الوقت والمعلم وكثافة الصف وعجز الميزانية فتحويل المعلومة الى مهارة يتطلب عاما تعليميا اطول وكذلك يوما مدرسيا ممتدا كما ان المسألة تتطلب المعلم الذي يجيد تحويل المعلومة الى مهارة متعلمة وهؤلاء عناصر قليلة ولن ينجح تعلم المهارات في صفوف مكتظة بالتلاميذ او مدارس لا توجد فيها الاجهزة والمعدات اللازمة لعجز الميزانية... هذه الامور وغيرها جعلت معظم دول العالم تحافظ على الشهادة المعرفية وليس الشهادة المهارية باستثناء بعض الدول التي نجحت في ذلك والامر تطلب منهم القيام ببعض الاجراءات التي بالامكان تبنيها في دولتنا ومن ذلك: 1 ــ تحوي مناهج العديد من الدول على معارف ومعلومات اضافية بامكاننا تقليلها او التخلص منها لعدم فائدتها العملية ولانها تشكل ضغطا اضافيا على المتعلم. وقد بدأت ادارة المناهج في الدولة مشكورة في غربلة هذه المعلومات خلال المناهج الجديدة واحسب ان الامر بحاجة الى مزيد من الجهد. ومن الدول التي سبقت في هذا الميدان تأتي الولايات المتحدة وبالامس القريب اعلنت سنغافورة عزمها على التخلص مما يقارب 30% من محتوى المناهج المكتوبة. وبعد ذلك تأتي مهمة المعلم في تدريب المتعلمين على طرائق البحث عن المعلومات ومن ثم التدريب على مهارة استخدام هذه المعلومة. 2 ــ بعد ان طبقت دول العالم تجربة تحويل المعلومات الى مهارات تبين ان العديد من المعلمين التقليديين ليست لديهم القدرة على التعامل مع المناهج الجديدة واحسب ان المشكلة نفسها ستواجهنا في دولة الامارات والحل يكمن في تقويم المعلمين في الميدان اولا ثم اعادة تأهيل من لديه الاستعداد للخروج عن النسق التقليدي في التدريس وانهاء خدمات من ليس بامكانه التعامل مع متطلبات المناهج الجديدة. 3 ــ ان تعليم المهارة بحاجة الى وقت اطول في اليوم المدرسي ولكن مع تقليل كم المعلومات الواردة في الكتب بامكاننا اضافة دقائق معدودة الى كل حصة حتى يتمكن المعلم من التدريس النظري وفي الوقت نفسه تدريب المتعلمين على الممارسة العملية للمعرفة. 4 ـ تتناسب عملية تفاعل المتعلمين مع المعلم تناسبا عكسيا مع اعداد الطلبة فكلما زاد عدد المتعلمين في الصف قلت عملية التفاعل الصفي, وهذا الامر يدفعنا الى اهمية العمل على التوسع في اعداد الفصول بحيث لا يزيد عدد المتعلمين في الصف الواحد على 20 ــ 25 طالبا لكي نضمن نجاح التجربة ومن ثم جودة المخرجات التعليمية. واذا لم نتمكن من تعميم الامر على مستوى الدولة فان الامر يدعونا الى ايجاد مجموعة من المدارس في كل منطقة تعليمية تتبنى هذا الامر ــ فما لا يدرك كله لا يترك جله ــ وفي تصوري انه آن الاوان لنا لتحويل مدارسنا من مراكز لتحفيظ الطلبة المعلومات الى معاهد تعد الجيل القادم بما يتناسب مع تحديات المرحلة المقبلة فنحن نعيش في زمن المعلومات ومهارات التعامل معها.

Email