تفاؤل في غير موضعه: بقلم- توجان فيصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

واضح ان مهمة روس ليست وحدها التي فشلت بل ان الولايات المتحدة بكامل ثقلها السياسي فشلت في ان تفي بالتزامها برعاية وضمان (مسيرة السلام) والزام الاطراف المعنية بما تم التوقيع عليه من اتفاقيات بادرت اليها الولايات المتحدة وجلبت اليها الجانب العربي جلبا ... وكلنا يذكر كيف كان الرئيس الامريكي يلوح باصبعه مهددا اية جهة تسول لها نفسها الخروج عن الاتفاقيات وجداول الاعمال, في الاجتماع الشهير الذي ضم كلينتون ورابين وعرفات والملك حسين في باحة البيت الابيض في واشنطن. وفشل الولايات المتحدة ليس اتهاما من جانبنا, بل هو ما صرح به اكثر من مصدر امريكي مسؤول لدى عودة روس من مهمته الاخير, ووصل الامر الى الاعتراف بأنه ليس بامكان الولايات المتحدة ان تفعل شيئا وان الامر متروك برمته للاطراف المعنية... اي للاسرائيليين والفلسطينيين. وهذا الفشل مجمع عليه ومؤكد من كافة الاطراف العربية والدولية باعتباره امرا واقعا, باستثناء الاردن فيما يبدو. فقد صرح الملك حسين لدى عودته من الولايات المتحدة الامريكية, ردرا على سؤال عن المبادرة الامريكية ودورها في تحريك عملية السلام على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي, قائلا الموضوع هو موضوع نقاش وحوار دائم بين الجانب الفلسطيني والامريكي في هذه المرحلة, ولكن ما سمعته شخصيا شجعني كثيرا على ان اعتقد انه ان شاء الله لا يوجد هناك مشاكل كبيرة او عقبات تعترض عملية السير باتجاه تحريك الامور بالاتجاه الصحيح!! فاذا كانت امريكا فيما يبدو قد قررت تحييد الاردن في الفترة هذه والتعامل مع الفلسطينيين منفردين, فان محاولتنا فهم اسباب تفاؤل الملك حسين لابد ان يقودنا الى التصريحات الصادرة عن الطرفين المتباحثين. وقد اعلن احدهما ــ الامريكي ــ فشل المهمة, بل واعلن انه ليس بامكانه فعل المزيد. اما الطرف الثاني ــ الفلسطيني ــ فلا يعطينا مبررا للتفاؤل فيما صرح به, فعرفات يقول ان مسيرة السلام تلفظ انفاسها الاخيرة. وهو يؤكد على انه بذل قصاري جهده وابدى كل مرونه ممكنة لانجاح مهمة روس لكسر الجمود في عملية السلام. والبيان الفلسطيني الرسمي اوضح ان المبعوث الامريكي لم يحمل اية مبادرة مكتوبة او خطة واضحة, وان ما طرحه هو افكار وخطوط عريضة اي انه فقط يمس نبض الجانب الفلسطيني ليعرف الى اي حد يمكن ان يزيد في تنازلاته. والجانب الفلسطيني يعلن انه وافق على هذه الافكار والخطوط العريضة. وما يؤكد ان ما وافق عليه الفلسطينيون هو المزيد من التنازلات هو القليل الذي تسرب من افكار روس تلك, ومنها ان تشكل لجنة (موازية) للجان مفاوضات المرحلة النهائية (لتدارس) تنفيذ مالم يتم تنفيذه من اتفاقيات اوسلو.. اي ان ادعاء الفلسطينيين بأن روس وافق على ان تكون اتفاقيات اوسلو هي المرجعية غير صحيح او كلام مفرغ من الفحوى ومن كل نوايا التنفيذ الفعلي. والا فكيف يتم التفاوض بشأن (مرحلة نهائية) في لجنة ما, بينما اوسلو ومالم ينفذ منها بالذات ــ اي التزامات من الجانب الاسرائيلي وحده ــ هي موضع (تدارس) في لجنة موازية؟ هل يمكن احالة المرجعية والقواعد الى لجنة موازية, اذا كانت هي الاساس فعلا في مفاوضات الحل النهائي وتنفيذها وسيلة كسر الجمود؟ وتزيد مبادرة روس على هذا بأنها تدعو الى الاستمرار في تبادل الآراء, بين الفلسطينيين والاسرائيليين بشأن وقف المستوطنات في القدس الشرقية وفي الضفة عموما... اي انه في شأن المستوطنات, كما في شأن بنود اوسلو, لا تدخل امريكي ولا الزام لاسرائيل ولا التزام من جانب امريكا, بل مجرد السماح (بالحديث) عن الامر في لجان موازية والسماح للفلسطينيين بابداء آراءهم للاسرائىليين وسماع ذات الآراء الاسرائيلية... وكان ما جرى يجري هي معركة رأي مقابل رأي آخر ووجهة نظر اقوى من وجهة نظر اخرى وليست معركة قوة سلاح واحتلال وامر واقع! ومع ذلك وافق عرفات والسلطة على هذه المقترحات والافكار والخطوط العريضة جدا... ورفضها الاسرائيليون, ولذلك اعلنت امريكا فشل مهمة روس. ومع ان عرفات ورجال سلطته اقل تفاؤلا من الملك حسين الا ان هناك قدرا آخر غير قليل من تفاؤل السلطة ايضا في موضع آخر, هو ايضا في غير محله. فمقابل اعلان عرفات وسلطته لفظ عملية السلام انفاسها الاخيرة, يأتي مشروعهم للحصول على ما ظنوا انهم حاصلون عليه عبر تلك العملية متمثلا هذه المرة باللجوء الى راع دولي جديد هو الاتحاد الاوروبي. هذا مع ان الفلسطينيين والعرب عامة هم الذين وافقوا على انفراد امريكا وادعاء شريك آخر شكلي هو روسيا من اجل تحييد اوروبا بالذات عند بدء المفاوضات في مدريد, وبعد الحاح اوروبي لم يقابل بدعم عربي, قبلت امريكا اشراكهم وبقية العالم فيما اسمى بالمباحثات المتعددة الاطراف والتي مثلها مثل (اللجنة الموازية) المقترحة الآن من روس, يفترض ان تنظر في القضايا الحقيقية المجسدة لكل ما يتفق او لا يتفق عليه, وهي قضايا النزاع الاهم من مثل المياه واللاجئين... ومات الدور الاوروبي بموت المتعددة تلك التي قررت اسرائيل وحدها كل ما يتعلق بشأنها والزمت به الاطراف العربية الاخرى الموقعة, اما بضغطها مباشرة أو بالضغط عبر امريكا. وما يريده عرفات والسلطة من اوروبا الان ليس اقل من موقف للقيادات الاوروبية (موحد وحاسم) لكسر الجمود وانقاذ السلام المهدد في عموم الشرق الاوسط, كما يقول البيان, ومدعاة (تفاؤل) السلطة الفلسطينية وعرفات بامكانية قيام هذه الجبهة (الموحدة) بالتحرك لكسر هذا الجمود, هو ان اوروبا (معنية بالامن وبالاستقرار والسلام في الشرق الاوسط) , اما وسيلة هذا النضال المأمولة فهو المقاطعة الاقتصادية لاسرائيل, ذلك ان (لاسرائيل مصالح اقتصادية هائلة) مع اوروبا, كما يقول البيان, متناسيا ان مثل هذه المصالح الهائلة لا تأتي الا بالتبادلية من جهة, اي ان لاوروبا ايضا مصالح مع اسرائيل, أو بتحكم الرأسمال الصهيوني في الاقتصاد العلامي, وهذه هي الحقيقة وهي وراء العولمة التي تقودها اوروبا وامريكا لصالح الشركات متعددة الجنسية المملوكة باغلبها للصهاينة أو المدارة عن طريقهم فهل ستضحي اوروبا بكل مصالحها هذه من اجل عيون العرب واستردادهم لحقوقهم؟ واذا كانت مصالح اوروبا الاقتصادية في الشرق الاوسط هي سبب اهتمامها بالامن والاستقرار فيه, افلا توفر حكوماتنا لها هذا الامن والاستقرار, بل وتوفره لاسرائيل ذاتها التي بدأت مشاريعها في الأردن على الاقل, تفوق مشاريع اية دولة اخرى اوروبية أو عربية, وتوفره على حساب الشعوب العربية ومصالحها وحقوقها التاريخية؟ فكيف يتخيل الفلسطينيون ان اوروبا ستصبح ورقة ضغط اقتصادية في يدهم, وهم بلا دولة ولا حدود ولا مؤسسات ولا قرار اقتصادي خارجي, فهذا القرار بالذات منصوص في اوسلو, طيبة الذكر, انه بيد اسرائيل ووافق على هذا الفلسطينيون, في حين ان العرب لم يمارسوا ذات الضغط عبر الاوراق الاقتصادية والمصلحية المختلفة التي بيدهم, لا على اوروبا وامريكا ولا على اسرائيل ذاتها, بل يفتحون لهم جميعا كافة الابواب ودون شروط أو قيود؟ بقي ان نقول ان التفاؤل الفلسطيني قد بلغ اوج ابتعاده عن المنطقة الواقعية اذ خاطب, بعد اوروبا القادة العرب وعول على قمة عربية تخرج (برؤية عربية موحدة واستراتيجية لمواجهة الغطرسة الاسرائيلية) ومن ادرى بالقيادات العربية, وحقيقة ما يجري في مؤتمرات القمة, ومدى التزام تلك القيادات بعد ان ينفض سامر القمة حتى بالقليل القليل الذي يصدر عن تلك القمم, من عرفات ذاته, وهو احد هؤلاء القادة. لا.. والف لا... ليس للفلسطينيين في واشنطن أو اية عاصمة اوروبية أو عربية أو فيها مجتمعة, ابن عم خليفة, لو شاء الفلسطينيون ساق اليهم الاسرائيليين (قطينا) . ليس للفلسطينيين سوى ساعدهم ومقاومتهم المسلحة, بدءا بالحجر والجسد البشري وانتهاء بما تصنعه ايديهم وما يتوفر لسلطتهم أو شرطتهم من الجيش الوحيد المسموح به ليكون عليهم وليس لهم من سلاح, آن الاوان ان تعود السلطة الفلسطينية عن ملاحقتها للمقاومة الفلسطينية واعتقال شبانها وبناتها وتدمير معاقلها والعمل كوكيل للجيش الاسرائيلي وللموساد إلى تلك المعاقل, فالشيء الوحيد الذي سيخرج اسرائيل من اي شبر من الاراضي الفلسطينية المحتلة هو ذات الشيء الذي يخرجها الان صاغره من جنوب لبنان, المقاومة التي يدفع فيها الاسرائىليون ثمنا بشريا, ليس مجرد بضعة ملايين أو حتى مليارات من الدولارات التي توفرها امريكا بدلا من اسرائيل. ومن تم فانه ليس امام السلطة الفلسطينية اي خيار في التصالح مع المقاومة الفلسطينية.

Email