واقع الصحافة المصرية ولعبة خلط الأوراق: بقلم - جلال عارف

ت + ت - الحجم الطبيعي

نقول: ثور, يقولوا: إحلبوه! نقول: تيس, يقولوا: استكتبوه! نقول: بغل, يقولوا: أدخلوه في الأبريق! ونحن لا نملك إلا أن نقول حتى يفهموا.. قولوا ان شاء الله ! دول العالم ـ واخرها الجزائر رغم ظروفها المأساوية ـ ألغت عقوبة الحبس والسجن في قضايا النشر. اما في مصر, فهناك ثلاثة في السجون, و116 في الطريق (ومصر محظوظة في هذا المجال بالمقارنة بغيرها من الدول العربية) فاذا قلنا ان هذا لا يليق بمصر الرائدة, وان الغرامات المالية الكبيرة والعقوبات الادبية والمهنية تكفي.. خاصة وهي تصل الى مصادرة الصحيفة ومنع الصحافي من ممارسة المهنة.. اذا قلنا ذلك هب البعض ينبح في وجوهنا بقائمة الاتهامات المحفوظة التي توجه عادة الى الصحافيين والكتاب الشرفاء من ايام زيوار باشا وحتى اخر الباشاوات غير المحترمين! وتشن الدولة حملة ضد الصحافة الصفراء.. وهذا حقها, بل وواجبها الذي تأخرت في أدائه, بعد ان ساهمت بنفسها في صنع الظاهرة, ووقفت اجهزتها تتفرج على الفوضى في السوق الصحفية دون ان تستمع للتحذيرات المستمرة, اعتقادا منها بأن فتح النوافذ الخلفية يمكن ان يكون بديلا لفتح الابواب امام صحافة مستقلة ومسؤولة, تصدر في اطار الشرعية, وتخضع للقوانين ولرقابة المجتمع. وتبدأ الحملة على الصحافة الصفراء, ثم ينتهي الامر باغلاق (الدستور) التي لا يمكن تصنيفها ضمن الصحف الهابطة.. بينما تبقى صحف الفضائح (صفراء) من غير سؤ! وندعو كل الصحفيين لكي يبحثوا الظروف التي تمر بها المهنة, وأين؟ في نقابتهم ومن خلال جمعيتهم العمومية. فاذا بسهام الاتهامات اياها تنطلق في وجوهنا, واذا نحن متهمون بالدفاع عن صحافة الفضائح, وبخلط الحابل.. بالنابل!! أي (حابل) يا سادة؟ وأي (نابل) يا باشوات؟! اننا ـ بالعربي وليس باللاوندي ـ نقول ان قضايا النشر لا يجوز ان تكون عقوبتها الحبس او السجن.. العالم المتمدين يفعل ذلك, ونحن نريد ان نكون جزءا منه. فأية جريمة في ذلك؟ إننا ـ بالعربي وليس باللاوندي ـ نقول اننا أولى من الجميع بالغاء هذه العقوبات المقيدة للحريات, ليس فقط لاننا نملك تراثا من النضال من اجل الحريات ومن الممارسة الصحفية الرفيعة تؤهلنا لذلك, ولكن ايضا لان القوانين عندنا ما زالت متخلفة عن متابعة حاجة المجتمع والى ترسيخ الديمقراطية, ولان التوسع في التجريم يجعل كل ما يمكن كتابته محل اتهام يؤدي الى السجن.. بدءا من الحديث عن اسعار الكوسة, وحتى انتقاد اي رئيس مدينة فاسد او مرتش! في ظل هذه القوانين, وفي ظل اوضاع تمتنع فيها كل اجهزة الدولة عن توفير المعلومات التي هي حق للصحف وللمواطن معا, يصبح امامنا احد خيارين: ان نكشف الفساد وندخل السجن, او نسكت عما نراه ونتحول الى كورس يردد صباح مساء: كل شيء جميل!! هل المطلوب ان نترك الفساد يعمل في هدؤ, ام ان مهمتنا هي الكشف عن السلبيات ومحاربة الانحراف والتنبيه لكل ما يضرب الوطن؟.. ثم ماذا نفعل اذا نبهنا وحذرنا والجهات المسؤولة لا ترد ولا توضح, وانما تعمل بالشعار المصيبة: (لا أرى, ولا أسمع, ولا اتكلم! ولماذا نذهب بعيدا, في معركة (الشعب) مع وزير الداخلية السابق, قد تكون هناك اخطاء في الاتهام, وقد تكون هناك اتهامات بلا وثائق. ولكن السؤال الذي يبقى بلا اجابة هو حق المواطن في ان يعرف الحقيقة حتى لو تمت المصالحة وخرج مجدي حسين ومحمد هلال من السجن. نعم.. من حق الرأي العام ان يعرف الحقيقة كاملة عن ثروة الوزير السابق واسرته عند توليه الوزارة وعند خروجه منها. ومن حق الرأي العام ان يعرف ـ من تقارير رسمية تنشر وتذاع ـ هل هناك شبهة استغلال نفوذ في الصفقات التي تمت ام لا؟ ومن حق الرأي العام ان يكون هذا تقليدا يتبع مع اي مسؤول يترك موقعه.. سواء كان محلا للاتهام ام لا! ونعود لصحافة الفضائح, ونقول ـ وبالعربي ايضا وليس باللاوندي ـ اننا اول من يقف ضدها ويدعو لمحاربتها, لاننا نعرف اننا نحن الذين ندفع الثمن ولاننا نعرف ان هذه الصحافة هي الوسيلة لاغراق الرأي العام في مستنقع الفضائح والجنس, وصرف انظار المجتمع عن القضايا الهامة, وتحويل الانظار عن الفساد والفاسدين. ولكننا ـ في حربنا ضد هذه الصحافة الصفراء ـ لا نخلط الاوراق كما يفعل اصحاب الحابل والنابل, ونضع امام عيوننا علاماتهم على الطريق حتى لا نتوه او نذهب الى حيث لا نريد.. نحن نضع امام عيوننا انه في مرات كثيرة كان اعلان الحرب على الصحافة الصفراء هو اشارة البدء للحرب على الصحافة الجادة والمستنيرة! قانون الصحافة الذي تقدم به النائب الوفدي اسطفان باسيلي قبل ثورة يوليو كان يزعم الحرب ضد الصحافة الصفراء, واسقطه الشعب لانه كان يعرف ان الهدف هو التستر على فساد الاحزاب والقصر. وعندما اراد السادات ضرب الحركة الوطنية لجأ الى سلاح (الصحافة الصفراء) واخترع حكاية البنت المصرية التي ارسلت من الكويت تشكو الصحافة المصرية. وصحيفة (الوفد) نفسها كانت قبل سنوات هدف حملة تتهمها بانها صحافة فضائح, بل وكانت متهمة من الحكومة ـ ـ وبالصوت والصورة ـ بأنها تلجأ للابتزاز, ولم تكن وقفة الصحافيين معها تبرعا, وانما كانت عن قناعة بان الهدف هو وأد الحياة الحزبية وقتل صحف المعارضة.. ولو بالتلفيق والتزوير! والقانون 93 الشهير صدر مع (موسيقى تصويرية) عن الفتاة التي فسخت خطوبتها بسبب ما كتبته الصحافة عن أبيها الذي اتهم في قضية رشوة كبرى! وحتى الان.. فان الصحفيين المسجونين لم يدخلوا السجن في قضايا ابتزاز او تحريض على الفجور او حث على الرذيلة, وانما هم ضحايا الحرب ضد الفساد والافساد وخصوم في معارك سياسية.. بينما رواد صحافة الفضائح في أمن وأمان!! * ونحن نضع امام عيوننا ان تحميل الصحفيين ونقابتهم مسؤولية الفوضى في السوق الصحفية او انتشار صحافة الجنس والفضائح.. هو اتهام في غير مكانه, ومقدمة تكررت كثيرا كلما كانت هناك هجمة على الصحافة والصحفيين. النقابة ــ ومرة اخرى نحن نتكلم بالعربي وليس باللاوندي ــ ليست هي الجهة التي اعطت التراخيص للصحف (المشبوهة!) بالصدور.. وانما الحكومة هي التي فعلت ذلك! والنقابة ليست هي الجهة التي سمحت بطبع عشرات الصحف الحاصلة على تراخيص اجنبية في مطابع المؤسسات الصحفية او مطابع المناطق الحرة او غير الحرة.. ولكن الحكومة هي التي فعلت ذلك! والنقابة لاتملك السلطة للسماح بتداول هذه الصحف في الاسواق, وبعضها كان يصدر بصورة غير شرعية (معروفة ومتفاهم عليها!) ولكن الحكومة هي التي فعلت ذلك! والنقابة ليست هي التي جعلت شتّاما مثل هذا الـ (ثروت اباظة) وكيلا لمجلس الشورى, واعطته الحصانة لكي يمارس مهمته في الشتم على صفحات (الاهرام) الوقورة.. ولكن الحكومة هي التي فعلت ذلك وهي التي جعلت واحدا مثل (عبدالعال) زعيما لحزب لا وجود له, ورائدا لصحافة الفضائح رغم انف النقابة التي فصلته من عضويتها!! وبدلا من محاسبة المسؤولين الحقيقيين عن الاساءة للصحافة والصحفيين, تبدأ حملة تشويه الحقائق, و(يتنطع) البعض من باب الهواية او الاحتراف, و(يتسافل) البعض من الصعاليك او الباشاوات, ويقال ان الصحفيين يريدون ان يكونوا فوق القانون, ويتصورون ان على رأسهم ريشة! لا ياسادة.. ليس على رأس الصحفيين ريشة, ولكن على رأسهم عشرات القوانين المقيدة للحريات, وحالة طوارىء دائمة, وظروف بالغة القسوة, ومع ذلك فهم يؤدون واجبهم في الحرب المقدسة ضد الفساد والارهاب, ويتصدون بشجاعة لمؤامرات امريكا لحصار مصر ونسف استقرارها, واطماع اسرائيل في الهيمنة واحلافها المشبوهة.. ومع ذلك يبدو البعض مصرا على ان ننشغل عن كل ذلك ببذاءات تيس اعطوه قلما, ومنحوه الحصانة!!

Email