أبجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تزوج يا بني, تزوج, فاما ان تعيش سعيدا, واما أن تصبح فيلسوفا) , هكذا كان فيلسوف أثينا اللامع ينصح ابنه, بعد تجربة زواج قاسية, لم يعش فيها سعيدا, لكنه تحول إلى فيلسوف ظل يجوب أزقة أثينا مع طلابه حتى تجرع السم أخيرا بسبب زوجته ! الغريب أن (منصور الرحباني) مؤلف مسرحية (آخر أيام سقراط) التي تعرض حاليا على أحد مسارح بيروت, يصر على هذه الحقيقة التي وردت على لسان سقراط, ويعرضها بشكل مدهش من خلال شخصية (كزنتيبي) زوجة سقراط الشرسة, التي كان من أشهى هواياتها في الحياة, أن تنكد عيشة زوجها الفيلسوف. منصور الرحباني فيلسوف لبنان, وسقراط فيلسوف أثينا, يصران على حقيقة طالما تحدث عنها الرجال كثيرا في أيامنا وقبل أيامنا خلاصتها: (وراء كل عظيم امرأة عظيمة, وربما أعظم منه, ووراء كل فيلسوف ومجنون, امرأة نكدة مشاكسة كزوجة سقراط تماما). فهل هذا يعني ان الفيلسوف لا يندرج في زمرة العظماء, وهل ترسخ تلك المقولة حقيقة ان كل العظماء في التاريخ قد رسمت عظمتهم سيدات أعظم منهم, رشتهم بعطر النجاح, ونثرت طريقهم بأزهار التفوق؟ إذا كان ذلك واقعا, فان على الرجل أن يعترف صراحة, بأنه لا يمكنه ان يصبح في عداد العظماء من تلقاء نفسه, وبقدرة طموحه وذكائه, بدون المرأة. الغريب انه بالقدر الذي ساهمت المرأة في صناعة عالم العظماء فاننا لم نسمع شيئا عن رجال فرشوا طريق العظمة لنسائهم. في أيامنا التي نعيشها, تنتهي العديد من الزيجات بالطلاق, ويلجأ الكثير من السادة الرجال المتزوجين للحل السحري (الزواج الثاني والثالث..) والعدد الأكبر من الزوجات يتركن بيت الزوجية ويلجأن إلى بيوت الأهل أو طلب الانفصال, هذا يعني ان الأوضاع الزوجية في المجتمع متأزمة, وتمر بمرحلة اختناق عاطفي, ولمحاولة حلها نحتاج لأكثر من مجرد البحث عن ضحية أو القاء اللائمة على الزوجة بينما يظل الرجل خارج لائحة الاتهام.. وبراءة الأطفال في عينيه. وبرغم كل ما يقال اليوم عن حالة النكد التي يعيشها الأزواج, إلا أننا لم نسمع بوجود فلاسفة على شاكلة سقراط, فلماذا؟ إذا صحت مقولة سقراط لابنه, فان عدم وجود فلاسفة يعني أحد أمرين: اما ان استنتاج سقراط ليس في مكانه, أو ان أزواج هذه الأيام متقولون ولا أساس لاتهاماتهم الجائرة ضد زوجاتهم. قد يقول قائل, بأن الفلاسفة موجودون فعلا, ولكنهم يعبرون عن فلسفتهم بطريقتهم وليس على طريقة سقراط, الذي كان يهرب من زوجته ليتسكع في طرقات أثينا يدرس طلابه بعيدا عن نكد زوجته حتى إذا يئس تماما تجرع السم ومات. أزواج هذه الأيام, يمضون بعيدا عن نكد زوجاتهم لا ليدرسوا طلابهم الفلسفة, لكن ليتزوجوا بأخريات (سرا أو علنا فهذه ليست قضيتنا) أو يهربون إلى المقاهي يعانقون الشيشة وورق اللعب وحكايات الأصدقاء, أو يتسكعون في شوارع المدينة يستمتعون بكل شيء ثابت ومتحرك, أو يسافرون إلى آخر الدنيا, أو يلجأون إلى مشاريع تجارية خاسرة في أغلبها, أو يدمنون الفضائيات اللبنانية أو... وكلها تصرفات تعبر عن شكل من أشكال التفلسف والفلسفة.

Email