هل تتبرأ امريكا من العملية السلمية: بقلم: د.عبدالله عبدالرحمن سعيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

امريكا وبعد طول غياب, تعرض مبادرتها فيرفضها بنيامين نتانياهو بينما يقبلها عرفات على اساس انها افضل من لا شيء وهي السيرة التي طالما سارت عليها سلطة الحكم الذاتي منذ ان دخلت نفق المفاوضات مع العدو الاسرائيلي . بنيامين نتانياهو ــ او اي مسؤول اسرائيلي آخر ــ لن يتخلى عن (مقولة الأمن) التي تتحكم بكل شيء ومن باب اولى ان تتحكم بالعملية السلمية, وحيث ان اسرائيل لن تتوصل ابدا الى اعطاء تعريف محدد لتلك المقولة فان العملية السلمية ستقف وستتجمد وستسير ثم تعود لتتوقف وتتجمد الى ماشاء الله. كلنا في المنطقة قد اعتدنا هذا المنطق في ترهل الامور وفي الجانب العربي اكثر مما هو في الجانب الاسرائيلي انطلاقا من ان التحكم بالدفة هو هناك لا هنا فهناك تبدأ الطفرة وتنطلق ومن ثم تصلنا كي نتكيف معها, وعلى اساس انها افضل من لاشىء دائما! جميس روبن المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية قال كلمته عقب المبادرة وعقب تعديلها بما يرضي الاسرائيليين (ان عملية السلام تحتضر منذ وقت طويل) لان المعنيين بها يمتنعون عن اتخاذ القرارات الصعبة ولاندري فيما لو قصد الاسرائيليين ام الفلسطينيين فحسب طالما ان الولايات المتحدة قد حرصت مرارا بأنها لن تمارس ضغوطها على حليفتها اسرائيل. وطالما ان عرفات قد درج على قبول كل ما يعرض عليه وخاصة من قبل امريكا. شيء جديد قد طرأ على المقترحات لم يسبق وان جهر به الا وهو التفريق بين نوعية الارض وكميتها, ورغم ان عرفات قد صرح بأنه يريد الاثنين معا: الكمية والنوعية الا ان نتانياهو لن يقدم شيئا من هذين الاثنين الا بما يرضيه او يقتنع به خاصة وان المرتزقة المتدينين اعضاء التحالف في حكومته قد هددوه بسحب الثقة فيما لو تجرأ وتجاوز الاطار المسموح له به. اسرائيل لا تقدم شيئا مجانا, ومن باب اولى الا تقدمه مجانا فيما لو ارتبط هذا الشيء بالارض العربية, فالمبادرة الامريكية تزعم انها (حل وسط) بين نسبة العشرين بالمائة التي تطالب بها السلطة وبين التسعة بالمائة التي يعرضها بنيامين نتانياهو واذا ماركزت المبادرة على 13.1% فان الرقم قابل للنقصان في كل الاحوال لا العكس الا انه لا يرتبط بالنوعية او الكمية بقدر ما يرتبط بضرورة اذعان عرفات لاتخاذ اجراءات امنية مكثفة تهدف تقويض البنى التحتية لحركة حماس بصفتها (منظمة ارهابية) تهدد الامن الاسرائيلي في ذات الوقت الذي تهدد فيه العملية السملية. اسرائيل لا تهتم بمصير الشعب الفلسطيني, ضرب بعضه البعض او اشعل حربا أهلية بقدر ماتهتم بتمشيطه من المناضلين النشطين الذين لا يعجبهم التلاعب بقدرهم او بقدر الارض على حساب (بعض الترضية) التي يمكن ان تذوب ضمن اطار عملية سلمية باهتة مريضة لم تعد تحمل اكثر من الاسم بعد ان جردها بنيامين نتانياهو من كل مغزى او مضمون, تساعده في ذلك دولة الرعاية التي تظل تحرص على (تفهم) اسرائيل من دون ابداء اي اشارة لتفهم العرب حتى وان كانت جميع المصالح الامريكية في المنطقة هي في ايدي العرب لا في ايدى اسرائيل. هل استفاقت امريكا من غفوتها... اننا لا نظن ذلك, فكل ما تطلقه من تصريحات وكل ما رافقها من تباك على العملية السلمية خلال الايام الاخيرة ليس الا مجرد فصل تحريضي يراد به على الاخص لملمة العرب حول واشنطن بعد ان شعرت بأن هناك شيئا من الجفوة او التراخي ردا على انحيازها المفرط باتجاه تل ابيب.. ومهما بلغ حجم المزاودات عن العملية السلمية فلا نظن ان امريكا (صادقة) في محاولتها الضغط على اسرائيل لأن ما بين البلدين هو اكبر من التصورات العربية ولا نعتقد بأن خروج امريكا عن المألوف سيضحي في النتيجة فيما بينها وبين اسرائيل لصالح فيما بينها وبين العرب. فالمسألة ليست بهذه البساطة التي يمكن ان نتصورها ولقد اثبتت لنا التجربة هذه الحقيقة في الحرب والسلم معا ومع ذلك فاننا غالبا ما حاولنا التغاضي او التجاهل متمسكين دائما ببعض الامل وكأن جميع نوافذ الامل بالنسبة لنا قد سدت وعتمت الا فيما يتعلق بأمريكا فأمريكا وحدها تملك مفتاح الفرص والنجاة. ولكن ما الذي تبقى لنا من هذا الامل الذي اضاعته حتى امريكا التي لم تعد قادرة على تحمل الصلف الاسرائيلي او بالاحرى تعنت بنيامين نتانياهو وجماعاته المتدينين الذين باتوا يسيرون السياسة الاسرائيلية... وحتى الامريكية بالطريقة التي تروق لهم, الامر الذي دفع بمادلين اولبرايت الى الاعراب عن تشائمها اذ قالت بأن عملية السلام في مأزق... والاسباب لا تعود الى العرب طبعا انما تعود الى اسرائيل. هذا التشاؤم الذي اعتبره بعض المراقبين مقدمة لامكانية تحلل الولايات المتحدة الامريكية من التزاماتها في الرعاية. امريكا ان صدقت في تهديداتها بالتحلل من مسؤولياتها تجاه العملية السلمية فلابد من القول بالكارثة وخاصة بالنسبة لنا نحن العرب على اساس ان (الجميع) قد درج على التحضر لها منذ عام 1991 مهملا كل ماعداه اي ان العرب قد تحضروا للسلم ولم يتحضروا للحرب, عكس اسرائيل التي يبدو وكأنها قد تحضرت للحرب اكثر مما تحضرت للسلم... وهذا امر طبيعي جدا لأن استراتيجية الدولة العبرية في المنطقة طالما فضلت اطار الحرب عن اطار السلام... بل ان اطار السلام لم تتبناه الا صدفة. ما الذي يمكن للعرب ان يفعلوه اذن اذا ما تنصلت امريكا من دورها, وما الذي باستطاعتهم اللجوء اليه طالما انهم غير جاهزين للحرب... واسرائيل من جهتها غير جاهزة للسلام؟ لقد اخطأ العرب اذ وضعوا كل ثقتهم بالدولة العظمى التي يبدو وكأنها تريد ان تقول لنا وكأنها قد يئست من اسرائيل. فاذا كان الامر كذلك حقا لماذا لا تلجأ الى المنظمة الاممية في محاولة منها لعصر تل ابيب بذات الطريقة التي تعصر بها بغداد او طرابلس... لماذا لا تحاول الدولة العظمى تهديد اسرائيل بالزامها على تنفيذ ولو قرار امي واحد بالقوة... على الاقل قرار ما بوقف الاستيطان, حيث اذا ما اقدمت على هذه الخطوة فان امورا كثيرة ستتبدل حتما, بل ان امريكا ستكون الدولة الاولى التي ستتمكن من استعادة هيبتها في المنطقة بعد ان تخلت عنها بارادتها... لاسرائيل من اجل ان تمرغها بالتراب. في كل الاحوال فان الثقة الموضوعة في امريكا لم تكن في محلها ــ الامر الذي يعني بأن مختلف المبادرات التي تقدمت بها على مدى السنوات الاخيرة وبحجة البحث عن السلام للصراع العربي الاسرائيلي لم تكن في مجملها اكثر من محتويات تم تزويقها لتعجب الطرف الاسرائيلي قبل ان تعجب الطرف العربي ــ ولأنها كانت كذلك حقا فقد اجهض في مجملها اذ ان الانقلاب عليها قد كان اسرائيليا بحتا لا عربيا... ولو كان فيها شيء من العدالة المرجوة لما لاقت هذا المصير. بقي لدينا شيء مهم في هذه الدوامة الا وهو ضرورة عودة الاطراف العربية الى ذاتها وعلى اساس ان الفرصة مازالت امامها لاتخاذ مواقف مشتركة سواء تجاه اسرائيل سواء تجاه امريكا واذا لم تفعل فان هذا سيعني حتما بأن خيبة الامل قد بلغت ذروتها... وانها تدير ظهرها لمصالحها عن سبق اصرار وتصميم. لقد عايشنا ازمان الفرضيات المفتعلة سنينا طويلة فأدت بنا الى الحال الذي نحن عليه... وما ترهلت الامور الا بسبب التقاعس الذي ابيناه في الاول ومازلنا نتمسك به في الوقت الحاضر. نحن لا يجب علينا الاهتمام بنتانياهو او بغير نتانياهو بقدر ما يجب علينا الاهتمام بما هو لنا وما هو علينا. ان ساعة الحقيقة تطوقنا اكثر فأكثر... فلماذا لا نواجه المخاطر التي تفرض علينا تحدياتها بذات الثقة والكبرياء على الاقل لنتمكن من اجراء موازنة ولو بسيطة فيما بين مواقفنا ومواقف العدو الاسرائيليا.

Email