البوسنة بالأمس.. وكوسوفو اليوم المأساة واحدة: بقلم - د. سحر المجالى

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقع اقليم (كوسوفو) ذو الاغلبية الألبانية المسلمة في الجزء الجنوبي من جمهورية يوغسلافيا سابقا, ويحده من الشمال والشرق صربيا, ومن الغرب ألبانيا والجبل الاسود, ومن الجنوب مقدونيا. وتبلغ مساحة هذا الاقليم 12 الف كم2 أما عدد سكانه فيقارب 2 مليون نسمة غالبيتهم من الالبان المسلمين 7.1 مليون الباني والباقي صربي وهم من الشعوب السلافية التي قطنت جزيرة البلقان. يعتبر اقليم كوسوفو في الاصل جزء من الاراضي الالبانية, حيث اقتطع بموجب معاهدة لندن عام 1917م والحق بيوغسلافيا. وبعد الحرب العالمية الثانية تكرس هذا الانفصال بعد تولي الرئيس (جوزيف بروس تيتو) الحكم في البلاد, حيث شكل ما يعرف بالاتحاد اليوغسلافي, واستمر في الحكم حتى وفاته عام ,1980 وبعد هذا التاريخ بدأت الأزمة اليوغسلافية تظهر وتحديدا في اقليم كوسوفو حيث تفاقمت الاوضاع الاقتصادية, واندلعت مظاهرات العمال التي تم قمعها من جانب الجيش الصربي. وفي عام 1991 اندلعت الحرب الأهلية بين الجمهوريات المكونة للاتحاد اليوغسلافي سابقا مما أدى الى انفصال هذه الجمهوريات عن بعضها البعض, الا ان اقليم (كوسوفو) وبالرغم من هذا بقي تحت سيطرة جمهورية صربيا, مما دفع بالالبان لتشكيل حكومة في المنفى ــ بروكسل, بلجيكا ــ برئاسة ابراهيم روغوفا عام ,1992 والذي أعلن استقلال اقليم كوسوفو عن صربيا من جديد داعيا العودة للوطن الام (البانيا). لهذا شكل الالبان جيش اطلق عليه (جيش تحرير كوسوفو) حيث تقوم مجموعات سرية من هذا الجيش بمهاجمة مراكز الشرطة الصربية. وقد قام الصرب بطرد الالبان من منازلهم بشتى الاساليب وتوطين الصرب مكانهم, حيث سعى الرئيس اليوغسلافي (سلوبودان ميلوسيفتش) الى تكريس الغالبية الديمغرافية لصالح الصرب في هذا الاقليم, ويقتصر التواجد الصربي في معظم مناطق هذا الاقليم على العنصر الشرطي الذي يصل تعداده ما بين 40 ــ 60 الف شرطي. ومنذ نهاية شهر فبراير 1998 ازدادت حدة التوتر في هذا الاقليم, وتتمثل عناصر الأزمة الحالية في: (أ) تزايد الاحتكاك بين جيش تحرير كوسوفو والشرطة اليوغسلافية مما أدى الى تصعيد الموقف, الأمر الذي دعا الحكومة الى طلب تعزيزات اضافية لملاحقة جيش التحرير في مدن وقرى كوسوفو. (ب) تعرض النظام اليوغسلافي الى الاحراجات والانتكاسات على الصعيد الداخلي, حيث فشل هذا النظام في انجاح ممثليه في انتخابات الرئاسة لجمهورية صربيا في اقليم كوسوفو. (ج) مقاومة المظاهرة الكبيرة التي دعا اليها زعماء الاحزاب السياسية في الاقليم ضد الرئيس اليوغسلافي, الذي جرد الاقليم من الحكم الذاتي الذي يتمتع به منذ عام ,1989 الأمر الذي أدى الى وقوع مصادمات بين المتظاهرين وقوات الشرطة الصربية, نتج عنها مقتل العديد من الالبان ورجال الشرطة الصربية. ونتيجة لهذه الاعمال وجه المفوض الاوروبي المكلف بالشؤون الخارجية في مارس 1998 تحذيرا شديدا الى الرئيس اليوغسلافي بضرورة احترام حقوق الانسان, ومعالجة هذه الأزمة بالحوار المفتوح مع الأطراف المعنية, في حين أعلنت الولايات المتحدة على انها مستعدة للتدخل عسكريا في اقليم كوسوفو اذا تطلب الأمرذلك, كما أكدت انها على استعداد لفرض عقوبات جديدة على يوغسلافيا اذا لم يتعامل الرئيس اليوغسلافي مع هذه الأزمة بشكل يساعد على إزالة التوتر في هذا الاقليم. وفي 6 مارس 1998 حذر رئيس الوزراء التركي (مسعود يلماظ) الرئيس اليوغسلافي (سلوبودان ميلوسيفتش) من ان تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الوضع في كوسوفو, وقد تظاهر آلاف الاتراك من أصل الباني في العاصمة التركية احتجاجا على أعمال العنف في اقليم كوسوفو, في حين حمل الامين العام لحلف الاطلسي (خافيير سولانا) الرئيس اليوغسلافي مسؤولية الوضع الراهن في اقليم كوسوفو, واعتبر بأنه من السابق لأوانه التدخل عسكريا لانهاء الأزمة. في ضوء ازدياد حدة التوتر في الاقليم طلب الرئيس الالباني من المجتمع الدولي التدخل لمنع تصاعد اعمال العنف, وأعلنت حالة التأهب القصوى في الجيش الالباني على طول الحدود مع اقليم كوسوفو, وازاء هذا الوضع اتفقت مجموعة الدول المنسقة لعملية السلام في يوغسلافيا (الولايات المتحدة, ألمانيا, بريطانيا, فرنسا, روسيا وايطاليا) خلال الاجتماع الذي عقد في بريطانيا على اتخاذ عدة تدابير فورية ضد جمهورية الصرب بمعارضة روسيا الاتحادية وهي: ــ السماح لمفوض الأمم المتحدة لحقوق الانسان باجراء تحقيق في الوضع في الاقليم. ــ فرض حظر فوري على تسهيل اعتمادات التصدير بتمويل حكومي لدعم التجارة والاستثمار في يوغسلافيا. ــ الطلب من مجلس الأمن النظر في فرض حظر شامل على الاسلحة, وحظر على مبيعات المعدات التي قد تستخدم في أعمال القمع. ــ حرمان كبار مسؤولي الصرب المتورطين في أعمال القمع من الحصول على تأشيرات دخول الى أراضي الدول الخمس. ــ تجميد الأرصدة المالية الصربية واليوغسلافية في الخارج خلال أسبوعين, اذا لم يتراجع الرئيس اليوغسلافي عن أعمال القمع التي يرتكبها. وعلى ضوء ذلك دعا رئيس وزراء كوسوفو في المنفى (بويار بوكوشي) الى اجراء مفاوضات مع جمهورية الصرب برعاية أمريكية لحل النزاع مع السلطات اليوغسلافية لتحقيق استقلال الاقليم. الا ان مجلس الأمن الدولي وبتاريخ 11 مارس 1998 اخفق في إصدار بيان حول الاوضاع في اقليم كوسوفو بسبب موقف الصين وروسيا الاتحادي, باعتبار هذه الأزمة هي مشكلة داخلية تخص يوغسلافيا, لهذا استبعدت الحكومة الصربية أية تسوية للازمة الحالية مع الالبان حول مستقبل الاقليم حتى يتم التخلي عن فكرة الاستقلال, في حين يحاول الوسطاء الغربيين الذين يحملون جمهورية الصرب المسؤولية عن أعمال العنف في كوسوفو الضغط على القادة الالبان للتخلي عن مطالبهم بالاستقلال. في الوقت الذي يقاطع فيه الزعماء السياسيين الالبان المحادثات مع مفاوضي الحكومة الصربية بحجة ان الوفد الصربي لا يمثل الحكومة الاتحادية اليوغسلافية. ان الحرب الأهلية التي أصابت الاتحاد اليوغسلافي لم تستقر حتى الآن, حيث لا تزال هناك أجزاء من هذا الاتحاد تطالب بالانفصال والاستقلال (كوسوفو والجبل الاسود), وتحاول ايجاد موقع لها على خريطة البلقان السياسية. وتشير الدلائل على أن الاوضاع في اقليم كوسوفو خطيرة, وتنذر بالانفجار الذي لن يقتصر على جزيرة البلقان فقط, وانما سيمتد الى دول اخرى مثل تركيا, ايطاليا, البانيا, مقدونيا, اليونان, نظرا لامتداد الجذور الالبانية في كل من هذه البلدان. الا اننا اليوم أمام تطهير عرقي آخر ضد شعب مسلم هو الشعب الالباني. وتشير معظم التحليلات الأولية الى أن ما أصاب مسلمي البوسنة والهرسك من تشريد وتعدي على حقوق الانسان, لن يفلت منها شعب كوسوفو, الا اذا اجتمعت الارادة الدولية على حماية هذا الشعب من التعسف والتسلط. كلية الآداب ــ جامعة الزيتونة الاردنية *

Email