رؤية اسرائيلية جديدة للسلام: بقلم ـ ماجد كيالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع تبوء نتانياهو سدة السلطة في اسرائيل, بدأ الترويج لرؤية اسرائيلية جديدة للسلام, تم التعبير عنها في الكتاب الذي ألفه (بنيامين نتانياهو) وعنوانه :(مكان بين الأمم) , وكذلك في وثيقة عنوانها: (استراتيجية اسرائيلية للعام 2000) وضعها مجموعة من الباحثين الامريكيين ويمكن تلمس هذه الرؤية الجديدة في سلسلة خطابات وتصريحات نتانياهو خاصة, منها خطابه بعد انتخابه رئيساً لوزراء اسرائيل, وفي تقديمه لبرنامج حكومته امام الكنيست الاسرائيلي. ويمكن اجمال هذه الرؤية في تغليب نتانياهو لقضية أمن اسرائيل على سواها من القضايا وهو يعتقد بأن الأمن هو الذي يجلب السلام, على عكس بيريز الذي يعتقد بأن السلام هو الذي يجلب الأمن, ويعتقد نتانياهو بأن الأمن يجب ان يتأسس على قدرة اسرائيل على ردع جيرانها, وعلى تفوقها عليهم عسكرياً. أما بالنسبة للسلام فهو في معتقد نتانياهو سلام الردع سلام القوة الذي تستطيع اسرائيل (الديمقراطية) فرضه في محيطها المتقلب. وطرح نتانياهو (مبدأ السلام مقابل السلام) بدل (السلام مقابل الارض) لان العرب برأيه لا يملكون القدرة على الحرب, ولا يستطيعون تحقيق مكاسب ملموسة منها, وتالياً فهم لا يستطيعون ان يقدموا له السلام وإنما اسرائيل القوية هي التي تضمن لهم السلام وامتيازاته, التي تتضمن توفير نفقات التسلح وتوظيف الموارد في مجالات التطوير الاقتصادي والخدمات وتحقيق الرفاه, أما بالنسبة لاسرائيل فهي قد اعادت 91% من الأراضي المحتلة عام 1967 (يقصد سيناء). ولذلك فليس لدى اسرائيل ما تقدمه من اراض في هذه الحالة, خاصة بالنسبة للفلسطينيين. ففلسطين هي ملك مقدس للشعب اليهودي منذ الأزل, بحسب نتانياهو, ولا يوجد ما يقدمه للفلسطينيين سوى حكم ذاتي أي تنفيذ الاتفاق الذي وقعته الحكومة السابقة, أما فيما يتعلق بالقضايا الأساسية المؤجلة للحل النهائي, فلا يوجد لدى نتانياهو وحكومته ما يقدموه في هذا المجال. وعلى الصعيد المتعلق بالجولان, فإن حكومة نتانياهو مستعدة للدخول بمفاوضات بدون شروط مسبقة أي بدون أي تعهد بالانسحاب من الجولان. أما فيما يتعلق بلبنان فلا يكاد يلحظ في برنامج الحكومة الاسرائيلية ما يتعلق بهذا الموضوع, سوى الاشارة الى إصرار اسرائيل على حماية حدودها الشمالية, وكذلك بعض الاشارات التي تفيد بأنه لا توجد مطامع اقليمية لاسرائيل في لبنان, في مجمل خطابات وتصريحات نتانياهو وغيره من المسؤولين الاسرائيليين. وتستند مجمل هذه المواقف الى رؤية نتانياهو والليكود للجغرافيا ــ الأرض, من موقف ايديولوجي (خاصة الأراضي الفلسطينية), على خلاف حزب العمل الذي ينظر اليها من جانب سياسي ــ برجماتي في أغلب الأحيان. وهذه النظرة ترى في الأرض (العمق الجغرافي) عنصر أساسي من عناصر الأمن الاستراتيجي لاسرائيل, بينما هي لدى التيار الآخر (بيريز وحزب العمل وحلفائه) لم تعد تمثل عنصراً أساسياً من عناصر الأمن في عهد الصواريخ والتقدم العسكري ــ التكنولوجي, كما أن الأرض في رؤية هذا التيار لم تعد مصدراً للثروة في عصر العلم والتطور الاقتصادي. ويضفي نتانياهو وتياره أهمية كبيرة للأرض ايضاً من الناحية الديمغرافية ولضرورات الاستيطان, حيث أن نتانياهو يدعو للاستيطان في أرض اسرائيل الكاملة في الجليل والنقب وفي الضفة وقطاع غزة, بينما يرى حزب العمل ضرورة الانسحاب من المناطق كثيفة السكان والتخلي عن أراض حفاظاً على هوية اسرائيل وتخلصاً من السكان العرب في الأراضي المحتلة, فالاستيطان بحسب تعبير نتانياهو هو جزء من النظام الأمني لدولة اسرائيل, وتعبير عن تجسيد الصهيونية. وهنا بعد آخر لقضية السيادة الجغرافية على الأراضي يتعلق بأمن اسرائيل المائي حيث أن جزءا كبيرا من موارد اسرائيل المائية إنما يأتي من مياه الليطاني ومن هضبة الجولان, ومن موارد نهر الأردن, فضلاً عن موارد المياه في الضفة الغربية. هذا على صعيد التسويات الثنائية الاقليمية, أما على الصعيد الشرق اوسطي فهناك عملياً قطيعة بين رؤية حزب العمل وزعمائه وبين رؤية نتانياهو ومن معه بالنسبة لمستقبل العلاقات العربية ــ الاسرائيلية ــ وللشرق الأوسط الجديد. فبينما يبدو شمعون بيريز مثلاً متحمساً للانخراط في منظومة العلاقات الاقليمية الجديدة التي يرى فيها فرصة لتطبيع العلاقات العربية ــ الاسرائيلية, وتحقيقاً لاستقرار اسرائيل ومحطة انطلاق جديدة في مسار تطورها بالتكيف مع التطورات الجديدة, وتعزيزاً لموقعها في اطار السياسة الامريكية يقف نتانياهو على نقيض هذا التصور الذي يعتبره مجالاً للسخرية, ويرى فيه نكوصاً عن الصهيونية وخطراً على اسرائيل, لأن الاستحقاقات المطلوبة من اسرائيل للانخراط في العلاقات الاقليمية وفي الشرق الاوسط الجديد, تتطلب من اسرائيل الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967, والاعتراف بالحقوق الفلسطينية واقامة شبكة علاقات اقليمية في مختلف المجالات, ربما تحمل في طياتها مخاطر تحول اسرائيل مستقبلاً الى دولة عادية ــ شرق اوسطية, بدلاً من ان تحافظ على طبيعتها كدولة غربية متميزة في الشرق الاوسط. وفي مقابل كل ذلك, يقترح نتانياهو قيام شرق أوسط على أسس مغايرة حيث تستطيع اسرائيل القوية الآمنة, فرض السلام والاستقرار في هذه المنطقة المتقلبة, وهو يعتبر بأن تدعيم قوة اسرائيل وآمنها سيجلبان الازدهار لها, ولن تكون اسرائيل بحاجة الى علاقات اقتصادية مع محيطها, لأنها ستقوم بتحسين واصلاح نظامها الاقتصادي, والتخلي عن النفقات المكلفة للخزينة عبر ترشيد الانفاق الحكومي, وتقليص الخدمات, وتعديل الميزان التجاري, ويعتبر بأن استقرار اسرائيل وقوتها سيجلبان الاستثمارات والموارد لها وسيحفظان وضعها في منظومة العلاقات الاقتصادية مع الغرب بعد ذلك يعتبر نتانياهو بأن اسرائيل الآمنة القوية والمزدهرة التي بإمكانها الاعتماد على نفسها هي التي ستجلب السلام والازدهار للمنطقة. وفي هذا الاطار فإن نتانياهو يعتبر نفسه نبي اسرائيل الجديد, وباعث الصهيونيةالتي حاولت سياسة حزب العمل وأدها (كما يعتقد). وعلى الصعيد الاقليمي يطرح نتانياهو استراتيجية تقوم على أساس علاقات متميزة بين اسرائيل من جهة والأردن وتركيا من جهة اخرى في مختلف المجالات السياسية والامنية والاقتصادية ويطالب بعزل سوريا ومعاقبتها, وتطويقها من لبنان, وخلق متاعب لها على مختلف الاصعدة.

Email