مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاجراء الجديد الذي قررته شرطة دبي بعدم تسجيل أي سيارة جديدة الا بعد موافقة الوكيل المحلي, هو اجراء في صالح الوكلاء مائة بالمائة, الذين ربما تضرر بعضهم مما نسميه بالسوق الرمادية, ومن منافسة الاستيراد الشخصي, كما من عشرات المعارض التي بدأت في بيع السيارات المستعملة وانتهت وكالات موازية تبيع شتى السيارات الجديدة . وعن المعارض فحدث ولا حرج, فقد صار عندنا منها ما ينافس في العدد والانتشار محلات البقالة, وحيث السيارة أصبحت في بلادنا سلعة سهلة مثلها مثل علب الحليب والفول ومعجون الطماطم, تبدأ أسعارها من ألف درهم يستطيع اليوم أي مزارع آسيوي أو عامل بناء شراءها الى الأغلى ثمناً حسب الماركة وسنة الصنع من المرسيدس الى الرولز رويس, فكل السيارات موجودة في هذه المعارض السوبر ماركت. غير ان القرار يستهدف قطعاً المعارض التي تحولت فعلاً الى وكالات موازية, فهذه تستورد السيارات الجديدة اما من دول مجاورة أو بأسماء اشخاص فتعرضها للبيع بأسعار ارخص من الوكيل المحلي, نظراً لانخفاض تكاليفها مقابل تكاليف ومصروفات الوكيل, ما يجعلها حزينة للقرار مقابل سعادة الوكلاء الرسميين, الذين يكرس القرار هيمنتهم على سوق السيارات الجديدة. طبعاً المتضررون من بعد بعض المعارض وشبه الوكالات أعداد لا تحصى من المواطنين والمقيمين, الذين يستوردون السيارات مباشرة من دول الصنع وغير دول الصنع للاستخدام الشخصي (المقيمون يستوردونها بأسماء مواطنين فيذكرنا ذلك بتأجير الرخص التجارية) مستغلين طبعاً عدم وجود ضريبة جمركية, علاوة على الاسعار التي يحصلون عليها نظير هذه السيارات, وهي عادة أرخص من سعر الوكالة. هؤلاء ينبغي ان يكونوا من زمرة السعداء, لأن في القرار حماية لهم أيضا, حيث يستطيع الواحد منهم عند شرائه السيارة من وكيل محلي رسمي أن يضمن خدمات ما بعد البيع من صيانة وقطع غيار وضمان محرك وما شابه, لولا ان كثيراً من المستهلكين اليوم يتذمرون فعلا من الوكالات, التي تبدأ عند بيعهم السيارة في معاملتهم بألطف ما يمكن وبعد البيع تسوء هذه المعاملة, دون ان يجدوا حماية قانونية تنصفهم من هذه الوكالات بصفتهم من المستهلكين. ثم ان الاجراء الجديد يزيدهم حزناً لأنهم يخشون, على الرغم من عدم منع ذلك قانونياً, الا يستطيعوا استيراد السيارات الجديدة للاستخدام الشخصي, حيث يمكن للوكيل ان يرفض الموافقة على التسجيل, ليضمن منع الاستيراد الشخصي واجبار المستهلكين على الشراء من عنده فقط, مما يعيدنا مرة اخرى الى احتكار الوكيل للسيارات والتحكم في أسعارها بما لا يتفق حقيقة مع أسعارها العالمية ولا مع هامش الربح المعقول. وربما المشكلات السابقة كالتي ذكرنا بعضها هي التي أدت عملياً وشيئا فشيئا الى نشوء السوق الرمادية والوكالات الموازية والاستيراد الشخصي في الماضي, فتكون معالجتها من الاساس أسلوباً أمثل لعدم تكرارها, واذا كان الاجراء الجديد يساهم في تنظيم سوق السيارات بحماية الوكلاء وتجارتهم, مما نؤيده ونثني عليه, فان حماية مماثلة للمستهلكين مطلوبة من احتكار الوكلاء والمبالغة في الاسعار علاوة على حقوق ما بعد البيع, وهو ما نعتقد جازمين أن شرطة دبي تستطيع تحقيقه للمستهلكين كخطوة موازية, خاصة أنها عودتنا على حماية حقوق الناس.

Email