العنف يستيقظ على أنغام السلام المؤجل: بقلم- عمران سلمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

العنف الذي تفجر في مدن الضفة الغربية, الخليل ونابلس وبيت لحم, على خلفية قتل جنود اسرائيليين عمال فلسطينيين كانوا يستقلون حافلة على احد الحواجز العسكرية الاسرائيلية في منطقة الخليل, يوضح الى اي حد يصعب منع اعمال القتل والقتل المضاد في ظل الوضع الحالي الذي تراوح فيه عملية السلام ويسوده الانعدام التام للثقة والطمأنينة. واذا كان الضحايا هذه المرة من الفلسطينيين فان احدا لا يضمن الا يكون الاسرائيليون هم الضحايا في المرة المقبلة. اذ من الواضح ان هناك حالة مثلى لاثارة المشاعر ومراكمة الاحقاد في نفوس الفلسطينيين. وحالة مماثلة لتشجيع الاسرائيليين على الرد بعنف على كل حالة احتجاج فلسطينية مهما بدت عفوية وتلقائية. ولا يمكن لوم الجندي الاسرائيلي العادي الذي يتلقى اوامره من رؤسائه باستخدام الذخيرة الحية عند اول شعور بالتعرض للخطر, مهما كان حجم هذا الخطر. فهو في نهاية المطاف ضحية للسياسيين الاسرائيليين من امثال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذين يغذون الخوف والحاجة الى الامن في نفوس مواطنيهم, عسكريين كانوا ام مدنيين ام مستوطنين. مثلما لا يمكن توجيه اصابع الاتهام الى الفلسطينيين الذين يردون بطرق مختلفة على اعمال التنكيل والقتل التي يرتكبها الجنود الاسرائيليون. ان اعمال المستوطنين والمتطرفين اليهود الذين كان لهم دائما نصيب في اعمال العنف, تستحق الازدراء والاستنكار باعتبارها مولدا لهذا النوع من الشعور. ولذلك فان المطالبات الاسرائيلية الرسمية المستمرة للسلطة الوطنية الفلسطينية بضرورة اتخاذ اجراءات امنية وعقابية اشد ضد نشطاء الحركتين والهياكل التنظيمية لكليهما لم تكن لتنسجم مع طبيعة الوضع السائد كما انها لا تعتبر حلا في حد ذاتها فما دامت عوامل الاحباط من الحاضر والشعور بانعدام الامل في المستقبل سائدة في الشارع الفلسطيني فانه يستحيل اقناع الناس بالموافقة على تلبية الشروط الاسرائيلية. وقد اثبت حادث ترقوميا الذي راح ضحيته ثلاثة عمال فلسطينيين لا علاقة لهم بجوهر الصراع قبل ايام ان اكبر خطر يهدد العلاقة بين الشعبين واستقرار المنطقة انما يتأتى من جمود عملية التسوية وان الحركات المؤيدة للعمل المسلح ايا كان توجهها, لا يمكنها ان تنشط وان تحقق اهدافها, الا على خلفية هذا الجمود والاستثمار الواسع للاجواء غير الطبيعية الناتجة عنه. وحتى الان ورغم المصاعب التي تكتنف العملية السلمية لا تزال السلطات الفلسطينية تبذل جهودا مضنية للحفاظ على الهدوء وعدم اتساع دائرة الاحتجاجات وهي اثبتت خلال اعمال الاحتجاج الاخيرة التي قام بها الفلسطينيون ردا على حادث ترقوميا انها راغبة حقا في البقاء كشريك للجانب الاسرائيلي في عملية السلام. ولولا تدخل السلطة الفلسطينية ومحاولتها منع الاحتكاكات بين الفلسطينيين الغاضبين وجنود الاحتلال الاسرائيلي في اكثر خطوط التماس التهابا (الخليل ونابلس) لكان نطاق العنف والاحتجاجات قد اتسع اكثر وخرج من سيطرة الحكومة الاسرائيلية. وهذا يدلل على حقيقة ان السلطة الفلسطينية تظل هي السلطة الوحيدة القادرة على ضبط الشارع الفلسطيني وتوجيهه حتى الان لكن الى متى ستستطيع القيام بهذا العمل المضني؟ وما هي الوسائل التي سوف تستخدمها مستقبلا لضمان عنف اهون وخسائر اقل؟ هذا ما لا يستطيع احد ان يتكهن به, خاصة وان سياسات نتانياهو هي اليوم اكبر ضاغط على هذه السلطة واكبر محرض على العنف والكره بين الفلسطينيين والاسرائيليين؟ ومن الغريب ان نتانياهو يسعى لتحميل السلطة الفلسطينية وزر ضبط الحركات المسلحة المعارضة لعملية السلام في الوقت الذي يساعد هو هذه الحركات ويمدها بكل أسباب ما تقوم به من عمليات انتحارية يسبقها او يعقبها منطق سياسي لا يخلو من الصحة. اي ان نتانياهو يتنصل من مسؤولية هو الاولى بتحملها او المشاركة في تحملها في اضعف الايمان. ويعترف الكل الان بأن عملية السلام لم تعد واقعا حيا وهذا امر بات يردده الفلسطينيون والاسرائيليون على السواء مع اختلاف في النبرات وحجم الاعتراف بالفشل. ففي حين كان اخر وصف اطلقه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على عملية السلام مع اسرائيل هو انها (تلفظ انفاسها الاخيرة) مازال رئيس الوزراء الاسرائيلي يتحدث عن صعوبات وعقبات تقف في وجه العملية السلمية. وكان لافتا بشكل خاص تلك العريضة التي وقعها 1554 من ضباط الجيش الاسرائيلي بينهم 216 برتبة كولونيل و11 برتبة جنرال الاحد (18 مارس الجاري) وفيها يطالبون رئيس الوزراء نتانياهو بعدم اضاعة فرصة السلام. وقد جاء في العريضة (اننا لا نتوجه اليك بقلوب واجلة وانما نرى ان من واجبنا في هذه الايام التي توجد فيها الفرصة سانحة امام اسرائيل لتحقيق السلام ان ندعوك لتجنب اي تحركات يمكن ان تسبب كارثة للاجيال المقبلة) واضافوا ان الفرصة التاريخية السانحة لتحقيق السلام قد تفلت من بين اصابعنا ويسفر الوضع عن حرب او انتفاضة اذا لم تواصل الحكومة الاسرائيلية مسيرة السلام التي اطلقتها اتفاقات اوسلو ولم تجر عمليات الانسحاب العسكرية من الضفة الغربية. وسبق لمساعد وزير الخارجية الامريكية لشؤون الشرق الاوسط مارتن انديك ان علق قبل حوالي اسبوع امام لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الامريكي قائلا ان عملية السلام في الشرق الاوسط هي حاليا في (مجاهل خطرة) . واعترف بان (تحالفا اقليميا مؤيدا للسلام ظهر في احدى الفترات لكن اليوم ثمة حركة تراجع الى مجاهل خطرة ناجمة عن اللاحرب واللاسلم) . اما وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت فقد كانت أقل تشاؤما حين قالت في باريس ان عام 1997 كان (عاما سيئا) لعملية السلام في الشرق الاوسط. وفي الزيارة التي سبق ان قام بها نتانياهو لاوروبا بداية هذا الشهر وشملت بون واوسلو ومدريد ولندن لم يسمع رئيس الوزراء الاسرائيلي كلمة اشادة او تفاؤل بل اجمع مضيفوه على ان العملية السلمية بحاجة الى تحرك اسرائيلي حقيقي باتجاه السلام. وكان من بين ما سمعه تشديد من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على الضرورة الملحة لسرعة القيام باعادة انتشار القوات الاسرائيلية في الضفة الغربية اذا اريد حقا احراز تقدم في عملية السلام. بل اكثر من ذلك كانت دول الاتحاد الاوروبي قد تقدمت بمبادرة في هذا الشأن بالتنسيق مع الولايات المتحدة لكن نتانياهو بدلا من التعاطي معها سعى الى افراغها من محتواها في جولته تلك مدعيا ان الولايات المتحدة بوصفها الراعي الاساسي لعملية السلام هي الوحيدة المخولة بالقيام بمبادرات من هذا النوع. والواضح ان المشكلة لا تكمن فيمن يتقدم بالمبادرات بقدر ما تكمن في مضمونها وفي ضرورة الخروج من المأزق الراهن بأقل قدر من الخسائر للطرفين الفلسطيني والاسرائيلي لقد كان حادث مقتل العمال الفلسطينيين الثلاثة عند حاجز ترقوميا بمثابة اشارة انذار وتذكير على خطورة الوضع الحالي. وذا لم تبادر اسرائيل الى التعاون مع السلطة الفلسطينية والاتفاق على كيفية تنفيذ اتفاقات اوسلو فان حوادث من هذا القبيل سوف تتكرر ولكن لن يكون الضحايا من الفلسطينيين فقط في المرات المقبلة. صحفي بحريني*

Email