مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

فهمنا من تقرير إخباري لأحد الزملاء ان هناك أكثر من ثمانية آلاف طلب تنتظر دورها للحصول على قرض من برنامج تمويل الاسكان , وأن البرنامج لم يقدم خلال أربعة أعوام إلا 600 قرض, ما يعني بالنتيجة ان بعض المتقدمين للحصول على قروض سوف يلزمهم الانتظار اكثر من 50 عاما لكي يصلهم الدور اذا استمر العمل بالبرنامج على هذا المعدل وهذا النحو, وعلى افتراض عدم زيادة الطلبات عن الرقم المذكور الحالي. فإذا كان ضمن هؤلاء من هو متزوج ولديه اولاد وليس له من وسيلة اخرى لبناء بيت أو اضافة, وعلق كل آماله على البرنامج, من بعد الله طبعا, فهو الذي سيموت مطمئنا (لأنه لن يعيش ليفرح بالقرض) الى أن اولاده من بعده سيحصلون, بعد عمر طويل, على ما لم يحصل عليه والدهم, فينفذون له احلامه في البيت الذي افنى العمر في انتظاره, فنسميها احلام العمر الطويلة, في فيلم سينمائي هندي على الاغلب. أما اذا كان بين المقترضين شاب لم يتزوج بعد, فهذا هوالذي سيضرب المثل, لا في الصبر, بل في الحب, حين ينتظر هو ومن سوف يتزوجها نصف قرن للحصول على قرض يبني لهما عش الزوجية السعيد الذي سيضمهما بعد عمر طويل, لذلك نقترح البحث عن مثل هذا الشاب من بين المتقدمين للحصول على قرض, والذي لديه الاستعداد للانتظار هو وخطيبته كل هذه السنوات, لكي نقيم لهما نصبا تذكاريا من الآن, يمجد حبهما وتحملهما, لأنهما عمليا سيدخلان القفص الذهبي ــ ان دخلا ــ بعد وصولهما عمر السبعين على اقل تقدير, في حال كان عمرهما الآن عشرين عاما, فلماذا لا يستحقان مثل هذا النصب التذكاري وأكثر؟ وما دمنا وصلنا الى الحب والتضحية, فنترك برنامج الاسكان الى صندوق الزواج, فقد فهمنا من احصاءات قدمها مدير الصندوق جمال البح ان هناك من تزوج بمهر عبارة عن مصحف, وآخرون لم يتجاوز المهر الذي قدموه ألف درهم, مقابل آخرين لم يقدموا مهرا بالمرة, وان هناك من قدم مهرا بين الألف والخمسة آلاف درهم, وهكذا, ما يجعلنا نكبر هؤلاء في وقت صار فيه الزواج سببا للتفاخر بالصرف المبالغ فيه والبذخ في الحفلات والهدايا. طبعا يمكننا ان نضيف فنقترح جمع هذه النماذج الحسنة من الناس في حفل كبير يتم فيه تكريمهم بوصفهم قدوة, مما نتركه لادارة الصندوق أو لغيرها من الجهات الاجتماعية المعنية, فنبقى مع الصندوق الذي كان انشاؤه خطوة اجتماعية في محلها لأنه ساهم بالفعل في حل مشكلة تواجه الشباب في زواجهم, علاوة على القانون الذي صدر بتحديد المهور, فأسعفهم ذلك اكثر. غير أنني أعود الى برنامج الاسكان, او بالأصح الى مشكلة الاسكان العامة التي تعانيها شرائح كبيرة من شبابنا من الذين لا يجدون سكنا مناسبا, فأتصور ان أحد الذين حصلوا على مساعدة من صندوق الزواج للبدء في تكوين اسرة, هو من بين المنتظرين لدى برنامج الاسكان, من دون ان يعرف متى سوف يأتيه الدور, بعد سنة أو خمس أو ربما بعد نصف قرن, فنكون في مثل هذه الحالة كمن يحل مشكلة لهذا الشاب ثم يضعه من ناحية ثانية في مشكلة اخرى, لأنه لا استقرار اسري أو اجتماعي من دون بيت مناسب. وبما أن مشكلة الاسكان عويصة يعانيها الكثير من الأسر والشباب, فإن حلا جذريا لها مطلوب وعلى مستوى اتحادي وبدعم كامل من الدولة, ربما يكون في انشاء بنك عقاري للاسكان يمول المساكن بقروض واقساط ميسرة, وبشرط ان يكون رأسماله ضخما بما يكفي لتلبية الطلبات, وبحيث لا ينتظر أصحاب الحاجة خمسين عاما وأكثر للحصول على القرض, لأن القرض للأحياء لا للأموات.

Email