صراع ضمن الحضارة الواحدة ولكن إلى أين؟ بقلم - د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العلاقة بين الاسلام والحداثة قصة قديمة تتجدد عند كل منعطف, ففي كل بلد عربي نجد مواجهات ونزاعات عديدة , وهذه حالة تثير التساؤل وتثير الألم بنفس الوقت. وفي كل حالة هناك ازمات متتالية تعكس تأزم السياسة في كل بلد عربي. ولكن هناك دول عربية كانت ولاتزال انجح من دول اخرى في التعامل مع موجة المرحلة الاسلامية, وهناك دول اكثر فشلا في التعامل مع المرحلة وهناك دول تتأرجح في الوسط وقد تأخذها الاحتمالات في اتجاه دون آخر. ولكن جوهر الصراع في كل مجتمع عربي هو خلاف في الرؤية مرتبط بخلاف في المصالح, ومرتبط بخلاف في التوجه ومرتبط بتعبيرات ازمة في الاقتصاد ومرتبط بدور متراجع لحكومات وانظمة قديمة تسعى للبقاء في ظل تزايد لدور حركات شديدة النقمة على العالم المحيط بنا. في كل ازمة تتداخل قضايا السخط على الفقر مع السخط من الاغنياء مع رفض الغرب وعدم قبول المرأة الحديثة والعاملة مع التذمر تجاه فضاء العصر كله. ان الحالة الشعبية التي تنتج تيارا عاما اقرب للسخط والتصادم منه الى التوازن كثيرا ما تعكس مشكلات اعمق وقضايا جيدة مازالت عالقة, كما تعكس بنفس الوقت فضل حكومات وانظمة في التعامل مع شؤون السياسة والاصلاح والتنمية. وقد نوافق بأن التاريخ لا يسير الى الامام, بل في طرق متعرجة بعضها يسير الى الوراء, ولكن في سيرنا للوراء وهو عنوان لأزماتنا الراهنة التي كثيرا ما نكرر من خلالها صراعات سابقة وحروب ماضية وطموحات سقطت فنحن ايضا نفتح الباب لاستعادة السير الى الامام. وهو يعني اننا لكي نتجاوز تاريخنا وكل الذي جرى ويجري لنا علينا ان نهضمه ونفهمه, وهو يعني اننا لن نفهم حدودنا الا اذا عرفنا حدود الماضي وابعاده وخضنا مواجهات الامس لنتعرف عليها ثم نتعلم منها. ان عنوان الازمة الاخيرة في الكويت (الكتب الممنوعة المسموحة), لا تختلف عن ازمات شبيهة تخاطب مثيلاتها في دول عربية واسلامية اخرى, من قصة سلمان رشدي الذي صنعنا منه بطلا بعد ان كان كاتبا مغمورا الى التعدي على المثقفين اكانوا سينمائيين ام روائيين ام باحثين الى بناء حالة من الخوف عنوانها الخوف من المرأة ومن العصر ومن الذات ومن الاجتهاد ومن المستقبل, الى حالة الموت في الجزائر, تتراكم وتتشابه وتتكررالازمات. ولكن في كل هذا لابد من ايجابيات, فهل نتعلم مثلا ان الحكم باعدام سلمان رشدي قد افاد الكاتب واعطاه شهرة وجعل الملايين يقرؤونه, هل نتعلم بأن العاطفة المتدفقة في المنع تؤدي باستمرار الى اهداف هي عكس الاهداف التي ننشد؟ وهل نتعلم بأن سعي القوى الشعبية الساخطة الى احتكار السلطة دون ان تعرف ماذا تريد من السلطة ودون ان تمتلك برنامجا يتسع للجميع يؤدي لحروب اهلية وتدخل العسكريين كما حصل في الجزائر؟ الا نتعلم ان محاولة اعادة المرأة الى المنزل يزيد من مشكلاتنا الاجتماعية ويزيد من تصميم المرأة على صون حقوقها؟ بل الا نتعلم ان فهم كل منا الى التاريخ والاسلام والماضي والحاضر يجب ان يحتكم الى مبادىء الحرية والا أعلن كل منا انه يمتلك الحقيقة لوحده بمعزل عن الآخرين وحقوقهم؟ ثم نتساءل وهل يعيش الايمان بمعزل عن الاقناع, وهل يعيش دين بمعزل عن نقده اوحتى حرية التعرف عليه وجدل التعرف عليه في الاطار العلني, وهل هناك دين ينتشر ويتعملق بواسطة الخوف والرهبة ام انه يقوى بواسطة المعرفة والاقتناع العقلي والحسي والايماني. ان المواجهة الحالية في العالم العربي والاسلامي هي بين مرحلة تاريخية واخرى مستقبلية, ولكن هذه المواجهة التي تؤخر العالم العربي لأنها في كل منعطف تأخذه بعيدا عن أولويات التطور وأولويات الضرورة وأولويات التنمية هي نفسها التي تعود وتسمح له باستعادة اولوياته. ولكن في كل شىء مجتمعنا يبحث عن التوازن: التوازن المفقود بين الروحي والمادي بحيث لا يسيطر المادي على الروحي والعكس صحيح بحيث لا يسيطر الروحي على الحقيقي والضروري والعملي. ونفس البحث عن التوازن بين المادي والروحي ينعكس خلافنا بين الدين والدنيا اذ يقع التداخل بين الاثنين للحد الذي تغيب معه مساحة الدنيا بعلومها بخلافاتها بمصالحها وبشؤونها. ولكن اليس من العقل ان تكون وحدة الدين مع الدنيا في امور شتى امر يتطلب ايضا بعض الفصل بأمور اخرى من شاكلة عدم السماح للمتاجرة بالدين من اجل الصراع على السلطة او النفوذ او الانتخابات او من اجل الفوز بمقاعد جمعية تعاونية او بلدية او برلمان. مازالت الامة تتعلم, ولكن الامل الاكبر انها تتعلم من اخطائها, لكن الزمن قد لا يمهلنا الوقت الكافي لعلاج ابتعادنا عن العصر او لعلاج تناقضاتنا التي لم نعالجها في مرحلة سابقة. ان العصر يسير بسرعة, والشؤون التي عالجتها مجتمعات اخرى في ازمان سابقة مازالت تلاحقنا. ولكن خياراتنا ضيقة اذ علينا ان نبدأ من مكان ما: فقد تكون عملية مقاومة الذبح في الجزائر بداية لشيء نتعلم منه, وقد تكون عملية مقاومة التضحية بالناس هي مدخل لتقديس الحياة, وقد تكون ازمة منع الكتب وصراع المعارضين والمشجعين في الكويت هي مدخل اخر لتجاوز ازمات الرقابة ولتخفيف الرقابة, وربما تكون ازمة الزواج المدني او غيره في بيروت مدخل لقوانين افضل او لاصلاحات اعمق في علاقة الاديان بقضايا الزواج, وقد يكون صراع المحدثين مع المحافظين في ايران مدخل لاسلام انضج في ايران, وقد تكون حروب الدولة في مصر على الارهاب وتوبات الارهابيين كلها عناوين عريضة لمرحلة مازالت طور التجريب. قسم العلوم السياسية جامعة الكويت *

Email