بطريق في الصحراء: بقلم الدكتور- خليفة السويدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

البطريق ذلك الكائن الحي الذي اشتهر بأنه يعيش في المناطق الباردة, أثارني عندما رأيته يعيش بيننا في الصحراء التي تقارب درجة حرارتها 50 درجة مئوية . كمهتم بالتربية والتعليم جالت في رأسي هذه المسائل التي هيجها البطريق, والسؤال الذي يطرح نفسه ما علاقة البطريق بالتربية والتعليم في العالم العربي؟ هذا ما سيعرفه القارىء الكريم بعد الوقوف على هذه المقولات: المقولة الأولى: في مؤتمر استشراف مستقبل التربية في دول مجلس التعاون والذي عقد في دولة البحرين الشقيقة في الفترة ما بين 17ـ19 فبراير من هذا العام شاركنا اخصائيون في التربية من دول مختلفة منها اليابان وكوريا, المانيا, المملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية. وعندما يستعرض الانسان التعليم في هذه الدول يجد أن لكل قطر منها اسلوبه ولكل دولة طريقتها الخاصة في التربية والتعليم, ولعل هذا الامر يعد أحد اسرار تقدم هذه الدول عن غيرها. لقد نقل هؤلاء التربويون تجارب بلادهم في دول مجلس التعاون, وقالوا لنا بلسان الحال أحيانا وبالمقال في مناسبات اخرى بأهمية العمل على إيجاد نظامنا التعليمي الخاص والمناسب مع طبيعة المجتمع والمتجانس مع المستويات العالمية. المقولة الثانية: يقول العالم السوفييتي كوفرن: (ان العلم الروسي ليس قسما من أقسام العلم العالمي. إنه قسم منفصل قائم بذاته, يختلف عن سائر الاقسام كل الاختلاف, فإن سمة العلم السوفييتي الاساسية قائم على فلسفة واضحة متميزة... إننا نريد ان نغوص في معترك العلم الطبيعي العالمي ونصارع جميع التصورات الاجنبية التي تناهض المادية والماركسية بكل حزم وقوة. المقولة الثالثة: الفيلسوف الامريكي كوننت في كتابه التربية والحرية يقول: (إن عملية التربية ليست عملية تعاط وبيع وشراء, وليست بضاعة تصدر إلى الخارج أو تستورد الى الداخل. إننا في فترات من التاريخ خسرنا اكثر مما ربحنا باستيراد نظرية التعليم الانجليزية والاوروبية الى بلادنا الامريكية. وهل هناك فرق كبير في الفلسفة والمعتقد بين أوروبا والولايات المتحدة في هذه الامور؟ هل تتصور أيها القارىء الكريم ان سر تقدم الولايات المتحدة يكمن في تخلصها من النظام التعليمي التقليدي الذي كان في أوروبا ونجاحها في إيجاد فلسفة تعليمية جديدة أصبحت تقود العالم اليوم. المقولات السابقة تدفعنا إلى اهمية العمل على : 1ــ العلم والتربية: يخلط الكثير من الناس بين هذين المفهومين العلم والتربية, لكنني أجد أن بوناً شاسعاً بينهما فالعلم هو تراث إنساني متراكم ينقل من جيل الى آخر ويتوارث من حضارة فانية إلى جديدة ناشئة, فالمسلمون أخذوا من الحضارات السابقة وطوروا العلم الذي قامت عليه أوروبا الحديثة بعد عصر الظلام وبدأ الامريكيون في عالمهم الجديد من حيث انتهت اوروبا وكرر التجربة أهل اليابان. فعند نشأتهم الثانية بعد الحرب العالمية ارسلوا وفوداً جالت العالم ونهلوا من هذا العلم ما جعل دولتهم تسابق الدول العالمية الاخرى, كذلك فعل اهل سنغافورا وماليزيا وكوريا والركب سائر في هذا الطريق. لكن هذه الدول أخذت العلم العالمي ودرسته بتربيتها الخاصة ومن هنا كان الابداع فلو نقلوا العلم وطرائقه لكانوا نسخا مكررة من الدول الاخرى. لذلك كان من الواجب على الدول العربية إعادة النظر في طبيعة تعاملها مع نتاجات العالم من العلوم والمعارف. 2ــ علومنا الخاصة: عندما نتعامل مع الحاسوب أو الفيزياء فبإمكاننا أن نأخذ اخر ما توصل له العالم, ومن هناك ننطلق فمن الجنون أن نبدأ مع الخوارزمي أو جابر بن حيان أو غيرهم لكن ماذا نفعل مع علومنا الخاصة كاللغة العربية بعلومها المختلفة والدراسات الشرعية بجوانبها المتعددة, أما آن الاوان لكي نتطور في هذه العلوم أم أن الاولين ما تركوا للآخرين شيئا, إن من يقارن اليوم بين طرق تدريس اللغة العربية واللغة الانجليزية يدرك مغزى ما أقول. نعم لقد قام علماؤنا السابقون بمجهودات لا تنسى لخدمة هذه العلوم ونحن اليوم نبحث عمن يكمل المسيرة, فإن العلوم الذاتية للأمم هي التي يكمن فيها سر إبداعها وأحسب أن لدينا الكثير لكي نقدمه للعالم. 3ــ صقور الصحراء إذا كان البطريق الذي بدأنا به هذا المقال يعيش معنا في صحرائنا العربية بعد أن كيفنا له المكان في حديقة الحيوان ــ بينما يتناسب مع بيئته الأم ــ فهل من الواجب علينا في الدول العربية أن نعيد برمجة انفسنا مع العلوم التي جاءت من الشرق أو الغرب بما يجعلها تعيش معنا أو من المطلوب تكييف هذه العلوم لكي تتعايش هي معنا؟ والجواب في تصوري وأود أن يساعدني في الاجابة يكمن في أن بعض العلوم لن تعيش إلا إذا هيأنا لها أجواء مناسبة لما توصلت إليه الانسانية, فمثلا لن نتمكن من تدريس فيزياء الطاقة الشمسية باستخدام السبورة فهذا علم بحاجة إلى بيئة خاصة به لكي ينجح, وإعادة تحويل بعض العلوم والمعارف عن مسارها يخرجها من جوهرها, فمثلا الترجمة العملية للديمقراطية يغلب عليها الفشل لأنها نبتة زرعت في غير ارضها أو بلغة اخرى لم تهيأ الارض لها, فكانت الديمقراطية العربية الارقام تساوي 99.9 أما ديمقراطية الغرب فيصل الحاكم إلى موقعه بنسب لا تتجاوز الخمسين في المائة, والأمثلة كثيرة الدالة على الفرق بين نقل التجارب العلمية والتجربة الانسانية. والسؤال الذي يطرح نفس فلماذا نجحت الديمقراطية الغربية في إيجاد دول تقود العالم اليوم عندما طبقت هذه الديمقراطية عندهم وفشلت في العالم العربي؟ وفي المقابل لماذا لا نكاد نسمع عن علماء بارزين في دولنا العربية؟ وما أكثر علماء العرب الناجحين في دول الغرب. لقد نجحنا في دولة الامارات في تقديم تجربة سياسية ناجحة تحدينا بها كافة العقبات التي واجهتنا, وقد آن الاوان ان نقدم للعالم العربي تجربتنا التربوية وذلك بالخروج عن نسق التجارب العربية الى النماذج الناجحة في العالم وتكييف هذه التجارب مع واقع وحاجات ومستقبل هذه الامة. إن لنجاح العلم أسباب لابد من تحققها, وإن بذور العلم لاتثمر في أرض لم تعد الاعداد المناسب, وللخروج من هذه المتاهه لابد من ان تحلق في صحرائنا صقورنا العربية الاصيلة التي وجدت لكي تعيش على هذه الارض بل وتطير بنا إلى العالم كله, لأننا جزء من كوكب الارض وأن لنا ان نشارك العالم بتجارب ناجحة في العلوم والمعارف الانسانية. وكيل كلية التربية / جامعة الامارات

Email