قراءة في أحداث العالم: تغيرات عميقة المعنى: بقلم - ميشال جوبير

ت + ت - الحجم الطبيعي

يا لها من تغييرات عميقة! اني اقرأ اليوم في الصحف المغربية, وهي صحف حذرة لكنها تعددية منذ زمن بعيد. خبرا يغمز بالعينين, لي أنا على الأقل, يقول بان منظمة العفو الدولية ستعقد مؤتمرها المقبل بالمملكة المغربية . وعاد إلى ذهني بان منظمات عالمية عريقة وجمعيات دولية شهيرة سبق ان عقدت ندواتها ومؤتمراتها بالمغرب في قصور جديرة بهذه المناسبات, وكان آخرها انشاء المنظمة العالمية للتجارة بمراكش عام ,1994 كما ان ماركات عالمية معروفة للسيارات ومواد التجميل ومستحضرات الصيدلة, بالاضافة إلى نقابات مهنية دولية للمهن الحرة والجامعيين والأدباء والرسامين والفلاسفة, تزاحموا كلهم في وقت أو آخر على أبواب المغرب في أزهى فصول السنة - التي تدوم في الواقع عاما كاملا - وفي ظل هذه التظاهرات والفعاليات العالمية, كان المغرب الوطن يواصل مسيرته الهادئة نحو الحداثة وهو مقسم بين تقاليده وجهده وعرق جبينه, حيث حافظت السياسة الداخلية, حتى في كنف هذا التوهج الدولي, على هدوئها المعهود. تطور المنظمة لنتكلم بصراحة: من كان يراهن منذ عشر سنوات على ان منظمة العفو الدولية ستعقد مؤتمرها بالمغرب؟ هذا البلد الذي طالما صدرت ضده تقارير تندد بانتهاكات حقوق الإنسان, وصدر كتاب معروف عام 1990 يزيد الطين بلة بشهادات شرسة. وكنت في تلك العهود البائدة أحاول التوفيق بين الموقفين, وطالما ناديت باللقاء والتحاور والتشاور بين تلك المنظمة غير الحكومية الحريصة على صيانة حقوق الإنسان والسلطات المغربية التي تغضب من هذه التقارير وذلك بقصد الوصول إلى الهدف الأصلي: أي حماية حقوق الإنسان, ولكن الثقة لم تكن موجودة فمنظمة العفو الدولي تم انشاؤها في لندن عام 1961 على أيدي المحامي البريطاني (بيتر بيننسون) لصالح مساجين الرأي المنسيين. وتطورت المنظمة بفضل جهود وزير الشؤون الخارجية الايرلندي الاسبق العالم الشهير (سين ماك برايد) الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي يتولى منصب الأمين العام المساعد لمنظمة الأمم المتحدة, وناضل من أجلها إلى وفاته عام 1988 عن عمر يناهز الثالثة والثمانين. وشهدت منظمة العفو دفعا قريبا يجمع مليون مشترك فيها وخمسة آلاف متطوع موزعين على 92 دولة تمولها مصادر خاصة وفي الأغلب من متبرعين عاديين مجهولين مما يؤكد استقلال عملها وتقاريرها بأهداف مشرفة ونبيلة باركها كل الشرفاء والأحرار في العالم مهما كان انتماؤهم. مثال فرنسا وهكذا بدأت منظمة العفو الدولية تناصر المستضعفين والمضطهدين والمعذبين والرهائن وتبحث عن المفقودين وتواصل التذكير بهم. فقد أعدت آلاف الملفات بشأن مساجين رأي مقموعين وسجناء معذبين حتى الموت والاعدامات والاختطافات. آلاف بل عشرات الآلاف ممن تضمنتهم تقارير حول الفواجع والمآسي. وتبين ان الاعتداء على حقوق الإنسان موصومة به دول عديدة ومتنوعة, وعلى سبيل المثال فان فرع المنظمة في فرنسا يضم واحدا وعشرين ألف متطوع و395 فريق عمل ويتلقى التبرعات من 180 ألف شخص. وبالطبع فقد اتهمت المنظمة بالانحياز للغرب أحيانا وللشرق أحيانا أخرى وان منطلقاتها سياسية أو اقتصادية أو دينية.. إلى آخره. ولعل المنظمة لم تكن لديها معلومات صحيحة أحيانا لكن نضالها المستمر وصمودها الدائم يستحقان التقدير الكامل. وستستقبل فرنسا رئيس هذه المنظمة السيد (بيارساني) في شهر مايو المقبل. الثقة العريقة إذن, ومن مصادر مغربية, فإن منظمة العفو الدولية ستعقد مؤتمرها المقبل في المملكة المغربية في أغسطس ,1999 وقد أعلنت هذا الخبر من قبل جمعية مناصري العفو الدولية التي أنشئت عام 1994 وتضم هيئات وطنية وعالمية هي: منظمة حقوق الإنسان المغربية والجمعية العالمية لحقوق الإنسان, حين كان وزير العدل المغربي السيد عمر عزيمان يفتتح الأيام المتوسطية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي شارك فيها محامون وقضاة مغاربة - وقد تكلم رئيس المنظمة العالمية لحقوق الانسان فقال: (ان العدل مع الديمقراطية هما الأساسان لدولة القانون, فبدون عدالة مستقلة ومحايدة ونافذة, يبقى القانون غير ذي تأثير ويظل نظريا ويفقد كل مصداقية مما يفتح الباب أمام الفوضى والارتجال والعنف والفساد وعدم الاستقرار السياسي..) . - نعم هكذا تكلم الرجل وقد قال كل شيء. وفي نفس الوقت, كتبت صحيفة مغربية اقتصادية تصدر في الدار البيضاء ضمن ملف كامل عن (الفساد والديمقراطية ودولة القانون) تتساءل عن منزلة المملكة المغربية في سلم المعايير التي حددتها المنظمات والوكالات الدولية لمعرفة المستوى والمصداقية في المجالات السياسية والاقتصادية. ومن هذه المنظمات طبعا منظمة العفو الدولية والمنظمات النظيرة والمشابهة وفي هذا الخضم المبشر بالخير, يمكن أن نلاحظ تلك الثقة البهيجة والعريقة التي يتمتع بها المغرب في مصيره.

Email