من (الأرض مقابل السلام) ... إلى (سلام الردع)! نصير الأسعد

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت ان لا علاقة بين المسألة العراقية والتسوية في الشرق الأوسط فهما (منفصلتان وأفضل ألا أربط بين المسألتين) . قالت ذلك قبل بضعة أيام في الوقت الذي كانت فيه هي مسؤولون أمريكيون آخرون يعدون بأن تنصرف الولايات المتحدة مجددا إلى العملية السلمية في الشرق الأوسط بعد الانتهاء من الأزمة العراقية. هل صحيح ما تقوله أولبرايت لجهة نفي الرابط بين المسألتين أم ان الارتباط عميق فعلا بينهما؟ (عاصفة الصحراء) ممر من خلل إلى خلل مضاعف ! لا نريد العودة كثيرا إلى الوراء من أجل الاجابة عن هذا السؤال المطروح. لكننا نقول في هذا المجال ان استهداف الولايات المتحدة السيطرة على منطقة الشرق الأوسط جعلها خلال العقدين الماضيين تشن هجمات على هذه المنطقة من مختلف (بواباتها) بكلام آخر, لم تكتف واشنطن بمفاعيل الصراع العربي ــ الاسرائيلي على الوضع العربي لاخضاعه, أي انها لم تكتف ببوابة هذا الصراع للاخلال بموازين قوى المنطقة, بل لجأت إلى بوابات أخرى... فكانت الحرب العراقية ــ الايرانية مطلع عقد الثمانينات بوابة أولى, ثم كانت الحرب على العراق التي أسميت حرب الخليج الثانية مطلع عقد التسعينات بوابة أخرى. غاية القول هنا ان الارتباط قائم ضمن السياسة الأمريكية بين هذه البوابات جميعا, وتنعقد الصلة فيما بينها عند الهدف الأمريكي المتمثل بالاخلال بموازين القوى عن طريق اخضاع هذه المنطقة بالكامل. اننا نقترح هنا اذا قراءة مختلفه لـ (عاصفة الصحراء) عام 1991 عن القراءة التي راجت ردحا طويلا من الزمن. لقد أسفر الصراع العربي ــ الاسرائيلي عن هزائم عربية متتالية وبالطبع عن خلل في موازين القوى في مصلحة اسرائيل (والولايات المتحدة), وكانت هذه الهزائم كفيلة بنقل العرب من (مشروع) إلى (مشروع آخر) , فهم انتقلوا بفعلها وتحت تأثيرها من (مشروع المواجهة العربية) مع اسرائيل إلى (مشروع السلام العربي) معها... طووا الأول وافتتحوا الثاني. لكن ذلك لم يكن كافيا في عرف أمريكا وكان لابد من وجهة نظرها من دفع العرب نحو مزيد من التسليم بالهزيمة. وفي رأينا ان (عاصفة الصحراء) كانت لها هذه المهمة التاريخية, انطلقت (عاصفة الصحراء) هذه من خلل أكيد في موازين القوى لتكون هي نفسها ممرا إلى خلل اضافي مضاعف... أي انها كانت الوسيلة الأمريكية لنقل العرب من (مشروع السلام العربي) مع اسرائيل إلى التعاطي مع (مشروع السلام الأمريكي) و(الاسرائيلي) والفارق واضح بين الاثنين. نقول إذا ان الولايات المتحدة قد سوقت (عاصفة الصحراء) أي الحرب على العراق في حينها على انها الممر نحو تسوية عادلة وشاملة في الشرق الأوسط, وروجت ان أزمة الشرق الأوسط التي لم تجد حلا زمن الحرب الباردة ستجد حلا في مرحلة السيطرة الأمريكية. وقد اختارت واشنطن ايغالا منها في عملية تسويق (عاصفة الصحراء) عنوانا مغريا لمعادلة التسوية العتيدة (الأرض في مقابل السلام) . ولا يخفى على أحد ان الولايات المتحدة طرحت هذه المعادلة المغرية لتتزعم تحالفا عربيا - دوليا ضد العراق فتزور أمام العرب حقيقة استهدافاتها. وفي رأينا انه آن الآوان اليوم لتصفية الحساب مع هذا الوعي المزور في العقل السياسي العربي: ان عاصفة الصحراء لم تكن ممرا إلى تسوية حقيقية تريدها واشنطن في الشرق الأوسط, بل كانت ممرا إلى عملية سلمية مختلة من أصلها... وهذا ما أتت وقائع سبعة أعوام منذ العام 1991 تؤكده, لا بل ان ذلك كان واضحا منذ اليوم الأول (لمؤتمر مدريد) عندما فككت المسارات تفكيكا للتضامن العربي... وللوضع العربي. نختم هذا القسم من التحليل بالقول ان الارتباط وثيق بين المسألة العراقية والوضع في الشرق الأوسط منذ البداية, و(عاصفة الصحراء) كانت وسيلة الربط هذا عبر الانتقال بالمنطقة من خلل إلى خلل مضاعف... ولا يقولن لنا أحد غير ذلك فعلا. نتانياهو يعود إلى كتابه (مكان تحت الشمس) وكيف تربط الولايات المتحدة الان بين (المسألة العراقية) والعملية السلمية (المزعومة) في المنطقة؟ لا داعي للاطالة هنا أيضا. لم تقم التسوية في المنطقة خلال الأعوام السبعة الماضية على الرغم من شروطها المختلة والمجحفة ضد العرب وبحقهم. من جهتنا نحن العرب, نحمل اسرائيل مسؤولية تعطيل قيام التسوية باصرارها على ان تكون (التسوية) اطارا لاخضاع العرب لعلاقة سيطرة. غير ان لأمريكا واسرائيل رأيا آخر: فالتسوية لم تقم لان العرب استمروا يملكون ولو بحدود دنيا امكانية (مقاومة) الترجمة الأمريكية - الاسرائيلية للسلام وآخر نسخة من تلك (المقاومة) العربية كانت في مقاطعة مؤتمر الدوحة الاقتصادي في الخريف الماضي. هكذا إذا, (اكتشفت) الولايات المتحدة انه بدلا من الضغط على اسرائيل لابد من الضغط على العرب لدفعهم إلى التسليم (الأخير) . كان يمكن لامريكا ان تجيز حربا اسرائيلية في المنطقة لمضاعفة الخلل بالموازين. لكن اجازة الحرب الاسرائيلية لا تستقيم والدور الأمريكي (الراعي) و(النزيه) لما يسمى (العملية السليمة) , وهناك بوابة أكثر أمانا هي بوابة العراق... فحرب اسرائيلية قد تحرك تضامنا عربيا بينما الضغط على العرب من خلال البوابة العراقية يتم من (الكيس العربي) ! من هنا ورأينا هو ان جانبا من المعركة الأمريكية ضد العراق هو غير عراقي بل شرق أوسطي عام, أي ان (المسألة العراقية) باب للاستثمار والتوظيف السياسيين أمريكيا, ولذلك على كل حال نعتقد ان الولايات المتحدة وخلافا للقرارات ليست مستعجلة لاقفال هذه البوابة فعلا. ... ونلاحظ (التطور) المهم الذي حصل على صعيد (العملية السلمية) في امتداد الأزمة العراقية الراهنة! لقد أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في خضم الأزمة العراقية الأخيرة ان اسرائيل (تعول أساسا على قدراتها الرادعة وليس على معاهدات السلام) , وأعلن (ان الضمان الوحيد للسلام مع جوار ديكتاتوري هو الردع) , مشددا على انه (لا يمكن فرض أي شيء من الخارج لان ذلك لا ينفع ولن ينفع) !. في عز التصعيد الأمريكي ضد العراق, عاد نتانياهو إلى نظرية (الردع) و(سلام الردع) أو (سلام القوة) , المشروحة باسهاب في كتابه (مكان تحت الشمس) !. وغني عن القول ان انتعاش هذه النظرية مجددا وثيق الصلة بالسياسة الأمريكية, لا بل يمكن من غير تردد القول ان العلاقة وثيقة بين الضغط الأمريكي من البوابة العراقية وانتقال نتانياهو إلى الحديث مجددا عن (سلام الردع) . وبالعودة إلى الارتباط الأكيد بين (المسألة العراقية) والتسوية في الشرق الأوسط, يمكن ان نقول الآتي: إذا كانت (عاصفة الصحراء) شكلت ممرا للانتقال بالمنطقة من خلل إلى خلل مضاعف... من (مشروع السلام العربي) إلى (المشروع الأمريكي) تحت عنوان (الأرض مقابل السلام) , فان التأزيم الأمريكي مع العراق بمختلف أشكاله يشكل ممرا للانتقال من (الأرض في مقابل السلام) إلى (السلام الرادع) , وهذا بالضبط الهدف الأمريكي - الاسرائيلي المشترك. من منا ما زال مقتنعا بان (عاصفة الصحراء( ولدت دينامية تسوية متوازنة عنوانها (الأرض مقابل السلام) , سيخطئ مرة أخرى بالتأكيد إذا اعتبر ان الأزمة الحالية ستنقشع عن تجديد لمسيرة التسوية وهذا ما اتت وقائع سبعة اعوام منذ العام 1991 تؤكده, لابل ان ذلك كان واضحا منذ اليوم الاول (لمؤتمر مدريد) عندما فككت المسارات تفكيكا للتضامن العربي.. وللوضع العربي ونحن في هذا الصدد نجزم ان المسعى الامريكي ــ الاسرائيلي المشترك الى (الردع) لا يتطلع الى (تسوية) بل الى هيمنة وسيطرة... ولذلك نقول بلا تحفظ ان الانتقال الى مصطلح (سلام الردع) اسرائيليا (وبتغطية من السياسة الامريكية) هو انتقال الى اللاتسوية بامتياز ولكننا الى ذلك نضيف مسألة مهمة جدا في اعتقادنا. اذا كان ما يحصل مع العراق اليوم مثالا اي اذا كان السعي الامريكي الى (ردع) العراق لا يتوقف عند حدود بل هو مفتوح باستمرار على تفكيك وحدة العراق... فان ما نخشاه فعلا هو ان يرتبط السعي الامريكي ــ الاسرائيلي الى (سلام رادع) بتلاعب بكيانات المنطقة وبمسعى تفكيكي لها. حول التسوية في عز معادلة الارض مقابل السلام قيل كلام كثير عن المفاعيل البنيوية المحتملة لـ (الصلح) العربي ــ الاسرائيلي على كيانات المنطقة. قيل ذلك في وقت كانت معادلة الارض مقابل السلام تغري بوهم امكان تحويل اسرائيل ــ بالتسوية ــ (دولة عادية) ... فماذا يمكن ان يقال اليوم في زمن ازدهار (الردع) و(سلام الردع) ؟ فلنتأمل جيدا بهذا التطور النوعي! الشلل العربي بسبب البقاء تحت السقف الأمريكي! ومن ذلك كله شرحا للارتباط الاصلي ــ التاريخي ــ بين (المسألة العراقية) والوضع في الشرق الاوسط... الى محاولة الاجابة عن السؤال الاتي: ما سر هذا الشلل العربي ازاء ما يجري وحيال خطورة ما يجري؟! على الرغم من المواقف العربية المعترضة في معظمها على التأزيم الامريكي مع العراق المفتوح باستمرار على (عمل عسكري) وهي مواقف مهمة في حرمان الولايات المتحدة من التغطية العربية على اي عدوان على العراق. يبقى التساؤل عن الشكل العربي مشروعا ما لم يتم الانتقال العربي الى الاعتراض على السياسة الامريكية بمجملها. في (المسألة العراقية) اعتراض على (العمل العسكري) فيما المطلوب الاعتراض على السياسة الامريكية حيال العراق وهي سياسة تناقض الفهم العربي للقرارات الدولية اي ان المطلوب موقف عربي رافض للحصار والعقوبات وذاهب الى وقف الالتزام بهما خاصة متى نفذ العراق التزاماته لجهة انهاء اسلحة الدمار الشامل. وفي الارتباط بين العراق والشرق الاوسط لم ينتقل العرب الى اعتراض السياسة الامريكية المغذية لمعادلة (السلام الرادع) والمشجعة لليمين الاسرائيلي الحاكم. سر الشلل العربي اذا هو بقاء الموقف العربي والسياسة العربية الاجمالية تحت السقف الامريكي! والمطلوب عربيا بالفعل هو الخروج من تحت السقف الامريكي واول خطوة على هذا الصعيد استعادة التضامن العربي المحجوز امريكيا! والسبيل الى ذلك قمة عربية طارئة ترسم استراتيجية اعتراض على السياسة الامريكية ومعادلة الردع الجديدة وترفض مواصلة ما يسمى (العملية السلمية) على شروطها الماضية في الخلل والاختلال وتستهدف تعديل الموازين وتستنهض دينامية سياسية نشيطة وتحالفا عربيا مع الاطراف الدولية المتضررة من سياسة واشنطن... والاهم استحضار المصالح العربية وتشكيل استقطاب آخر في المنطقة! هل لنا ان نأمل بالخروج من هذا الشلل المتمادي؟ كاتب لبناني*

Email