الكويت ومصاعب الديمقراطية: مفترق طرق: د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تميزت التجربة الديمقراطية الكويتية منذ بدأت بتبلور صراع وخلاف اخذ احيانا طابعا حادا بين سلطة تنفيذية متنفذة وبين سلطة تشريعية يسيطر عليها ويوجهها التيار الاقوى بالشارع السياسي. وقد تسببت ازمات عميقة في السابق بحل مجلس الامة مرتين واحدة عام 1976 واخرى عام 1986. وبعد الحالتين وجدت الكويت بأن العودة لممارسة الديمقراطية امر ضروري وذلك بسبب التقاليد الديمقراطية التي تعود الى فترة مبكرة من تاريخها وبسبب طبيعة المجتمع المعتاد على حرية التعبير والتمثيل وبسبب طبيعة الحكم في الكويت الذي اعتاد على التعددية وبسبب ارتباط الانتخابات بالدستور المقرر عام 1962. وبينا كانت ازمات الكويت السابقة تقع اساسا مع التيار القومي المعارض والذي كان على خلاف مع السلطة التنفيذية في زمن المد القومي الناصري, الا ان الازمات الراهنة خاصة منذ التسعينات بدأت تتبلور مع التيار الاسلامي الذي كثيرا ما هادن السلطة في شؤون مواجهتها للتيارالقومي في السابق. هذا التيار نجح من خلال المهادنة والتحالف مع الدولة ثم الصراع معها ببناء عجلته الحزبية وقدراته المالية بطريقة تتفوق على اي تيار آخر في المجتمع الكويتي. ولكن الاشكال الاكبر مرتبط بكون التيار الاصولي نجح ببناء قوته وسطوته في ظل اجواء من العمل الحزبي المنظم, وفي ظل اجواء من التعبئة ضد التيارات الوسطية والتحديثية في المجتمع. بل نجده نجح اساسا باللعب على المخاوف بين الناس بدءا من الخوف على المرأة والخوف منها, مرورا بالخوف من الفساد الاخلاقي والخوف من الاختلاط والخوف على الجيل القادم والمخدرات والضياع وغيره. وتتم عملية الاثارة بخصوص هذه المخاوف بدون دراسة او توضيح لماهية هذه المخاوف وعلاقتها مثلا بالاختلاط او بغيره او بالطرق الافضل لعلاجها والتي قد تكون تتطلب مزيدا من التوعية في ظل الانفتاح. لهذا منذ برلمان 1992 ثم ايضا ومنذ برلمان 1996 مرت على الكويت سلسلة من الازمات اثارها التيار الاسلامي: وقد دارت كل هذه القضايا والازمات على امور من شاكلة محاولة تمرير قانون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فرض قانون بالبرلمان يلزم الجامعة بفصل الطلبة عن الطالبات في الجامعة, منع الحفلات الغنائية في فنادق الكويت بقانون, استجواب وزير التربية السابق على امور لا علاقة بها بخطة التعليم, محاولة تعديل الدستور بحيث تصبح الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع عوضا عن مصدر رئيسي للتشريع. محاولة فرض رقابة على الصحف في امور تتعلق بالشأن الاسلامي, وهكذا. ولكن الازمة الاخيرة الخاصة باستجواب وزير الاعلام والتي بدأت في نوفمبر الماضي, كانت الاقوى لعدة اسباب. فهي جاءت في وقت حساس من حيث الحشد الدولي والتداعيات الامنية والاقليمية المرتبطة بالازمة حول العراق. وفي هذا لم تكن الكويت قادرة على الدخول في استنزاف يومي مع الجماعات الاسلامية التي سعت لمعاقبة الوزير سعود ناصر الصباح لأنه ادخل بضعة كتب اساسا سبعة من اصل اربعين الف كتاب الى معرض الكتاب. وقد جاءت الازمة لتعكس اشكالا اهم: فقواعد التيار الاصولي اكثر تطرفا في فهم الدين وممارسته من رموزه القيادية. وهذا يعني ان القيادة تجد نفسها مضطرة لضبط قواعدها بتصعيد الازمات بين الفترة والاخرى وفق برنامج التعبئة الذي تمارسه بحق العصر والعولمة والانفتاح والبرامج التلفزيونية والتغريب والاختلاط والتطبيع, والسينما ولباس المرأة, والليبراليين واليساريين والمثقفين, وغير الاسلاميين وهكذا. ولم يأخد البرلمانيون الذين اقروا الاستجواب بعين الاعتبار بأن ادخال الكتب التي اثير الجدل حولها تم في اطار محاولات الدول العربية تخفيف اجراءات المنع والرقابة والوصاية بالتحديد ابان هذا المعرض السنوي للكتاب العربي. بل لنفترض جدلا ان سلمان رشدي كان بينها؟ فما المشكلة: الا يتطلب ان يعرف الناس الكتاب لكي يتأكدوا من ضعفه وسطحيته؟ وهل يوجد احد لم يحاول ان يطلع على هذا الكتاب ليرى وليفهم حجم الضجة المثارة؟ وهل يغير مسلم اسلامه بقراءة كتاب رشدي؟ ولو تم هذا يكون هناك خلل في تربيتنا ونحتاج إعادة النظر فيها! ولنتذكر بأنه لو كان التأثر ممكن بهذه السهولة لما بقي الاسلام في مجتمع الاتحاد السوفييتي في زمن إلغاء الدين وسيادة الإلحاد, وبالمحصلة لن نبني مجتمعا محصنا ومتعلما وذكيا وقارئا الا بالانفتاح على ما نحب وعلى ما نكره دون وصاية وبهدف الوصول الى الحقيقة, بل هكذا وصل الغرب الى ما وصل اليه. لهذا يمكن الاستنتاج بأن الاساس والهدف من استجواب الوزير وطرح الثقة بأن ليس من الكتب التي استخدمت كغطاء بل مكاسب حزبية ضيقة لا توافق عليها الاغلبية الصامتة ولا تعبرعنها. لقد نجح التيار المسيطر في مجلس الامة بتحويل مجرى البرلمان لتنفيذ سياسات وتشريع قوانين هي في جوهرها غير ديمقراطية, بمعنى آخر ان اثارة قضية الكتب امر غير ديمقراطي لأنه يتدخل بحق الفرد في المعرفة ويتعلق بحرية الفكر التي ينص عليها الدستور وبحق الناس قراءة ما تشاء وقراءة ما لا توافق معه والتعرف على ما يكتبه الآخرون عن الاسلام اكان هذا الآخر عربي او مستشرق او غيره. لنتذكر ان الكتب كتب وهي ليست متفجرات وهي لا تقتل ولا تهدم, بل مهما كانت فالجدل الذي تثيره ورفضها او نقدها وتقييمها علميا هو الذي يقدم الناس خطوات الى الامام بل ربما بقي ان يشرع قانون غير دستوري يمنع الناس من السفر لوجود هذه الكتب في الدول العربية الأخرى. وهذا عنى أن هذه الممارسات أصبحت أداة لمنع التغيير والتقدم والتحديث في الكويت, بل تحولت هذه الممارسات وسيلة لمنع كل محاولة لتخفيف الرقابة او اطلاق المزيد من الحريات الفكرية او الانفتاح واصبحت طريقة ايضا لمهاجمة المفكرين التحديثيين. الكويت اليوم تواجه طريق صعب بين ازمة وطنية خارجية وبين ازمة داخلية عميقة تعبر عن فشل سياسات حكومية تتراكم منذ اكثر من عقد, اذ سمحت السياسات الحكومية بتقوية التيار الحزبي الشديد المحافظ انطلاقا من الخوف من التيار القومي والتحديثي. والتيار المحافظ يشارك في الحكومة بعدة وزراء وله بالتالي امتدادات في اجهزة الدولة وكل مراتبها. ولكن الكويت في ظل هذا الوضع مضطرة لاعادة النظر في حالة الازدواجية الراهنة لأن استمرار هذا الامر سوف يقود للشلل السياسي الشامل وللتأزم المدمر. ان احد اهم نتائج الازمة الراهنة, بغض النظر عن شكل الحل النهائي للازمة, هو وقوع انكسار في هذه الازدواجية التي تقول بأن التيار الاسلامي اصبح اقوى من الدولة ولديه المقدرة على التحكم بدفة البلاد وفق مفاهيمه, ان مرحلة جديدة تطل على الكويت, ولكنها مرحلة تفرض على الكويت تحديد خطتها للتنمية وتصورها للمستقبل. وتفرض المرحلة على الدولة بناء سياساتها تجاه العوالم المحيطة بها, وتوضيح علاقة الديمقراطية بالحقوق. وقد يكون لزاما على المجتمع كما والدولة السعي نحو برلمان يضع على رأس اولوياته اعباء التنمية والاصلاح عوضا عن اضافة عبئ جديد اكبر من العبئ الذي تواجهه البلاد على حدودها. وهذا يعني البحث ايضا عن دولة وحكومة تتفرغ اساسا للتنمية وتضع المتخصصين اولا في المناصب الحكومية. في كل اعادة نظر سياسية جديدة وفي كل سياسة جديدة يبرز عقد جديد بين مكونات البلاد, فهل آن الاوان في الكويت لبناء هذا العقد الجديد الذي يجب ان يكون للجميع دور فيه وفق تصور للتقدم ووفق اسس الدستور ومصالح المجتمع؟ قسم العلوم السياسية/ جامعة الكويت*

Email