البنوك الاسلامية... تحديات مستقبلية: بقلم - حسن العالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشير كافة التوقعات الى ان الفترة المقبلة سوف تشهد نموا كبيرا في السوق المصرفي الاسلامي ولم تعد هذه التوقعات خافية على احد حيث قامت بالفعل عدة بنوك في المنطقة بانشاء وحدات مصرفية اسلامية متخصصة في مجال العمل المصرفي الاسلامي . والبنوك الاسلامية بحكم طبيعة عملياتها التي تتمثل في المضاربة والمشاركة والاجارة والمرابحة تملك مزايا واضحة في تقديم خدمات مصرفية استثمارية متطورة وتواكب بصورة كبيرة الاحتياجات التمويلية والتنموية المستجدة لدول المنطقة خاصة في مجال المشاركة المباشرة في الترويج للمشروعات الجديدة وتمويلها. ففي هذا المجال يمكن للبنوك الاسلامية ان تدخل في عمليات تملك مباشرة لأسهم الشركات لأنها تمتلك الحق في استخدام الاموال المودعة من قبل عملائها في عمليات التملك هذه دون الحصول على موافقتهم المسبقة بالضرورة حيث ان هذه الاموال مودعة للمضاربة في اوجه تحددها المصارف وفق تقديرها. كما تسمح مبادىء هذه البنوك بالدخول في عمليات تقييم مباشرة للمشروعات الجديدة او المعروض للبيع او التخصيص للتأكد من صافي قيمتها وتقديم الاستشارات للمستثمرين, بالاضافة الى تقديم خدمات اعادة الهيكلة للشركات وتوفير حزمة ملائمة من التمويل التي تفي باحتياجات اعادة الهيكلة. ولا تقل اهمية عن ذلك هو ان البنوك الاسلامية ومن خلال تمسكها بتشغيل اموالها في موجودات حقيقية تملك قدرات اكبر على الاستثمار المباشر من مشروعات التنمية. ان هذه المزايا التي تتوفر للبنوك الاسلامية تتلائم بشكل كبير مع احتياجات التنمية الاقتصادية لدول المنطقة في الوقت الراهن. ان هذه الدول تتجه نحو اعطاء دور اكبر للقطاع الخاص في التنمية, كما ان هذا القطاع يملك مدخرات كبيرة عجزت البنوك التجارية لحد الآن عن استثمارها بالشكل الافضل وراحت بدلا عن ذلك تعيد ايداع الجزء الاعظم منها لدى البنوك الخارجية. في حين ان تراجع عوائد النفط تزيد الحاجة لمثل هذه المدخرات. وضرورة تشغيلها بصورة فعلية في مشروعات استثمارية منتجة. اننا نرى ان البنوك الاسلامية بدول المنطقة بالامكان ان تلعب دورا حيويا ورئيسيا في تنفيذ التوجهات الجديدة لدول المنطقة. وهي تملك الفلسفة النظرية والادوات التنفيذية التي تؤهلها لأن تلعب هذا الدور. ومع ذلك تبرز الحاجة لتوفير العديد من المستلزمات التي تساعد البنوك الاسلامية على اداء دورها المطلوب, ولعل احد اهم هذه المستلزمات هو تطوير السوق المالي الاسلامي الذي يمكن من خلاله تأسيس وايجاد المنتجات الاسلامية الموجهة لتمويل المشروعات الانتاجية, كما يمكن تداولها والمتاجرة فيها في وقت لاحق من خلال السوق الثانوي وبالتالي توفر مزايا السيولة وتقليل المخاطرة لهذه المنتجات. ان طرح الادوات المالية والاسهم والسندات للاكتتاب العام هو اساس العمل المصرفي الاستثماري الاسلامي. وبامكان المؤسسات المالية الاسلامية ان تتعهد تغطية هذه العروض اما بتقديم التزام محدد او على اساس افضل عرض. وتتوفر الآن فرص عرض اسهم للاكتتاب العام وعمليات التمويل المشتركة في العديد من البلدان التي من خلالها يمكن ضمان مشاركة اوسع في الاستثمار المشترك. كما انه بامكان البنوك الاسلامية طرح منتجات يتم بموجبها استبدال الدين بصيغ تمويل مقبولة اسلاميا. كما ان هناك نوعا آخر من الاكتتاب باصدار اسهم شركات تكون اسهمها متداولة سلفا في السوق ومن امثلة ذلك اصدار اسهم اضافية للاكتتاب العام عندما تكون اسعار اسهم الشركة مرتفعة على نحو كاف بحيث يترتب على ذلك تقليل كلفة التمويل الى مستوى ممكن. ان توفر سوق مالي اسلامي يتم من خلاله المتاجرة في هذه الادوات من شأنه ان يشجع المتعاملين فيها وخاصة المستثمرين من الشركات على امتلاكها وجعلها جزء من محافظهم الاستثمارية نظرا لثقتهم بامكانية تسييلها, والتعرف على اسعارها بصورة يومية. هذا علاوة على تقاسم مخاطرة هذه الادوات بشكل أوسع. وهناك الكثير من الادوات المصرفية الاسلامية التي يمكن تحويلها الى ادوات قابلة للتداول في السوقين الاولي والثانوي وبالتالي ان توفر لها القابلية للتسويق و المتاجرة. ان من شأن قيام البنوك والمؤسسات المالية الاسلامية بتطوير وتوسيع انشطتها والتركيز على الآفاق الجديدة للاستثمار الاسلامي ان يمكن من لعب دور نشط في التنمية الاقتصادية بدول المنطقة وذلك من خلال استقطاب الشركات والمؤسسات التي اخذت على عاتقها تنفيذ برامج التنمية وتوفير مختلف الاحتياجات التمويلية لهذه الشركات والمؤسسات. هذا وسيتوقف تعزيز نمو وتطور النظام المالي الاسلامي الى حد كبير على طبيعة التجديدات التي يتم ادخالها في السوق. والحاجة العاجلة هي توفير موارد بشرية ومالية لاستحداث ادوات لزيادة السيولة, وانشاء اسواق ثانوية ونقدية وفيما بين البنوك, وادارة الاصول/ الديون والمخاطر, وادخال ادوات المالية العامة, وفي وسع النظام المالي الاسلامي ايضا توفير بدائل على مستوى التمويل الصغير. ويعتبر اصدار الاوراق المالية خطوة في الاتجاه السليم ولكن ذلك يتطلب ايضا المزيد من التطور. ونطاق اعدد الاوراق المالية ــ وهي عملية تجزئة واعادة ضم الأصول المالية ليسهل تسويقها, والتعامل فيها وسيولتها ــ واعدة جدا في الاسواق المالية الاسلامية لأن عمليات السوق الحالية تقيدها قلة المنتجات الداعمة للسيولة, كما ان الاسواق الثانوية تفتقر الى العمق والاتساع, واهم من ذلك ان ادوات ادارة الاصول/ الديون غير موجودة اصلا. ومع التوسع في ادارة الاوراق المالية سوف تنمو قاعدة المتعاملين في النظم المالية الاسلامية عندما يتم اجتذاب المستثمرين المؤسسين الذين يمكنهم التوصل الى هياكل أوسع لاستحقاق الديون, وبذلك سوف تتطور السوق الثانوية, وسوف تصبح ادارة الاصول/ الديون حقيقة واقعة. وثمة عناصر اخرى مرشحة لاصدار الاوراق المالية تشمل العقارات, والتأجير, والمنتجات التجارية المستردة, وذلك بسبب وجود ضمانات عينية لتدفقاتها النقدية. وتمويل المشاريع الصغيرة عنصر آخر مرشح لتطبيق التمويل الاسلامي. فهذا التمويل يعزز مبادرات اقامة المشروعات, وتقاسم المخاطر, ويمكن ان يؤدي تمديده ليشمل الفقراء الى ان يكون اداة فعالة للتنمية. والمنافع الاجتماعية لذلك واضحة, حيث ان الفقراء يتعرضون حاليا للاستغلال غالبا من قبل المقرضين الذين يفرضون اسعارا ربوية. ويستطيع النظام المالي الاسلامي ان يلعب دورا حيويا في التنمية الاقتصادية للبلدان الاسلامية, ومن خلال حشد المدخرات غير المستغلة التي تحفظ عمدا بعيدا عن القنوات المالية القائمة على الفائدة وتيسير تنمية اسواق رأس المال. وفي نفس الوقت سوف يتيح تطوير هذه النظم للمدخرين وللمقترضين حرية اختيار الادوات المالية التي تتلاءم مع احتياجاتهم في مجال الاعمال, ومع قيمهم الاجتماعية ومعتقداتهم الدينية.

Email