الانقسام السياسي في إسرائيل وقضايا التسوية: بقلم - ماجد كيالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرضت عملية التسوية الجارية في المنطقة لانتكاسة حقيقية منذ وصول بنيامين نتانياهو زعيم الليكود الى سدة السلطة في اسرائيل . وقد شملت هذه الانتكاسة جانبي عملية التسوية: المباحثات الثنائية المتعلقة بانسحاب اسرائيل من الاراضي العربية والفلسطينية التي احتلتها عام ,1967 وضمن ذلك الاستجابة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني, والمباحثات متعددة الاطراف المتعلقة بمسارات التطبيع وعلاقات التعاون الاقليمي (الشرق أوسطي) . وكما هو معروف فقد أدت سياسات نتانياهو الى عزلة اسرائيل على الصعيدين الدولي والاقليمي, كما أدت الى تفاقم الخلافات الاسرائيلية ــ الاسرائيلية. ومن جهة اخرى فقد بينت السياسات التي تنتهجها الحكومة الاسرائيلية الجديدة التعقيدات المحيطة بعملية التسوية, وأبرزت حقيقة نوايا اسرائيل الرافضة لتقديم أية استحقاقات في هذه العملية, كما كشفت واقع ان اسرائيل في الحقيقة هي أهم عائق أمام التسوية بجانبيها الثنائي والاقليمي. وقبل ان نستعرض مواقف نتانياهو وحكومته تجاه عملية التسوية يجدر بنا البحث في خلفية هذه المواقف, وبمغزى الانقسام السياسي الحاصل بين التيارات السياسية الاسرائيلية بازاء القضايا الخارجية ولا سيما منها المتعلقة بالتسوية وبمستقبل الدور الاقليمي لاسرائيل في الشرق الاوسط. لا يوجد ثمة ضرورة للعودة الى الوراء كثيرا للتمعن في تاريخ الانقسام السياسي الاسرائيلي منذ ظهور الحركة الصهيونية وقيام دولة اسرائيل, ولذلك سنركز على الانقسام السياسي الحاصل منذ انطلاق عملية التسوية في مؤتمر مدريد أواخر العام 1991. وتركيزنا على التاريخ المذكور نابع من المتغيرات الكبيرة التي حصلت على الصعيدين الدولي والاقليمي المتمثلة بانهيار الاتحاد السوفييتي (السابق) وتداعيات حرب الخليج الثانية, اللذان, أديا الى هيمنة الولايات المتحدة الامريكية على النظامين الدولي والاقيمي كما أديا الى نشوء وضع تغيرت فيه العلاقات السائدة في المنطقة تجاه اسرائيل, حيث نزعت عديد من الاقطار العربية الى اقامة علاقات سلام بدل العداء مع اسرائيل, وصلت في كثير من الاحيان الى حد اقامة علاقات ثنائية وعلاقات تعاون في بعض المجالات, بغض النظر عن وضع القضية الفلسطينية. على خلفية هذه المتغيرات وجدت حكومة الليكود (التي كان يترأسها, آنذاك, اسحق شامير) , نفسها مضطرة للتعامل مع واقع جديد بغض النظر عن رغبتها, وبمعزل عن مدى تهيؤ اسرائيل له ومما ساهم, آنذاك, في دفع حكومة شامير للانخراط في عملية التسوية, الدفع الدولي والاقليمي, وبالاخص سعي الولايات المتحدة الامريكية لتمرير مشروعها (القديم ــ الجديد) بشأن اقامة نظام اقليمي شرق اوسطي على اسس جغرافية اقتصادية جديدة, يكون فرعا وامتدادا للنظام الدولي الذي تهيمن عليه, وعامل تدعيم له, بالنظر للأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها هذه المنطقة في مجالات عديدة هامة للعلاقات الدولية. ولكن حكومة شا مير, حينها, لم تدخل مؤتمر مدريد بدون ثمن, بل انها استطاعت تمرير عدة شروط, من ضمنها: 1ــ تجاوز الاستحقاقات الاقليمية المتعلقة بانسحابها من الاراضي المحتلة عام ,1967 (وخاصة مع الطرف الفلسطيني) حيث ان قراري مجلس الامن 242 و338 (مرجعية مؤتمر مدريد) هما للتفاوض وليسا للتنفيذ المسبق غير المشروط. 2 ــ عدم ربط المباحثات الثنائية (المتعلقة بالانسحاب من الاراضي المحتلة) بالمباحثات متعددة الاطراف المتعلقة بالتعاون الاقليمي الشرق اوسطي, اي ان اسرائيل تريد نيل ثمار السلام والمتغيرات الدولية والاقليمية, من دون ان تدفع مقابل ذلك. 3 ــ ضمان الولايات المتحدة لأمن اسرائيل ولتفوقها النوعي في المجالات: الاقتصادية, العلمية, التكنولوجية, العسكرية في المنطقة. 4 ــ ضمان انخراط اسرائيل من موقع متميز في النظام الاقليمي الجديد المقترح. كما هو معروف ولأسباب عديدة, من ضمنها الموقف من عملية التسوية, وشكل الاستجابة لمصالح الولايات المتحدة الامريكية, سقطت حكومة شامير (صيف 1992) وقامت بنتيجة انتخابات الكنيست (آنذاك) حكومة ترأسها اسحق رابين (رئيس الوزراء الراحل) ثم شمعون بيريز, وضمت هذ الحكومة حلفاء حزب العمل من (اليسار) الاسرائيلي, وبعض التيارات الاخرى, ولكن هذه الحكومة لم تحظ بأغلبية مريحة في الكنيست وظلت تعتمد في بقائها بالحكم على أصوات اعضاء الكنيست العرب من أعضاء الأحزاب العربية. خلال فترة حكمه استطاع حزب العمل تحقيق بعض النجاحات المتعلقة بعملية التسوية, اذ تم توقيع اتفاق الحكم الذاتي الانتقالي مع الفلسطينيين (سبتمبر 1993) , كما تم توقيع معاهدة سلام مع الاردن (1994) , ولكن النجاح الاساسي لهذه الحكومة كان في مجال التطبيع مع عديد من الاقطار العربية, وفي مجال الآفاق التي طرحها للتعاون على الصعيد الشرق أوسطي. وبغض النظر عما تقدم, فان حزب العمل لم يستطع النجاح في المفاوضات مع الطرفين السوري واللبناني, بسبب رفضه الانسحاب الكامل من الجولان وبسبب الشروط التي يضعها للانسحاب من جنوب لبنان, اما اتفاق أوسلو فقد ظل يراوح مكانه, حيث لم تف حكومة العمل بالتعهدات التي قطعتها على نفسها تجاه الطرف الفلسطيني, وفضلت ترحيل قضايا هامة الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية التي فشل فيها حزب العمل كما هو معروف. وهكذا اتسمت سياسة حزب العمل طوال حكمه بالكثير من الوعود, والامال بالسلام والازدهار في شرق اوسط جديد, ولكنها اتسمت ايضا بكثير من الاخفاقات وخيبات الامل على الصعيد العملي, وانهت هذه الحكومة ولايتها بالاعتداء على لبنان وارتكاب جريمة بشعة في (قانا) في عقر مقر الامم المتحدة. بكل الاحوال فان تردد حزب العمل وعدم حسمه في القضايا التي يبدو متحمسا لها, لا ينبع من نفاق أو تماثل مع الليكود كما يعتقد البعض, وانما ينبع هذا الوضع من ضعف المركز السياسي لحزب العمل في النظام السياسي الاسرائيلي, وكذلك من الانقسام الحاصل في اسرائيل تجاه عملية التسوية. كاتب سياسي فلسطيني *

Email