أبجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

بما اننا أمة يجمعها الكلام, وأضخم نتاجاتها الحضارية عبارة عن ديوان ضخم يبدأ ولا ينتهي من الشعر والنثر والحكم والامثال والاساطير والمترجمات... الخ فان استنساخ الكلام, وترديده, وبيعه, وشراءه يعتبر ممارسة عادية لا غبار عليها في الوسط العربي . وعليه فليس بمستغرب ان نكون الاكثر ترديدا لمقولات ضخمة نكاد نكون اول الجاحدين بها, والمنكرين لمصداقيتها, فواضح اننا لا نخجل من التشدق بنظريات نعلم يقينا باننا لا ولم يثبت ان حاولنا العمل بها او اثباتها ولو لمدة خمس دقائق من عمر الحضارة وبطريقة عملية. وبرغم ان النخب المثقفة وعلى جميع المستويات, تكاد تكون الاكثر وقوعا في هذا المطب, الا ان النخب السياسية تترنح كثيرا وهي تجدف باتجاه كسب الاصوات ورسم الصورة البراقة للسياسة والساسة العرب وتقع في المطب نفسه. ماذا يعني ان يختتم اتحاد البرلمانيين العرب بصنعاء دورته الحادية والثلاثين بهذه النهاية المأساوية والمزرية؟! هل اكثر من ان نشتبك بالايدي ونحن على قمة الهرم الديمقراطي, فكيف نسي القوم انفسهم ومقولات القرون العربية كلها؟ لقد اشتبك وفد مصـر مع العراق وكانت (الخناقة) التي ستضاف الى سلسلة المسيرة الديمقراطية العربية! تعبنا ونحن نسمع ونقول ونعلم اجيالا تلو اجيال ان (اختلاف الاراء لا يفسد للود قضية) وان تختلف معي في الرأي لا يعني ابدا ان تكون ضدي واكثر من رأيين افضل من الرأي الاوحد و.... الخ ولو عددنا المقولات في شأن الخلاف وديمقراطية الحوار لكنا سادة الديمقراطية على امتداد العمر الحضاري للانسان. لكننا لو احصينا عدد المرات التى استطعنا فيها ان ننجح في الثبات ولو لمرة واحدة في حوار ديمقراطي يبدأ هادئا ثم تعلو نبرة عباراته, ثم ننهيه بمصافحة (ولكم رأيكم ولي رأيي وكفى الله المؤمنين شر القتال) لوجدنا ان العثور على حادثة (ديمقراطية) كهذه تكاد تكون مستحيلة. متى سنتوقف عن حرب البديهيات التي نحاول اثباتها يوميا على صفحات الكتب والصحف والمجلات لندخل معتركات اكثر جدوى؟ ومتى سنعلن دق المسمار الاخير في نعش العقائد العربية الباطلة حول اختلاف الرأي حيث (اذا لم تكن معي فأنت حتما ضدي) و(اذا لم توافق على رأيي, فانك تضمر بلاشك تسليح ميليشيا خاصة لاغتيالي) , متى سنتخلص من خطيئة التفكير الاحادي والنظرة الاحادية والشخصية ذات البعد الواحد؟ متى ستنتهي اجتماعاتنا العربية بنهايات افضل من الخلاف المدجج بالسلاح واشتباكات الايدي؟ نخشى ان يتطور الامر ــ كما يتطور كل شيء ــ الى ما لاتحمد عقباه اللهم لطفك.

Email