المقاطعة الاقتصادية العربية لامريكا وما يسبقها! بقلم- فايز سارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترددت في الآونة الاخيرة دعوات للعرب من اجل ان يقاطعوا الولايات المتحدة الامريكية اقتصاديا ردا على مواقف وسياسات الاخيرة المعادية للعرب وقضاياهم, ولاسيما في ضوء المواقف الاخيرة للولايات المتحدة بصدد اكثر قضيتين حرارة في الواقع العربي الراهن, الاولى قضية فلسطين, وما يتصل بها من موضوعات في الصراع العربي ــ الاسرائيلي, واستمرار احتلال اسرائيل للاراضي العربية, وتعنت وتشدد حكومة بنيامين نتانياهو ومعارضتها تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بصدد الشرق الاوسط, والقضية الثانية, قضية العراق, والتي وان بدت في شكلها على نحو ما تصوره واشنطن, تتصل بسياسات الحكومة العراقية, فإنها في الواقع ومن ناحية جوهرية قضية عربية تهم كل العرب بما فيهم الذين يعارضون سياسات حكومة بغداد وموافقها. والدعوة لمقاطعة عربية اقتصادية للولايات المتحدة تبدو قضية مشروعة في ضوء ما تمارسه واشنطن, والمقاطعة يمكن ان تشمل وقف العلاقات او الحد منها في الاتجاهين, بحيث يتوقف استيراد المواد والسلع المدنية والعسكرية, بما في ذلك وقف استيراد واستهلاك المنتجات الامريكية الصناعية والزراعية, الى جانب وقف التعاملات المالية, كما يمكن ان تشمل المقاطعة وقف تصدير النفط ومشتقاته ووقف توظيف الفوائض النفطية العربية في البنوك الامريكية الى جانب علاقات اخرى. ورغم مشروعية المقاطعة العربية الاقتصادية للولايات المتحدة, فان من المهم وقبل طرح كهذا, التدقيق في الفكرة ومناقشة واقعيتها, وتلمس فيما اذا كان العرب بالفعل قادرين ان يقاطعوا امريكا ام لا, وتقدير النتائج الممكنة للمقاطعة ذلك ان سلاح المقاطعة له حدين, بمعنى انه يمكن ان يكون ايجابيا وان يكون سلبيا في وقت آخر, وزمن آخر, وبالتالي فانه يمكن ان يكون سلاحا امريكيا اخرا توجهه واشنطن الى صدر العرب وضد قضاياهم. ويمكن القول ان العرب بامكانهم من الناحية العملية ــ كما هو مفترض ــ خوض معركة المقاطعة مع الولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية, بل ومن الناحية السياسية, وفي الاقل بمكان العرب ان يحدوا من علاقاتهم الاقتصادية والسياسية مع واشنطن, غير ان امرا كهذا مرتبط بثلاثة عوامل اساسية. اول هذه العوامل واهمها, توفر الارادة السياسية لدى الحكومات العربية, ولدى الرأي العام العربي, ذلك ان قضية كهذه ليست مجرد شعار, يتم اطلاقه ليأخذ مداه في المسار العملي كما ان القضية ليست قرارات تتخذها حكومة او كل الحكومات العربية, بل اضافة الى ذلك, ينبغي ان يكون لدى الرأي العام العربي توجهات واستعدادات بهذا الاتجاه, ولديه ايضا رغبة بالفعل على ان يدخل في دائرة التفاعل مع قضية المقاطعة الاقتصادية, وربما السياسية مع الولايات المتحدة, والاستعداد لتحمل نتائجها وتبعاتها. والعامل الثاني, يتصل بالاول, ويتفاعل معه, ويتمثل في بناء سياسة مستقلة وبخاصة في الجانب الاقتصادي, وفي هذا تندرج قضية نسج مستوى اعلى من العلاقات العربية ــ العربية ومنها سوق عربية مشتركة, وزيادة حجم الاستثمارات العربية البينية, وافساح المجال واسعا امام حركة الرساميل والافراد والسلع في انتقالاتها عبر البلدان العربية مع تأكيد سيادة مبدأ الاعتماد على الذات في البعدين الوطني والقومي العربي وفي علاقة التفاعل بينهما معا, ويتضمن هذا العامل شقا اخر, وهو اعادة صياغة العلاقات العربية في المحيط الدولي, بحيث لا تتركز العلاقات العربية مع دولة واحدة ــ مثل الولايات المتحدة ــ أو مع مجموعة دول تدور في فلك واحد ــ مثل المجموعة الاوروبية ــ بل ان تتعدد وتنفتح العلاقات العربية مع عموم الدول, وان يكون اساسها المصلحة العربية العليا, وتأكيد استقلالية القرار العربي الاقتصادي والسياسي. ويفتح العاملان السابقان الباب امام موضوع المقاطعة, والذي يتطلب في هذا الجانب تحديد ما ينبغي ان يدخل بداية في سياق المقاطعة الاقتصادية للولايات المتحدة, وما يمكن ان يدخل تاليا في المراحل اللاحقة, سواء بسبب السياق الموضوعي لتطور المقاطعة, أو بفعل التطورات الدراماتيكية التي يمكن ان تحيط القضية من الاتجاهين المتعاكسين, خاصة وان هناك دولا عربية, باتت تعتمد بصورة اساسية على مستورداتها من المواد الغذائية على الولايات المتحدة, ومنها القمح, وهناك دول, تكاد تقصر مبيعاتها من النفط ومشتقاته على الولايات المتحدة, ومعظم الفوائض النفطية موظفة في البنوك الامريكية, ولا يحتاج القول ان المقاطعة العربية الاقتصادية للولايات المتحدة غير ممكنة من الناحية العملية في ضوء هذه الوقائع, والتي تتضمن تفاصيلها اخطارا على العرب ودولهم, ربما اكثر من الاخطار التي قد تصيب الولايات المتحدة. وخلاصة القول في الموضوع, ان اطلاق الشعارات امر ممكن, غير ان تحويلها إلى سلوك وممارسة شىء اخر, يترتب عليه سلوك عملي, يأخذ بعين الاعتبار المعطيات المختلفة قبل صياغة الخطط والسلوكيات العملية التنفيذية, فهل اعد اصحاب شعار المقاطعة شيئا من هذا؟ وهل يرون في الواقع العربي ما يساعد في توجه كهذا؟ صحيح ان من حقهم ان يأملوا, وربما الكثير من العرب هم في هذا الخط, غير انه ينبغي معرفة المعطيات والامكانيات العملية لأي شعار, حتى لا يقودنا الشعار من احباط إلى احباط آخر, فما اكثر الاحباطات في حياتنا العربية!

Email