تنسيق أمريكي ــ اوروبي غربي حيال ايران، بقلم: عادل محمد حسن

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الاجتماع الوزاري لخمس عشرة دولة اوروبية في اواخر فبراير الماضي, اتخذ قرار باستئناف الحوار مع ايران اثر التحولات التي جرت في ايران بعد انتخاب خاتمي لمنصب رئاسة الجمهورية, هذا القرار يلغي عمليا قرارا اتخذته المجموعة نفسها ينص على وقف (الحوار الانتقادي) مع ايران اثر محاكمة ميكونيس التي وجهت الاتهام للسلطات الايرانية بحادث اغتيال معارضين اكراد ايرانيين في برلين, والغى القرار الجديد كلمة (الانتقادي) من الحوار الولايات المتحدة ضد ايران, اي حمايتها للارهاب والسعي لحيازة اسلحة الدمار الشامل ومعارضتها للعملية السلمية في الشرق الاوسط, ويعد هذا القرار تشجيعا لسياسة ايران المعتدلة على النطاق الدولي والتي بدأت منذ تسلم خاتمي منصب رئاسة الجمهورية. وبعد اصدار البيان مباشرة, اعلنت ايطاليا عن عزمها ارسال وفد برئاسة وزير خارجيتها إلى العاصمة الايرانية, وتبع ذلك تصريح لجيمز روبين, الناطق باسم الخارجية الامريكية, حيث اشير فيه إلى ان واشنطن تشجع المواطنين الامريكان على زيارة ايران, ورفض الناطق الامريكي التعليق على قرار المجموعة الاوروبية حول استئناف الحوار مع ايران مما يعد مؤشر على الموافقة الضمنية لهذه الخطوة, وقام في الآونة الاخيرة وفدان امريكيان بزيارة طهران: الاول هو الوفد الرياضي الذي شارك في المسابقات السنوية للمصارعة ثم تبعه وفد ثان يضم خبراء امريكان في شؤون الشرق الاوسط للمشاركة في مؤتمر دولي حول الاوضاع في الخليج, ويشير المراقبون في واشنطن إلى ان كلا الحدثين يدلان على ان الادارة الامريكية بدأت وبشكل علني اتخاذ خطوات ودية تجاه الجمهورية الاسلامية الايرانية. اما الخطوة الاخرى التي اتخذتها الادارة الامريكية فتتمثل في ادانة السفارة الامريكية في اسلام اباد لحادث اغتيال مهندسين ايرانيين اخيرا في باكستان على يد مجموعة (انصار الصحابة) الدينية المتطرفة, وعبرت السفارة الامريكية عن تعاطفها وتعازيها لاسر الضحيتين الايرانيين, هذا الموقف الامريكي يؤكد تنصل الطرف الامريكي من اية علاقة بهذه المنظمة المتطرفة اضافة إلى مسعى لمد الجسور مع الحكومة الايرانية. وتدرس وزارة الخارجية الامريكية الان مشروعا من اجل اعادة النظر بقانون داماتو الذي صدر في عام 1996 والذي يحظر التعامل مع المؤسسات النفطية الايرانية, وهذا يعني في حالة تعديل هذا القانون ان تزال التدابير العقابية المحتملة التي من المقرر ان تتخذها الحكومة الامريكية ضد شركة توتال النفطية الفرنسية وجازبروم الروسية وبتروناس الماليزية التي سبق لها وان عقدت اتفاقيات ضخمة مع الطرف الايراني. وتشير وكالة رويتر للانباء في تقرير لها من واشنطن ان وزارة الخارجية الامريكية تلعب دور (الحمامة) في موقفها تجاه ايران, في حين تتخذ وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية دور (الصقور) في النقاش الدائر حول مستقبل العلاقات الامريكية ــ الايرانية. ويؤكد التقرير المذكور على ان ادارة كلينتون بدأت تعيد النظر في سياستها تجاه ايران منذ المقابلة المثيرة للرئيس خاتمي مع شبكة سي ان ان التلفزيونية. وبغض النظر عن الخطوات المقبلة للادارة الامريكية, فقد لوحظ في الآونة الاخيرة قدر من التنسيق بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة في موقفهما تجاه ايران, وقد استقبلت الخطوة الاوروبية الاخيرة بترحاب من قبل الجانب الايراني, وعلق حسن روحاني, سكرتير مجلس الامن القومي الايراني, على هذه الخطوة قائلا انها جاءت نتيجة للدور الذي لعبه الرأي العام الايراني في انتخابات الرئاسة الاخيرة, واشار روحاني إلى ان زيارة الوفد الرياضي الامريكي لطهران اخيرا تعد خطوة ايجابية من جميع النواحي, وتبع ذلك تصريحات كمال خرازي وزير الخارجية الايراني الذي اكد على ان القرار الذي اتخذته الدول الاوروبية ينم عن تفهم واقعي للوضع الجديد في ايران. ان دوافع اوروبا الغربية والولايات المتحدة لتحسين علاقاتها مع الجمهورية الاسلامية الايرانية اخذت تتضح اكثر فأكثر, فالسوق الايراني الكبير والمشاريع النفطية الايرانية الضخمة ومشاريع بناء خطوط انابيب النفط والغاز في دول آسيا الوسطى, اضافة لتطويق الطموحات الروسية وطموحات الرئيس العراقي صدام حسين ومعالجة الاوضاع المتدهورة في افغانستان تدفع الدول الغربية بحماس إلى القيام بالخطوات التي من شأنها مد الجسور وتحسين العلاقة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية. ان عملية التطبيع بين ايران والغرب تسير إلى الامام ولو بخطوات حذرة وبطيئة, ويعود ذلك إلى الصراع القائم الان في ا يران بين الجناح المعتدل بزعامة رئيس الجمهورية خاتمي والجناح المتشدد حول مختلف جوانب السياسة الايرانية الخارجية والداخلية. وقام التيار المتشدد الذي يسيطر على المؤسسة القضائية بعدة انتهاكات ضد مواطني الدول الاوروبية, وحمل المتشددون على وصول الوفد الرياضي الامريكي إلى طهران, ونظم انصار حزب الله فعاليات واسعة بمناسبة الذكرى السنوية لاصدار الخميني فتواه المعروفة ضد الكاتب سلمان رشدي, كل هذه الخطوات تدخل في اطار المساعي لعرقلة اي مسعى لترطيب العلاقات بين ايران والدول الغربية ومقاومة سياسة خاتمي الاصلاحية, ولكن حاجة ايران المبرمة لتحسين علاقاتها مع الخارج وفك عزلتها وضغط غالبية الشارع الايراني الذي يؤيد السياسة المعتدلة لرئيس الجمهورية من شأنها ان تحبط مساعي المتشددين.

Email