من الأزمة إلى الأزمة: بقلم: د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

اكدت الازمة الاخيرة بين الامم المتحدة وبين العراق أو بين الولايات المتحدة وبريطانيا والعراق مدى تعقد الوضع العراقي الدولي فمن جهة جاء التهديد بضرب العراق ليثير العالم العربي وليثير الشأن الخاص بقضايا العلاقة بين تطبيق القرارات الدولية في العراق وبين تطبيقها في اماكن اخرى: اسرائيل, من هنا وقعت حالة عربية عامة هي اقرب للتذمر تجاه السياسة الامريكية والتعاطف مع الشعب العراقي بالوقت نفسه, وقد اضاف على هذا التذمر ان الولايات المتحدة لم تكن تمتلك تصورا مرتبطا بمستقبل العراق وتغير اوضاعه في حالة قيامها بعمليات عسكرية. من جهة اخرى تبين ان الاستعداد الامريكي لتوجيه ضربة للعراق لا يقل عن الاستعداد العراقي للتهديد بكل شىء. التهديد الامريكي تجاه العراق استند اساسا على القوة العسكرية, اما التهديد العراقي فكان هذه المرة يقوم على اللعب بورقة الفوضى في العراق, فسياسة تسليح مليون عراقي كان الهدف منها اقناع الولايات المتحدة بانه اذا غاب صدام فان مصير العراق الانفجار لان فيه جيوش مسلحة, بمعنى اخر في هذه الازمة التهديد الامريكي في توجيه ضربة للعراق قابله التهديد العراقي بتحويل العراق إلى ساحة اقتتال داخلي اذا غاب صدام حسين. وتوضح الازمة مدى تعقد سياسة المساومات بين الدول, فالولايات المتحدة كانت تلوح بالضربة لاخر لحظة, بينما كوفي عنان كان يمتلك الصلاحيات للوصول لاتفاق, والاهم ان الازمة بدأت تكشف بأن العراق جر الولايات المتحدة لكمين حول القصور, وان الولايات المتحدة في سياسة ردة الفعل لم تجد اي خيار سوي السير باتجاه الكمين والقبول بدور روسي وايضا فرنسي في حل الازمة, ان نظام الرئيس العراقي صدام حسين يبحث عن رفع العقوبات اساسا, وهي عقوبات اضرت حكمه ونظامه وبالتأكيد اقتصاده. ومن الواضح ان في الولايات المتحدة الكثير من اعادة النظر ومحاولة دراسة الوضع من اجل التوصل إلى سياسة جديدة, الاكيد الان ان سياسة ردة الفعل الامريكية اكان تجاه الازمة في العراق أو تجاه الصراع العربي الاسرائيلي هي سياسة اثبتت ضعفها امريكيا وساهمت في افقاد الولايات المتحدة الكثير من المصداقية خليجيا وعربيا, لهذا فالسياسة الامريكية قد تتحول في المرحلة المقبلة إلى سياسة تسعى لاستباق الوضع خاصة تجاه تطبيق العراق للقرارات ذات الصلة وايضا من حيث منع العراق من تجاوز الدور الامريكي في طبيعة الحل النهائي للملف العراقي, وقد وضح حتى الآن ان الولايات المتحدة غير متأكدة من طبيعة سياساتها تجاه العراق, وذلك من حيث افاق التأهيل أو دعم المعارضة أو السعي للاطاحة. وهذا يقودنا للسؤال الطبيعي: هل هناك ازمة اخرى أم ان الامور تسير باتجاه الحل؟ ان العودة لتاريخ القيادة العراقية يؤكد لنا انه تاريخ ازمات مما يجعلنا اميل للاعتقاد بوجود ازمات جديدة, ان النظام في العراق منذ عام 1990 ــ 1991 لم يتأقلم مع الوضع الجديد, فهو لم يغير وجوه السلطة التي اساءت للعلاقات العربية والخليجية والكويتية بفضل الغزو الواقع على الكويت, وهو لم يتبع سياسة تهدئة بل سياسة تهديد, وهو لم يغير خطابه السياسي. ولو ضممنا لكل هذا التاريخ تاريخ النظام منذ استلم قيادته صدام حسين عام 1979 لوجدنا نظاما شن حروبا داخلية باتجاه الاكراد اساسا والمعارضة, كما ان النظام شن حروبا خارجية على ايران والكويت, والاسوأ من كل هذا انه يؤكد انه لم يخطىء أبدا. مقابل كل هذا امامنا فقط الاتفاق الاخير مع كوفي عنان الذي يبني عليه الجميع افاق عراق جديد, ان الماضي بجروحه وباثقاله هو الذي يتحكم حتى الآن بالنظرة للعراق ولسياساته, ان ازمة الثقة هذه عميقة ومن الصعب تجاوزها ببضعة تصريحات وببضعة اعلانات وباتفاق لا نعرف مدى صموده, بمعنى اخر ان افاق ازمة جديدة قائمة, وقد يكون مفجر الازمة الجديدة امر رئيسي: وجود قرار عراقي بالمحافظة على جزء من اسلحة الدمار الشامل العراقية وهذا مخالف للقرارات الدولية.هذا يعني بأن فرق التفتيش سوف تصطدم في المستقبل مع العراق في امر رئيسي: العراق سيصر انه قام بتدمير كل الاسلحة, والمفتشون سيصرون ان العراق لازال يحوي اسلحة دمار شامل وان العراق لم يعط الاجوبة الكافية لكل شيء, وهذا سيعود ويؤخر آفاق رفع العقوبات, هذه الجزئية هي التي قد تؤدي إلى الازمة المقبلة, والمتابع لمقابلات طارق عزيز نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي على التلفزة في العراق أو مع رؤساء تحرير الصحف العراقية بعد توقيع الاتفاق يلاحظ ان العراق يعتبر ما حصل انتصارا له وهزيمة للولايات المتحدة, وانه في خطابه وحديثه ركز على عدم ضرورة تفتيش القصور اكثر من مرة, وطالب بخروج الحشد العسكري من الخليج الا اذا كان لدى كلينتون مال يصرفه, وهكذا, في هذا الخطاب لا نتوقع حلا بل استعداد لجولة اخرى في تصفية الحسابات بين العراق والولايات المتحدة. ولكن ايضا قد تكون الامور قابلة للسير باتجاه الحل, اي قيام العراق بتطبيق قرارات مجلس الامن, ولكن هذا ما لا يعكسه خطابه الداخلي, وهذا يعني ان النظام قد يحاول تجميل صورته في المرحلة الراهنة, وانه قد يسعى لتحسين علاقاته العربية التي تقدمت نسبيا في الازمة الاخيرة: القاهرة, بيروت, سوريا, قطر, الامارات, وهذا يعني انه سوف يسعى ايضا باتجاه بقية دول الخليج في محاولة لتحقيق نقاط لصالح فرضية اعادة التأهيل والعودة للمنظومة الدولية والعربية, هذه فرضية اصبحت لها ارضية اكبر في الايام الاخيرة. ولكن في كل هذا كيف يمكن ان تفكر المعارضة العراقية التي تحلم بعصر جديد وتغير في العراق؟ يمكن القول بأن المعارضة تفكر بتوجهين: الاول تكتيكي يهدف للتأقلم مع نتائج اية ازمة مقبلة يثيرها العراق, ولكن الاخر استراتيجي وهو الاهم: البحث على مدى ابعد عن عراق ديمقراطي يتعايش فيه الجميع بعيدا عن شبح الدكتاتورية والعنف الداخلي والعدوان والمغامرة وهدر الثروات. استاذ في قسم العلوم السياسية جامعة الكويت*

Email