قضايا تصنع المستقبل:المحرقة النازية بيني وبين ادوارد سعيد: بقلم- رجاء جارودي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم اقرأ مقال البروفيسور ادوارد سعيد التي نعتني فيها بأني (منحط)أو شيء من هذا الوصف ولكن صديقي د. أحمد القديدي اعلمني بأنه قرأ دفاعا عني صدر في بعض الصحف الخليجية كتبه د. محمد جابر الانصاري يرفع عني بعض المظالم المسلطة علي وعلى مواقفي ويرد على ادوارد سعيد , وقد اهتدى د. محمد جابر الانصاري إلى ما اعرفه شخصيا عن ادوارد سعيد وهو انه امريكي أولا وفلسطيني ثانيا, يكتب في بعض الاحيان ما يعجب الرأى العام الغربي ــ الامريكي بالذات ــ حتى ولو ادى الامر إلى تشويه الحقائق وتزييف التاريخ, وقد كنت من المعجبين بادوارد سعيد في كتابه (المستشرقون) وكانت تحاليله محل احترام الجامعيين والمثقفين لانه عرف كيف يفرق بين الاستشراق العلمي النزيه الذي خدم الاسلام والشرق وبين الاستشراق الذي استعملته القوى الاستعمارية الامبريالية لتتغلغل في الاسلام والشرق. ولم تكن بيني وبين ادوارد سعيد لا عداوة ولا حتى مناوشة, لكني انتقدت جزءا من مواقفه المتصلبة ازاء منظمة التحرير الفلسطينية واعتقدت ــ وما أزال معتقدا ــ ان القابض على الجمر ليس كالقابض على الماء, وان المناضل الفلسطيني في ميدان الصراع أو في معابر المفاوضات العسيرة يختلف عن الاستاذ الفلسطيني الجالس على مقعده الوثير في الولايات المتحدة الامريكية. في هذا المقال الذي شتمني خلاله ادوارد سعيد يريد البروفيسور ان يعترف الفلسطينيون بما يسمى (المحرقة اليهودية) التي راح ضحيتها كما يدعي غلاة دولة اسرائيل (خمسة ملايين ضحية!) كشهادة حسن سيرة وسلوك وكمفتاح لحل عقدة ذهنية أو تجاوز حاجز نفسي, كما نصح الفلسطينيين تبعا لهذا المنطق الاعوج الا يسمعوا كلام رجل (منحط) مثل رجاء جارودي!! ويقول البروفيسور سعيد: ليس هناك مجال كما ارى لانكار ان يهود اسرائيل هم فعلا وبشكل حاسم النتيجة الدائمة للمحرقة. وقد احسن د. محمد جابر الانصاري التذكير بأن (المحرقة) المزعومة ليست شهادة ميلاد دولة اسرائيل بل ان مخطط انشاء كيان قومي لليهود بدأ مع مؤتمر بازل عام 1897 اي منذ قرن بالضبط ثم جاء وعد اللورد بلفور (في نوفمبر 1917... اي منذ ثمانين عاما بالضبط) لاعلان التزام الامبراطورية البريطانية واوروبا بزرع دولة اسرائيل في قلب المشرق الاسلامي للاسراع باسقاط السلطان العثماني ممثل آخر خلافة اسلامية في العالم, فرأي البروفيسور سعيد رأي غلط حين يؤكد ان دولة اسرائيل هي بنت ما يسمى المحرقة, بل هي كما اكدت في كتابي (الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية) بنت مخطط استعماري بريطاني فرنسي ثم امريكي يقضي بأن يعوض الحضور الامبريالي المباشر في المشرق الاسلامي بوجود كيان مسلح وعدواني اسرائيلي يأتمر بأوامر العواصم الغربية ويتولى مهمة بث الفوضى في المشرق وتقسيم الامة العربية الاسلامية وتهديد وجودها ونهب ثرواتها. ثم تعال يا أستاذ ادوارد سعيد نناقش الاصل في نقطتين هامتين: * الاولى: انني لا انفي كما ذكرت في كتابي جرائم النازية ولا الاضطهاد العنصري الذي مارسته ضد اليهود, ولذلك فمن المساس بشرفي ان تلصق بي تهمة انكار هذه الجرائم, لقد كانت النازية شرسة ضد اليهود والسلاف وعاملوهم كعبيد ليست لهم اية قيمة انسانية ولا يجب التهوين من هذه الجرائم ومن معاناة الضحايا التي يعجز عنها الوصف, ولكني اقول ان تهويل هذه الجرائم واسكات صوت اي باحث يريد الحقيقة التاريخية هما عمليتان غير بريئتين وغايتهما تبرير القتل والابادة اللذين تقوم بهما دولة اسرائيل ضد شعب فلسطين وشعوب المنطقة, وقد صرح ريمون آرون وجاك فيري وهما يهوديان في فبراير 1982 قائلين: رغم الابحاث الاكثر دقة لم نتمكن من ايجاد امر صادر عن هتلر بابادة اليهود, ولكن الامر يتعلق بتوظيف هذه الاطروحات المضخمة للقتل والعدوان, بعد ان عوض اليهود إله اسرائيل بدولة اسرائيل وهو ما رفضه حاخامات معروفون ومفكرون يهود مشاهير, ولكن لا نهون من امر الجرائم النازية, فلدي انا المسلم من قتل نفسا واحدة بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا. (وهذا اكدته في كتابي صفحة 258 الطبعة المغربية) . * النقطة الثانية: هي لماذا لا يدعو البروفيسور ادوارد سعيد اليهود للاعتراف بمذابح دير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا حتى يبرر فكرة الاعتراف بالحق, فاسرائيل قامت بمجازر لا تغتفر ولا سبيل لانكارها بالاضافة إلى الاغتيالات والتدمير والتهويد واباحة التعذيب ومواصلة حصار الاراضي المحتلة وقتل الاطفال الابرياء مما لا ينكره عاقل وآخر ما قتل طفل بريء في السابعة من عمره في بيت لحم. ولكن المشكلة كما قال د. محمد جابر الانصاري هي ان كلام سعيد بالانجليزية موجه للرأي العام الامريكي وكلامه المترجم للعربية موجه للفلسطينيين والعرب, فهل البروفيسور رجل ذو وجهين؟

Email