الترويج الإسرائيلي للقرار425خطوة مكشوفة لأهداف مبيتة: بقلم-عبد الكريم محمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

دأبت اسرائيل منذ قيامها, والى يومنا هذا, على تصدير ازماتها قدر الامكان الى محيطها, متسترة بحجج وذرائع ومبررات امنية واهية, لاستخدامها كسلاح فتاك في يد حكوماتها المتعاقبة ــ عمالية كانت ام ليكودية ــ سعيا لقلب الحقائق والتنصل من الالتزامات أيا كانت مضامينها. وقد يكون اثارة الضجيج الذي وصل حد التعظيم للقرار 425 احدى هذه الحقائق التي كانت منذ عشرين عاما سلاحا لبنانيا الى جعله سلاحا في يد اسرائيل عبر مبادرات اسرائيلية ــ امريكية مفبركة لا تحمل في حقيقتها اية نية صادقة لتنفيذ روح القرار المذكور. والسؤال الذي ينطرح بقوة عن ماهية خلفيات الموقف الاسرائيلي في تتطبيق القرار بهذا الوقت دون غيره؟!! الواقع ان ثمة اسباب عدة منها ما يتعلق بالوضع الداخلي الاسرائيلي, ومنها ما يتعلق بالوضع الدولي المتغير, ومنها ما يتعلق بوحدة الموقف العربي من ازمة العراق الاخيرة. فاسرائيل تعيش حالة من الصراعات الداخلية التي تعبر عن هشاشة بنيتها المجتمعية والتي ظهرت بوضوح بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق اسحق رابين. وما ترافق من ذلك مع الصراع الدائر بينها وبين المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية, والتي زادت من المأزق الاسرائيلي الداخلي امام الخسائر التي تلحقها المقاومة بالجيش الاسرائيلي وما عكسته من ردود فعل قوية داخل المؤسسة العسكرية والتي وصلت الى حد رفض عسكريين الالتحاق بالخدمة بالجنوب اللبناني, والذي ترافق مع احتجاجات عائلات الجنود الرافضة للبقاء بجنوب لبنان. حتى وصل الامر لتشكيل حركة سياسية متصاعدة باتت تؤثر سلبا على المؤسسة العسكرية, باسم حركة امهات العسكريين وزوجاتهم المتواجدين في جنوب لبنان, تحت شعار ان الجنوب اللبناني بات يشكل بالنسبة لاسرائيل (فيتنام اسرائيلية) كما قالت الصحيفة الاسرائيلية (هآرتس) في احدى تعليقاتها او (شيشان روسية) كما ذكرت (يديعوت احرونوت) فمن خلال الازمة المتنامية التي عكست ظلالها على بعض التيارات السياسية في الحكومة الاسرائيلية وخارجها, انطلاقا من معارضة بقاء الجيش الاسرائيلي في لبنان, جاء طرح الانسحاب كخطوة تكتيكية هدفها تحسين صورة نتانياهو وحكومته داخل اسرائيل التي تعيش حالة من الحراك السياسي بين القوى الاسرائيلية بكل تعبيراتها السياسية والحزبية المختلفة. والاهم من هذا لابد لنا من رؤية المسألة على حقيقتها, فمنذ قيام اسرائيل, لم تعش مؤسستها العسكرية والامنية حرب استنزاف كما نشهد اليوم, حيث كانت تستخدم اداتها العسكرية المتطورة بضربات خاطفة غالبا ما كانت تعطي النتيجة المتوخاة, اما اليوم ومن خلال المواجهة العسكرية بينها وبين قوى المقاومة اللبنانية التي تبلورت في بداية الثمانينات وتمثلت بسلسلة العمليات النوعية. ادت بالتالي الى انكفاء قوات الاحتلال وبشكل مطرد ابتداءً من بيروت مرورا بانسحاباته الاضطرارية المفروضة من بقية المناطق اللبنانية, التي افقدت الجيش الاسرائيلي الكثير من هيبته. وهذا ما عبر عنه العديد من قادة الجيش الاسرائيلي ومن مستويات مختلفة (ان الجيش الاسرائيلي قد مني ومن خلال وجوده في جنوب لبنان بخيبات كبيرة ادت الى تردي وضعه المسلكي القتالي والمعنوي بشكل عام) . والجدير بالذكر ان التجمع الاستيطاني غير قادر على تحمل اعباء ونتائج الحروب الطويلة الباهظة الثمن, وهو المعد بالاساس لحروب خاطفة تعطي نتائج سريعة وعملية. أما فيما يتعلق بالوضع الدولي فبعد ان تكشفت سياسة الولايات المتحدة الامريكية وحليفتها بريطانيا ازاء القضايا العربية والكيل بمكيالين. جاءت هذه المبادرة كمحاولة لفتح آفاق جديدة امام السياسة الامريكية المتعثرة, وما واجهته من ردود فعل الاطراف العربية الرسمية والشعبية على هذه السياسة وانفضاحها. وما ترافق من انقسامات حادة في مواقف الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن بخصوص ضرب العراق بذريعة عدم امتثاله لقرارات الامم المتحدة. وقد كشفت مصادر غربية مطلعة ان المبادرة الاسرائيلية حيال القرار 425 تمت بالتنسيق مع الولايات المتحدة, وفي اجواء تشاور واتصال مع فرنسا لاعطائها دورا وهميا ولكسب ود اوروبا. وكانت الصيغة تقول, بأن هذا الموقف الاسرائيلي من شأنه مقابلة الاجواء السلبية الدولية حيال اسرائيل وحيال عدم ضغط امريكا عليها لتطبيق قرارات الامم المتحدة ومن ضمنها القرار الذي يخص لبنان. بحيث يصبح الحديث الاسرائيلي عن القبول بتنفيذ القرار اشارة الى أن اسرائيل تذعن هي الاخرى للقرارات الدولية. وقد اكد على ذلك معلق الشؤون العربية في صحيفة (هآرتس) جاي باخور ان تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق مردخاي فيما يخص الانسحاب من جنوب لبنان, ليس صدفة وانه (خطوة تكتيكية درست جيدا. فهذا الاعلان ينبع اولا وقبل كل شيء من الضائقة الديبلوماسية التي عاشتها اسرائيل في نصف العام المنصرم وبداية العام الجاري بشأن استمرار التواجد الاسرائيلي في لبنان). والغريب بالامر ماجاء على لسان سفير امريكا في بيروت (ريتشارد جونز) حول القرار ,425 (ان هناك تفسيرات عدة للقرار, وافضل طريقة لحل المشكلة هي عبر المفاوضات). على الرغم ان امريكا لم تر منذ ان اتخذ في العام 1978 عجلة في تنفيذ القرار الذي ترفض اسرائيل تطبيقه الا بعد مفاوضات وشروط امنية, مع انه قرار دولي كانت واشنطن قد وافقت عليه في حينها. ولا يحتاج تنفيذه الى اي مفاوضات سياسية, وبنوده واضحة لا تحمل ادنى ليس لبسا, وكل ما يحتاج اليه للتنفيذ هو قرار امريكي جدي يدفع اسرائيل الى تنفيذه, دون ان تضطر الى حشد الاساطيل والجيوش لاجبار نتانياهو على الانصياع للقرار الدولي المذكور. لكن على ما يبدو ان صورة الموقف قد تبلورت في سياق زمان ومكان محددين, كانت الغاية منه تسليط الضوء على تفسير جديد للقرار المذكور بهدف وقف العمليات العسكرية ضد الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان. اما فيما يتعلق بالوضع اللبناني والعربي, فبعد ان فشلت الولايات المتحدة بعزل العراق عن محيطه العربي والاقليمي وجدت ضالتها في الانتقال الى حلقات عربية معترضة على ما يجري من ترتيبات داخل المنطقة. في اعادة طرح شعار (لبنان اولا) الى الواجهة والتي تهدف الى احاكة مؤامرة تقوم على مبدأ الفصل بين المسارين اللبناني والسوري اي (نظرية فصل المسارات) التي بالضرورة ستعطي اسرائيلي فرص اكبر بالتحكم بمسار الحلول, كما هو حاصل على المسار الفلسطيني. أي ان ما يجري مجرد مناورة جديدة تهدف الى حشر سوريا ولبنان, وقد بات واضحا ان هذه المناورة تحمل بين ظهرانيها اهداف عدة منها: (أ) الخروج من مأزق تفاهم نيسان التي تعتبر سوريا بشراكتها في هذا التفاهم عثرة في وجه العنجهية والتعنت الاسرائيلي الذي يمارس ضد لبنان. (ب) محاولة التدخل بالشأن الداخلي اللبناني, بحجة أن الحكومة القائمة اليوم غير قادرة على لجم حزب الله, وغير قادرة على اتخاذ مواقف تخص الصراع اللبناني ــ الاسرائيلي. (ج) محاولة اسرائيل ارباك لبنان واظهاره امام الرأي العام العالمي والعربي ما امكن وكأنه لا يريد انسحاب قوات الاحتلال من ارضه. (د) تأكيد على ان المقاومة الوطنية والاسلامية (ارهابية) بهدف استصدار قرار او قرارات من الامم المتحدة ضد لبنان, مقابل القرار 425 الذي لم ترضخ اسرائيل لتنفيذه, انما تطلق حوله البالونات, مستظلة بالموقف الامريكي, الذي يعتبر حزب الله (منظمة ارهابية) يجب تفكيكه بضرب بنيته التحتية. محاولة فتح ملف الوجود الفلسطيني في لبنان, واثارة حالة صراعية على المستوى الداخلي, باعتبار ان الوجود الفلسطيني هو جزء من الترتيبات الامنية. ويمس بالسيادة الوطنية اللبنانية. والسؤال الذي لابد منه, هل بمقدور اسرائيل تحقيق الاهداف والغايات المنشودة من وراء كل ذلك؟ (هـ) لقد ادركت الاوساط السياسية الرسمية والشعبية في لبنان وسوريا, ان اسرائيل بالقرار المذكور ليس سوى مؤامرة التفافية على الوقائع التي افرزتها عملية التسوية المأزومة. وانها لا يمكن ان تقبل بقرار مجلس الامن الانف الذكر الا وفق مفهومها الذي يعتبر الامن والترتيبات الامنية فوق اي اعتبار ومحاولة لتسويق مؤامرة لبنان اولا ولكن هذه المرة بعناصر اكثر تشويقا واثارة. وردا على هذا الموقف وما يحمل من خلفيات الموقف الاسرائيلي, ابلغت الحكومة اللبنانية الولايات المتحدة ان ليس في وارد لبنان التحول (بوليسا) او شرطة لحماية اسرائيلي كما تريده ان يكون, وان لبنان لكثير من الاعتبارات, لا يستطيع ان يتصرف بطريقة تقلص الى حد كبير موقع سوريا في المواجهة مع اسرائيل, وجهودها لاسترجاع اراضيها المحتلة, لايمانه بأن عزلها واضعافها سيمكنان اسرائيل من استفراده, ومن اخضاعه بطرق عدة, وان لبنان يحرص على اوضاعه الداخلية وعلى تماسكها التي تحاول اسرائيل على اعادته الى ما كان قبل اتفاق الطائف كاتب فلسطيني مقيم بدمشق*

Email