مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك حوار شبه سري حول المظلة الأمنية في الخليج, وهل هذه دولية أم امريكية أم انها يجب أن تكون عربية يدور بين عدد من المثقفين والأكاديميين الجامعيين , الذين لا يشك أحد في اخلاصهم وفي حرصهم جميعا على مصلحة الوطن كما على مصلحة أمتهم العربية, لولا أنهم مختلفون على الأولويات, كما على الرؤية والاسلوب, وان كانوا متفقين على الهدف, وهو أمن الخليج ومصلحة البلاد, مما سنعود اليه لاحقا. أما الحوار فشبه سري لأنه أولا علني من حيث انه يدور على صفحات صحفنا المحلية, كما ان المشاركين فيه يكتبون بأسمائهم الصريحة, فهم نخبة من دكاترتنا ومثقفينا. من عبد الرزاق الفارس الى عبد الرحيم شاهين وأنور قرقاش ومحمد ابراهيم منصور وغيرهم, وثانيا فهو سري في الوقت نفسه, لأن هؤلاء يردون على بعضهم البعض وعلى غيرهم من دون أن يذكروا ذلك صراحة, وكأنهم بذلك يتجنبون ان يقولوا أنهم مختلفون, مع ان الاختلاف رحمة ولا يفسد للود قضية. وفي الحوار رأيان: رأي مع الوجود الامريكي في الخليج ويدعو له ويسميه بالمظلة الأمنية الامريكية (او الدولية بقيادة امريكا) ولا يرى إمكانية أمنية تحفظ مصالح دول الخليج من الأخطار من دونه اضافة بالطبع الى منظومة دول التعاون وأبناء المنطقة أنفسهم, ويستبعد هذا الرأي اي امكانية لاي دور عربي, ويتهم الطرف الآخر المنادي بالدور العربي بالعيش في أوهام وأحلام الماضي. أما الرأي الآخر المعارض فيرى ان أمريكا ليست إلا مع مصالحها وأن الأمن ينبغي ان يكون عربيا, وان التصعيد الذي تهدف اليه كل مرة ليس إلا للحصول على مواقع وفوائد أكثر, ويتهم الطرف الآخر بأنه أمريكي اكثر من الامريكان, إذ لا يكتفي بالحديث عن مظلتها الأمنية بل يدافع عن مجمل سياساتها, واصفا إياهم بأبناء (ماما أمريكا) . طبعا التلخيص في حوارات خطيرة حول قضايا مثل أمن الخليج والمصلحة الوطنية فيه ضار بلا شك, مما أرجو الا يكون وسيلة للحكم من قبل القارىء اليوم, فالتلخيص المخل هذا إنما تقتضيه طبيعة الزاوية, فأبقى مع المتحاورين لا الحوار نفسه, من الذين أعتقد أنهم جميعا حريصون على المصلحة الوطنية كما على مصالح أمتهم, لولا أن أحداثا جسيمة هزت بعض القناعات وغيرت اتجاهات الرأي والرؤية, فجعلت لكل منهم منطقه ونقاط قوة في هذا المنطق ونقاط ضعف في الوقت نفسه. فعلى سبيل المثال فإن هذا الاختلاف لم يكن واردا على الاطلاق وبمثل هذه القوة قبل الغزو العراقي للكويت مثلا, حيث كان يجمع المثقفون والاكاديميون في غالبيتهم على تعارض صارخ للمصالح الامريكية مع المصالح الوطنية والقومية معا, فجاء الغزو ليدمر قناعات راسخة بفكرة المصالح القومية, التي أساء اليها من القادة العرب من أساء اكثر مما فعل الأمريكان والغرب معا. ومع ذلك فالرافضون للفكرة القومية الآن على حق, لأن هذه ليست في الوضع الذي يؤهلها لكي تحفظ المصالح الأمنية للعرب ولا لدول الخليج ولا حتى لدول عربية منفردة, كمثال مصالح الفلسطينيين التي صارت امكانية تحقيقها بيد غير العرب اكثر مما هي بيد العرب, على المدى المنظور على الأقل, ولسنوات طويلة مقبلة, ما يجعل من المظلة الأمنية الدولية, أمريكية أو غير أمريكية, فكرة مقبولة وواقعا لابد منه الى حين. وبما أن هناك اختلافا في الرأي واضحا وصريحا, فأعجب لماذا لا يحتوي هذا الاختلاف سقف واحد, كالمؤتمر مثلا, او حتى الصحافة نفسها, تدور فيها الحوارات, لعل أحد الطرفين يقنع الآخر, وهذا مستحيل, فيبقى الحل في أن يصل كل منهما الى منتصف الطريق باتجاه الآخر.

Email