أبجديات: بقلم - عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو ان كل شىء ينمو ويقوى, فانما يزيد شراسة في الاتجاه الاخر, انظر إلى الانسان, كلما كبر, وقوي, كلما ظهرت مواهبه, وقدراته على ايذاء الاخرين, وكلما زادت مناصبه وصلاحياته, كلما امتلأ بهجة, وشعورا بالاستعداء تجاههم, وحتمية الاستقواء عليهم , وكأنه لا يكون قويا الا اذا اشعره الاخرون بمدى ضعفهم وتفاهتهم. وانظر إلى جماعة النظام العالمي الجديد, فكلما قويت ترسانتهم واقتصادهم, وديمقراطيتهم, كلما ظهر لهذه الديمقراطية الف مخلب وناب! وصارت ديمقراطية عندما يرغبون, وغير ذلك مع من لا يستسيغون أو يطيقون, فامريكا ــ ام الديمقراطية ــ (وهذه اكبر مغالطة نقع فيها) فهي ديمقراطية حتى النخاع مع اسرائيل وغيرها, وامبراطورية الشر مع الاخرين, والآخرون هم... نحن. على نطاقنا الانساني البسيط ترى ان موظفا بسيطا, يملأ الارجاء تواضعا وقهقهات, فاذا شاء له المولى ان يصبح رئيسك في العمل برزت كل مواهبه لمبارزتك بعنفوان سلطانه, لا في الادارة والابداع ولكن في القهر والتعسف وعشق الاوامر المتأصل في البعض لدرجة المرض! حتى قيل بأن الطغيان نفحة من نفحات الشرق, وسمة من سمات اهله حكاما ومحكومين, فهم يولدون بفطرة الاستعداد لان يكونوا اما اباطرة أو رعايا!! اليوم نكاد نجزم ان الطغيان ليس بضاعة شرقية ابدا, انه بضاعة عالمية الهوية في زمن العولمة, وعلينا ان نمتن اكثر من اي وقت مضى لوسائل الاعلام التي تنقل لنا كل ساعة ما ينفي عنا احتكار تهمة الظلم, رؤساء ومرؤوسين. فها هو كلينتون ــ زعيم الديمقراطية والديمقراطيين ــ وبعد فضائح (الحريم) التي عصفت بصورته الفاتنة, تأتي اتفاقاته المشبوهة مع الممثل السينمائي جون ترافولتا لتجميل صورته سينمائيا, لتبدد اي شك في ان الظلم بعيد عن الغرب الديمقراطي وكذلك الشعوب المظلومة, فهي لن تعيش عالة على الشعور بالاسى وعقدة النقص, لذلك تجدها تحتمي بركام من الموروث الديني, السلفي والمعاصر, ما كان منه ما قبل عهد الهكسوس, وما سيأتي بعد قرن من طوفان ام المعارك, موروث يرسخ في خلايا الدم وجوب الطاعة والحفاظ على وحدة البلاد وصورتها قوية امام العالم, نتساوى في ذلك نحن ـ اهل الشرق ـ وهم هناك في اقصى ارجاء الغرب الغارق في الديمقراطية. فجيرانك على ضفاف الاطلسي ـ ممن امتلأنا نقصا ازاء عدالتهم وديمقراطيتهم ها هو رئيسهم يغرف من اموالهم وضرائبهم ليبدده على نسائه وغرامياته وتجميل صورته في افلام هوليوود, وبعدها يلهيهم بمقولات السيادة والحفاظ على القانون الدولي, فيقنعون بعد صولة وجولة, ومظاهرة هنا وزعيق هناك, وكفى الله الامريكان شر الظلم والظالمين! المأساة عندنا اننا ما عدنا نصدق المتناحرين على افتتاح بوابات الفضاء بحثا عن العدالة والرحاب الطاهرة, والمياه النقية, والاجواء التي لا يتجذر فيها صوت طاغية او ظالم, مأساة هؤلاء ان لا أحد يتبع قوافلهم, فالكل يستمع للصدى ولغناء الحادي وهو يبتعد في صحرائه وحيدا, بعد ان جربوا ان اكثر هؤلاء الحداة زعيقا هم اشدهم صراخا في مواكب الطغاة, او هم الطغاة الاشد طغيانا اذا واتتهم الفرصة, او اسديت لهم مهمة المسؤولية المقدسة.

Email