نتانياهو... (كابوي) الشرق الاوسط: بقلم - د. طلعت شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس من الصعب التعرف على الفكر الذي يعتنقه رئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتانياهو) المطلوب فقط قراءة ما يكتبه او ما يدلي به من اقوال للصحافة سواء الاسرائيلية او الاجنبية ومتابعة افعاله في الواقع. عندما بدأ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الاسبوع الماضي جولته الاوروبية التي بدأها بمدريد يحاول خلالها (طويق) محاولات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات استغلال الموقف الناتج عن اجبار العراق على تنفيذ قرارات الامم المتحدة التي ترفض اسرائيل الالتزام بها, مما يكشف عن وجود خلل وازدواجية في السياسات الغربية بشكل عام والاوروبية بشكل خاص, وهو الامر الذي دفع بعض المسؤولين الاوروبيين الى مراجعة مواقفهم, المطالبة باستغلال المناخ الناتج عن هذه المواقف التي شهدتها الامم المتحدة في الاسابيع الأخيرة, ودفع عجلة (السلام المحتضر) وانقاذه من نهاية مفجعة بسبب مواقف حكومة نتانياهو المتعنتة, وعبر عن هذا وزير الخارجية الاسباني (أبيل ماتوتيس) في تصريحات صحافية سبقت زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي الى مدريد, حيث أكد الوزير الاسباني ان الفرصة سانحة الآن لدفع اسرائيل الى تنفيذ القرارات الدولية, حتى لا يشعر العرب بأن مواقف اوروبا تتصف بالازدواجية مما يزيد عن موجات العداء ضد الغرب, ويمنح (المتطرفين) فرصة لاستغلال المواقف الناتجة عن هذه الازدواجية في تنفيذ قرارات الامم المتحدة لزرع المزيد من القلاقل في منطقة الشرق الاوسط (؟!). قرر (بنيامين نتانياهو) ان يسبق زيارته تلك بتصريحات يؤكد فيها ما يقبل وما لا يقبل من مطالب اوروبا بالنسبة لقضية (السلام المحتضرة) , ومعنى انه يعلن للأوروبيين ما يجب مناقشته معه قبل وصوله. قبل أن يصل الى مدريد سبقته تصريحاته الصحافية التي يؤكد فيها العديد من القواعد التي تعتبرها حكومته من (الثوابت الأساسية) في سياستها التي لا تحيد عنها مطلقا, اولها ان الذين ينتظرون انسحابا اسرائيليا الى حدود 1967 (حالمون) , ولا يتعاملون مع الواقع, او يعيشون في زمن غير الزمن الذي تعيشه اسرائيل, او غير (الزمن الاسرائيلي) , لذلك من الثوابت المرتبطة بهذه القاعدة الاسرائيلية رفض قيام اي (دولة فلسطينية مستقلة) في اي مكان من الاراضي العربية المحتلة, لأن قيام تلك الدولة في رأيه ستكون (بداية للفوضى في منطقة الشرق الاوسط) (!). وينفي رئيس الوزراء الاسرائيلي بكل وقاحة ان اسرائيل لم تنفذ اتفاقيات اوسلو الاولى والثانية, ويصف الذين يتهمونها بذلك ــ في رأيه بأنهم جهلة ولا يعرفون الحقيقة ومعادون للسامية ويهدفون الى نشر دعايات مغرضة ضد اسرائيل, لأن بلاده على حد قوله نفذت ما التزمت به طبقا لنصوص تلك الاتفاقيات, وانسحبت من اكثر من 90 في المائة من الاراضي الفلسطينية (!), والفلسطينيون يعيشون الآن تحت ادارة وطنية خاصة بهم, اما ما تبقى من الاراضي التي لم تنسحب منها اسرائيل ليست الا ارضا خالية من السكان, مما يجعلها مشاعا عاما للاسرائيليين. ثم تصل به الوقاحة او نقول الصراحة في عدم فصل اقواله عن افعاله, بأنه يعلن انه المطلوب الآن ان ينفذ الجانب الفلسطيني تعهداته تجاه اسرائيل المنصوص عليها في الاتفاقيتين, والخاصة بالحفاظ على امن الشعب الاسرائيلي (؟!), لأن ما تبقى من ذلك الاتفاقيات هو التوصل الى الحل النهائي من خلال مباحثات ثنائية بينه وبين عرفات, على غرار (كامب ديفيد) التي وقعها الرئيس المصري انور السادات ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيجن, ويرفض نتانياهو وجود اي رقابة على هذه المباحثات, وان كان يمكنه ان يسمح بوجود امريكي. وفي وقاحته الصريحة, او صراحته الوقحة, يكرر نتانياهو مقولات الصهيونية القديمة التي عفا عليها الزمن, عندما يؤكد انه لا يوجد من يفهم الواقع الاسرائيلي او واقع نشأة اسرائيل سوى الامريكيين, ويفسر تفهم الامريكيون لمطالب اسرائيل, بأنها تعيدهم الى ايامهم الاولى عندما وصلوا الى (ارض بلا شعب) في العالم الجديد, واستعمروها وبنوا عليها الولايات المتحدة الامريكية, لذلك فهم يتفهمون احتياجات شعب اسرائيل الذي (استعمر ارضا بلا شعب) , ليقيم عليها وطنه القومي. لذلك فان اسرائيل تملك الحق في اقامة المستوطنات في اي مكان من الاراضي التي تقع تحت سيطرتها, لأنها في رأيه (أرض بلا شعب) , وان المستوطنات التي يتم اقامتها الآن, أو التي يتم التخطيط لاقامتها في المستقبل تقام في مناطق (خالية من السكان) , وليس من حق اي قوة على وجه الأرض ان تمنع الاسرائيليين من العيش في ارض ليس لها صاحب. هذه هي النقطة الاساسية في تفكير زعيم اليمين الاسرائيلي, انه يرى في شخصه وفي مواطنيه الاسرائيليين شخصية (الكاوبوي) الامريكية التي عرفناها جميعا من خلال الافلام الأمريكية التي غزت ولا تزال تغزو عقولنا وعقول اطفالنا من خلال القنوات التليفزيونية التي يمولها دافع الضرائب من دم قلبه, الاسرائيلي بالنسبة لتفكير نتانياهو يعيش الآن الواقع الذي عاشه الامريكيون عندما دخلوا ارض العالم الجديد, واحلوا لانفسهم الارض والعرض, واقاموا مستعمراتهم الواحدة تلو الاخرى, بعد ان قتلوا وسلخوا ودمروا حضارات الهنود الحمر سكان البلاد الاصليين, الذين تم استئصالهم وتحولوا الى مجرد مجموعات تشبه قطعان الحيوانات المهددة بالانقراض) , التي يجب الحفاظ عليها بوضعها في (محميات طبيعية) . ما قصده نتانياهو من تصريحاته ذلك ولم يعلن عنها ليبدو (متحضرا) امام الرأي العام الأوروبي, ان الفلسطيني الآن ومعه الجنس العربي كله بالطبع هم (الهنود الحمر) الذين وجدهم الصهاينة في فلسطين عدنما وصلوا اليها, ومصيرهم لن يكون مختلفا عن المصير الذي واجهه الهنود الحمر, فالامريكيون غزوا ارضا بلا شعب, والصهاينة في فلسطين ايضا استعمروا (ارضا بلا شعب) , تلك المقولة الممجوجة التي رددها الصهاينة دائما, لا تزال من مقولات نتانياهو المفضلة الآن, وبعد كل هذه السنوات من العذاب التي عاشها الشعب الفلسطيني, ليثبت انه شعب كان يعيش على ارض, وكان له وطن. لذلك فان اي مستقبل للتعامل مع نتانياهو لن تكون نتيجته سوى تحويل الفلسطينيين الى محميات مغلقة, تشبه تلك التي يعيش فيها الهنود الحمر في الولايات المتحدة وكندا, وتقدمهم حكومات تلك البلاد (المتحضرة) على انهم جزء من الجذب السياحي, باعتبارهم من مخلفات التاريخ, وهذا الكلام ليس من قبيل التصريحات الرنانة التي تحاول دفع الفلسطينيين الى مزيد من التنازل, بل هي سياسة فعلية تؤكدها افعال نتانياهو منذ وصوله الى السلطة في اسرائيل, وتطويق القرى الفلسطينية في الضفة والقطاع بالمستعمرات والطرق التي تربط بينها ليس سوى تنفيذ لهذه السياسة, لان الهدف النهائي تحويل القرى الفلسطينية الى (محميات طبيعية) منعزلة, مثل المحميات التي يعيش فيها الهنود الحمر حاليا في الولايات المتحدة وكندا, انه لا يكذب ولا يتجمل, انه يؤكد حقيقة ما يحدث على ارض الواقع فعلا, نتانياهو (كاوبوي) الشرق الاوسط و(العربي الفلسطيني) لن يكون مستقبله افضل من مستقبل (الهندي الاحمر) .

Email