الرأي العام العربي وقضايا الامة ـ بقلم: عبدالرحيم الشاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء الاتفاق الاخير الذي وقعه كوفي عنان مع الحكومة العراقية بعد تزايد الرفض الدولي لضرب العراق ليكشف لنا تباين المواقف العربية على المستويين الحكومي والشعبي, فعلى المستوى الحكومي اعلنت اغلب الدول العربية عن رفضها لاستخدام القوة العسكرية لحل الازمة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية, رغم تصريحات المسؤولين الامريكيين عن موافقة بعض القيادات العربية على استخدام القوة العسكرية ضد العراق, وقد بدا ذلك واضحا من تصريح بعض المسؤولين الخليجيين بان العراق سيتعرض لضربة عسكرية خلال خمسة ايام اذا لم يوافق على تفتيش القصور الرئاسية, وتصريح البعض الآخر مرة عن موافقتهم على استخدام اراضيهم لضرب العراق ومرة اخرى رفضهم منح القوات الامريكية تسهيلات عسكرية لضرب العراق, في حين كانت مواقف بعض الاطراف العربية رافضة لاستخدام اراضيها لضرب العراق منذ البداية وفي مقدمتها دولة الامارات العربية المتحدة, والمملكة العربية السعودية, وقد كان وزير الخارجية القطري اكثر صراحة حين قال لو استخدمت الولايات المتحدة الامريكية قواعدها الموجودة في دول مجلس التعاون فمن الذي سيمنعها. وماذا سيكون موقف الحكومات العربية؟! اما عن موقف الشارع العربي فقد كان متفاعلا مع الاحداث منذ بداية الازمة العراقية الكويتية عام 1990, وكان له دور بارز من خلال مظاهرات ومسيرات التنديد بالغزو العراقي سواء داخل الوطن العربي او خارجه, وتأييدا لحق اهل الكويت المشروع في العودة الى وطنهم واهليهم, بل كان الشارع العربي مؤيدا لمواقف القيادات العربية في مطالبتها بانهاء الاحتلال وتأييدها في دعوة دول التحالف الى المنطقة والتي اثمرت تحرير دولة الكويت, حينما كان هذا موقف الشارع العربي لم نسمع احدا يتحدث عن غوغائية الشارع العربي, او جهله, او عدم ادراكه لمصالحه الوطنية. ولكن حينما جاءت الازمة الاخيرة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية كان للشارع العربي رأي معارض لمنطقة القوة والغطرسة الامريكية ورافضا لاستخدام القوة العسكرية ضد العراق, بل كان هذا موقف القيادات العربي التي وقفت ضد احتلال دولة الكويت عام 1990, لقد كان الشارع العربي متجاوبا مع معاناة الشعب العراقي وآلامه التي يعاني منها خلال اكثر من سبع سنوات من الحصار الظالم والجوع والمرض والموت, فقد عبر الشارع العربي عن رفضه اذلال شعب العراق, وكان معبرا بصدق عن آمال وطموحات الغالبية العظمى من ابناء الوطن العربي بان العراق بلد عربي شقيق, وكان هذا الشارع بمثابة قلب الامة النابض في ظل حالة التردي التي تعيشها الامة, بل ان الشارع العربي ارغم العديد من الحكومات العربية على التجاوب مع المطالب الشعبية الرافضة استخدام القوة لضرب العراق, معبرا بذلك عن موقفه التضامني مع شعب العراق وكان هذا موقف العديد من المفكرين والمثقفين سواء في الخليج او في الاقطار العربية الاخرى من خلال وسائل الاعلام الرسمية والشعبية المرئية والمسموعة, وشجبها للموقف الامريكي المعادي للعراق وشعبه والذي هو في حقيقته معادي للمصالح القومية العربية. في ظل هذا الرفض الرسمي والشعبي للمواقف الامريكية ورفض استخدام القوة ضد العراق تقف بعض الاصوات تستنكر وترفض هذا الموقف العربي الاصيل على المستويين الحكومي والشعبي لضرب العراق, والمعادي للولايات المتحدة الامريكية, وتدعى تلك الاصوات ان كل ذلك يصب ضد مصالحنا الحيوية في الخليج, بل وترى ان هذا الرفض للغرب ولسياساته في المنطقة انما هو خطاب مزدوج ومرتبك!! ويرى هذا البعض ان الامن في الخليج يرتبط ارتباطا ازليا بالولايات المتحدة الامريكية, وكأن تلك الاصوات تكفر بالعروبة والانتماء العربي, وترى ان بقاءنا في الخليج مرتهن بالوجود العسكري الامريكي, ويذهب البعض من هؤلاء الى ابعد من ذلك مدعيا بانه متى كان للشارع العربي دور في اتخاذ القرار السياسي العربي؟ ويرى ان الشارع العربي لايؤيد السلام مع اسرائيل ولكن مضت الحكومات العربية وعلى رأسها السلطة الفلسطينية في خطوات نحو التطبيع مع اسرائيل, وان الشارع العربي لايتمتع بأي شكل من اشكال حرية التعبير عن الرأي السياسي او ابداء وجهة نظر في الموضوعات الاقتصادية الحيوية, فمن المسؤول عن مقولة الشارع العربي, ولماذا استيقظ الشارع العربي لتأييد العراق؟! لقد فات هؤلاء ان الشارع العربي الرافض للتطبيع مع العدو الصهيوني هو الذي يقف اليوم ضد مشاريع التسوية والاستسلام في فلسطين, وفاتهم ايضا ان الشارع العربي في مصر العروبة رغم توقيع اتفاقيات كامب ديفيد منذ 1979 مازال الى اليوم يرفض محاولات التطبيع الشعبية مع العدو الصهيوني, وكذلك الحال في الاردن حيث نلمس الرفض الشعبي للتطبيع مع العدو. صحيح هناك انعدام للحرية والديمقراطية في الوطن العربي, وان دور المواطن العربي في صنع القرار ضعيف بل يكاد يكون معدوما في بعض الاقطار العربية, ولكن فات هؤلاء ايضا ان الشارع العربي الذي خرج في مظاهرات التنديد بالولايات المتحدة الامريكية ورافضا لمنطق التسلط والهيمنة لم يكن مؤيدا لدكتاتور, بل مؤيدا لحق شعب عربي شقيق يريد ان يعيش, شعب يعاني ويلات الجوع والمرض والموت. نحن من دعاة ان يكون الخطاب السياسي العربي والخليجي بشكل خاص له طابع مختلف عن الخطاب الامريكي, فالولايات الامريكية دولة عظمى لها مصالحها في شتى ارجاء المعمورة وقادرة على تحقيق وحماية مصالحها بالطرق المشروعة وغير المشروعة, وليس من يطالب بان يكون لنا نحن العرب ــ في الخليج وفي الوطن العربي ــ موقفا نابعا من مصالحنا الحيوية في الخليج ومرتبطا بالمصلحة القومية العربية يتهم بقلة المعرفة!! علينا ان نعرف حقيقة قدراتنا وامكانياتنا, واننا نعيش في المنطقة العربية التي تربطنا بها مصالح قومية واستراتيجية, وان الامن القومي العربي كل لايتجزأ, وعلينا التعامل والتكيف مع هذه الحقائق بواقعية مطلقة. وان تكون لدينا الشجاعة والجرأة لحل قضايانا, ولابد من الانطلاق من ايماننا وقناعاتنا بالمصلحة الوطنية متجردين من العواطف, لان انجرارنا بعواطفنا نحو السياسات الامريكية في المنطقة دون مراعاة لأوضاعنا وقدراتنا الحالية والمستقبلية قد يسبب لنا مشاكل في المستقبل في مجال علاقاتنا مع الدول المجاورة ومع محيطنا العربي, وربما لو استمر عزفنا على اللحن الامريكي دون مراعاة لخصوصيتنا ان نجد انفسنا مجرورين وراء مصالح دولة عظمى قد لاندرى اين نحن وماذا نريد, وكيف نبدأ واين سينتهي بنا الحال. لعل من اهم الدروس التي يجب علينا تعلمها من خلال الازمات التي شهدتها منطقتنا الخليجية ان لانكون عاطفيين, فقد جربنا العاطفة حينما ايدنا العراق في حربه مع ايران, وخصوصا بعض الدول والشعوب الخليجية التي انجرت وراء عواطفها مؤيدة للنظام العراقي وهي تعرف بطغيان نظامه, فماذا كانت النتيجة؟ اننا لانريد ان نرى نفس العاطفة في التأييد الاعمى للولايات المتحدة الامريكية وسياساتها في المنطقة, واذا كنا من المؤيدين على الدوام بأن يكون للشعب العراقي رأي وصوت فيما يجرى في العراق, فلماذا يحاول البعض ان ينكر هذا الحق على الشارع العربي في ان يكون له دور في المشاركة في اتخاذ القرارات التي تهم منطقتنا العربية واوضاعنا الداخلية؟ علينا ان لاننساق وراء عبارات وشعارات تتهم اعلامنا بالالتباس, وتتهم نبض الشارع العربي والمثقفين والمفكرين الخليجيين والعرب بالوعي الكاذب وان الديمقراطية لاتعني الرأي العام من خلال الشارع.

Email