ابجديات ـ بقلم: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تحدثت عن المقاهي منذ يومين, تساءل البعض, ان كنت مع او ضد المقهى, وهكذا نحن, منذ القرن الاول قبل الميلاد, وحتى القرن المليون بعد مصادرة الشيشة والمعسل !! ليس هناك مشهد في الحياة يمكننا ان (نتفرج) عليه بحيادية مطلقة, فأنت في متحف الشمع كما انت في متحف فنسنت فان جوخ الخاص, وانت في متحف المحرقة اليهودي, كما انت في اللوفر, وكما انت على امتداد الارصفة الضاجة في مدينة انيقة كدبي! مطلوب منك دائما ان تحمل بطاقة تعريفية تحدد مواقفك مسبقا, لانك ـ باختصار ــ ممنوع من حق ممارسة سياحة عابرة فوق الارصفة والمواقف, او الاحتفاظ برأيك بعيدا عن ساحة المجاهرة العلنية. وقد يكون من حقك ان تحتفظ برأىك في بعض الامور وان تتجنب الوقوع في دوائر بلا قرار حول (الضد) والــ (مع) ولكن تحاشي المجاهرة بالرأي, تبدو ممارسة صعبة في زمن التثاقف, وانتقال الافكار والآراء عبر جزيئات الهواء. فقد تكتب عن المقاهي, او السوق القديم, او المدرسة او بيوت المدينة العتيقة, او العاب الصبية الصغار في عصر ماقبل الطباشير والتلوث, وانت في كل ما تكتب لاتؤسس موقفا مع الامس, بمعنى انه ضد اليوم, انت فقط تحاول ان ترسم لوحة تجعل حقوق اقتنائها مشاعا للجميع!! فقط لتقول للمارين اليوم, وللقادمين بعد أزمان من هذا الزمن: هنا تألقت حياة جميلة , كان ايقاعها مبهرا الى درجة الدهشة, بسيطا وباذخا في الوقت ذاته, اليوم توقف ذلك الايقاع لان ضجيجا آخر تراكم في الفضاء, زحف على الامكنة والاوقات الهادئة, والنفوس القانعة, فاختفت المقاهي, والمدارس الصغيرة, والبيوت التي ضجت في افيائها امسيات حلوة, ونهارات رضية, رغم رائحة السمك والمحار. في كل مارسمت هل قلت بانك مع الامس, وضد اليوم؟ انت لم تقل ذلك ابدا, لانك لن تكون مقنعا ولا منطقيا فيما تقول, ولن تكسب متطوعا واحدا ينتحر لاجل مثالياتك اذا فكرت في استعادة ما تظن انها مدينة فاضلة. وفي الحقيقة مدينة فاضلة الا في مخيلة الحالمين, الذين يصنعون احلامهم في فترة القيلولة التائهة بين الاوقات. رغم كل ذلك فانت ازاء قرارات المقاهي والشيشة التي تضج في المجتمع هذه الايام وآخرها قرار منع تقديم الشيشة في المقاهي بعد منتصف الليل حفظا لحياة مجتمع بأكمله وان لزم الامر فبالقانون هذه المرة. وتحية صادقة لصاحب هذا القرار الحكيم.

Email