ابجديات: بقلم- عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف تحول الفيلم الذي يحكي مأساة السفينة (تايتينك) الى ظاهرة عامة في كل الكرة الارضية؟ ولماذا يصر الكثير من الناس على حضور عرضه لاكثر من مرة ؟ مع ان السينما العالمية, لم تتوقف يوما عن معالجة قصص وملاحم الكوارث الانسانية والطبيعية منذ بدايات هذه السينما وحتى الغد وما بعده. وبرغم ان قصة (تايتينك) السفينة العملاقة التي غرقت في عرض الاطلسي ذات يوم من ايام ابريل من العام 1912, اثر اصطدامها بجبل جليدي عائم, قصة حقيقية ومعروفة ولا جديد فيها,وقد عالجتها سينما هوليوود لاكثر من مرة منذ مطلع القرن, الا ان حكاية (روز وجاك روستن) التي نسجها (جيمس كاميرون) مخرج الفيلم من بين انقاض (التايتينك), قد استحوذت على قلوب وعقول الناس وبشكل درامي جدا, وغير طبيعي ربما. عن نفسي شهدت عرض الفيلم ثلاث مرات, وفي كل مرة اشعر بانني اراه بدرجة ابهار اقل من سابقتها, فقلت في نفسي: ربما كانت قضية الابهار السينمائي هي السبب في موضوع التدافع الجماهيري لحجز المقاعد مبكرا في قاعات عرض الفيلم في كل مكان. ولكنني لاحظت ايضا انه وبرغم خلو الفيلم من روح (الاكشن) اي العنف والحركة او (الطاخ والطيخ) بلغة انسان الشارع, الا ان الجمهور الاسيوي في الامارات, وهو من هو عشقا للاكشن, اضافة الى مراهقينا طبعا, كانوا اكثر الفئات احتلالا لمقاعد السينما التي عرضت الفيلم. والأمر الاخر ان (تايتينك) يكاد يكون الفيلم ـ الظاهرة الاكثر استحواذا على اعجاب الكتاب والصحافيين والنقاد, فلم يستطع كاتب من كتاب الاعمدة وزوايا الرأي ان يتجنب الكتابة حول انطباعاته ودلالات النجاح الذي حظي به هذا الفيلم. قيل في حرفية الصناعة السينمائية واتقانها الشيء الكثير, وتحدث الجميع عن الانفاق السخي على انتاجه (اكثر من 200 مليون دولار) وجماليات العمل من حيث الديكور والتصوير والملابس والاكسسوار وضخامة اعداد الكومبارس (اكثر من 2000 شخص) واماكن التصوير.. الخ, وقيل اكثر حول بطلي الفيلم (روز وجاك روستن) النجمين كيتوينسلت وليوناردو دي كابريو, وسمعت بنفسي تعاطف الجمهور الى حد البكاء مع مشاهد غرق السفينة وصراع البطلين للحياة او الموت سويا, ثم موت البطل متجمدا ومضحيا من اجل حبيبته, ومنظر ركاب السفينة وهم جثث طافية متجمدة في عرض الاطلسي بعد ساعات من حياة باذخة على ظهر السفينة الحلم. بشكل او بآخر, فان الفيلم استطاع وببراعة ان يلامس وبشكل مباشر جدا, ارهف مشاعر الانسان واكثرها توقدا واستثارة, وان يدخل عميقا في اغوار قلبه وعقله ووجدانياته, وان يضعه امام حكمة الحياة بكل بهرجتها وامام حقيقة الموت العملاقة بكل شراستها. الفيلم كذلك يلمس ذلك الوتر المشدود برهافة ورقة الورد, وحدة ألم القلب,وتر العاطفة الضاربة عرض الحائط بكل الاعتبارات, والمجدفة لوحدها صوب فضاءات الحرية والدهشة والانعتاق, وهذا ما يعجز الناس جميعا في ايامنا هذه عن مجرد التفكير فيه, ناهيك عن معايشته, الفيلم يقدم صورة للحياة حينما يريد البعض ان يعيشها درجة اولى ليتمتع بها بالبصق على اولئك الذين حشرتهم الحياة في الدرجة الثالثة, فاذا بالفيلم يصب الجليد والعفن على الطبقة الاولى, ليجعل الثالثة تزهر بالحياة وتطفح بالبشر الذين تتفجر دماء الحياة في عروقهم, ثم وفجأة يجعلهم اول المذبوحين دفاعا عن اسياد الثلج والارستقراطية. لذلك كله وغيره عشق الناس (تايتينك) وخرجوا نادمين جدا على الـ25 درهما ثمن تذكرة (رسالة الى الوالي) .

Email