مستقبل الإعلام السياسي من خلال (إنترنت) في المنطقة العربية 2 -2 : بقلم- د. مصطفى المصمودي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد تكرس مصطلح الاعلام منذ ان اعلنت الادارة الامريكية في سنة 1993 عن خطتها الانمائية الجديدة تحت عنوان الطريق السريعة الكبرى للاعلام . ومنذ الاعلان الامريكي تواصل الدول الصناعية الكبرى مشاوراتها للاتفاق على ارضية مشتركة من اجل المساهمة في ارساء هذالمجتمع الذي سيغمر كافة انحاء العالم دون استثناء. ويعتمد مشروع الطريق السريعة للاعلام على الشبكات التفاعلية ذات الدفق العالمي والنطاق الواسع كما انه يأتي نتيجة التقاء المعلوماتية والهاتف والتلفزيون ومزج الصور المتحركة مع الصوت والنص المكتب والمنتظر ان تمر هذه الطريق بكل بيت عبر جهاز الحاسوب وشاشة التلفزيون. وبذلك سيتيسر تبادل المعلومات في اي مكان وبمختلف الاشكال واتمام المعاملات مهما بعدت المسافات ومثل هذه الوسائط الاعلامية هي التي ستساعد على انجاز الكثير من الخدمات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما سيصبح بالامكان توظيف هذه التجهيزات في مجالات السياسة والدبلوماسية والامن الوطني والدفاع. أ ــ الديمقراطية في نمط جديد؟ بناء على مبادرة امريكية, استضافت اللجنة الاوروبية ببروكسل في شهر فبراير 1995 مؤتمراً للبلدان السبعة الأكثر تصنيعا للتباحث في تجسيم ملامح المجتمع الاعلامي وقد صدر عقب هذا الاجتماع بيان جاء فيه: ان الانتقال نحو هذا المجتمع الجديد في كنف المرونة والنجاعة يمثل احد الاجراءات الكبرى التي يتعين مباشرتها في العشرية الاخيرة من القرن العشرين. وقد التزم المؤتمرون بدور طلائعي في هذا التوجه مع إشراك كافة البلدان النامية حتى يشمل التطور كل الشرائح الاجتماعية وكل المجتمعات كما صادق المشاركون على مجموعة من المبادىء الاساسية وعدد هام من المشاريع النموذجية ومنها تكثيف الاعلام السياسي والاجتماعي لتيسير التعامل بين المواطن والمؤسسات المسؤولية بمختلف اشكالها وانواعها. وسيجد رجل السياسة في هذه الوسائل, طريقا جديدة لادراك مشاغل المجتمع بالتعاون مع الجماهير والاستجابة الى مطامحها المشروعة وبذلك يكتسب الرأي العام مزيدا من الوعي من خلال التعرف على الشؤون العامة والاسهام في اتخاذ القرار على المستويين المركزي والمحلي, وقد بدأت تتجلى مظاهر الاستعمال لهذه الوسائل في بعض المجتمعات. ويرى الاخصائيون من اهل الذكر ان ممارسة الحياة الديمقراطية ستتأثر الى حد كبير بتطور تقنيات الاعلام ان ستكون الديمقراطية المباشرة لاول مرة في التاريخ قابلة تقنيا للتحقيق. وهو ما سيتيح المشاركة اليومية في الحياة السياسية والتصويت الالكتروني وتجاوز تأثير مجموعات الضغط بتوفير المعلومات المطلوبة بسرعة. غير ان هذا الرأي يقابله رأي آخر يخشى خلفيات تطور هذا التوجه الذي لا يزال في بدايته ويرى فيه خطرا مهددا للديمقراطية الحقيقة, اذ من شأنه تمكين العابثين من تضليل الناخبين في الوقت الحاسم من خلال سيناريوهات خاطفة ووهمية ومما لاشك فيه ان انترنت وغيرها من الشبكات العريضة للاتصال ماهي الا تقانة في خدمة من يقبل عليها ويوظفها لما يشاء وتبقى الكلمة الاخيرة للعقل البشري الذي نراهن عليه حتى يكون العلم دوما في خدمة الانسانية جمعاء. ب ــ على المستوى الدولي لقد أظهرت التجارب في الولايات المتحدة الامريكية وفي اوروبا امكانيات الاستخدام الكثيرة لشبكات الارسال من طرف رجال السياسة والسلك الدبلوماسي والاحزاب ففي الولايات المتحدة الامريكية تستخدم الاوساط الرسمية في البيت الابيض وفي الكونجرس, وفي مختلف الولايات, ووكالات الحكومة الفيدرالية, استخداما واسعا لشبكات الاتصال والمعلومات وتتعامل من خلالها مع عدد هام من الاطراف. وقد اصبح الرئىس الامريكي يعتمد شبكة انترنت لتوجيه العديد من خطاباته الى الجمهور وأولى اعضاء الكونجرس اهتماما متزايدا بالشبكات الالكترونية للتعريف ببرامجهم ومواقفهم من مختلف القضايا, كما استخدموا انترنت لتحسين علاقاتهم العامة وتلميع صورهم عند الناخبين. وقد انشأ بعضهم شبكات لمساعدة الجمهور على المشاركة في مناقشة مشاريع القوانين مثل اعداد الميزانية الفيدرالية وتنقيح قانون اصلاح الاتصالات. وفي نوفمبر 1994, اعلن زعيم المعارضة لحزب الجمهوريين في الكونجرس ان كل مشاريع القوانين ستكون متوفرة على شبكة انترنت. وتكثف استعمال هذه التقنيات في الحملة الانتخابية الرئاسية بالولايات المتحدة سنة 1996 بحيث اعتمد كل من المرشحين على مختلف انظمة المولتيميديا لتمرير رسائلهم الاعلامية وتعميق الوعي بها الى اعمق الحدود. كما ان شبكة انترنت تغطي اليوم بصور مختلفة ما يجد على الساحة العالمية من احداث وتطورات. وفي هذا المحيط الجديد من الشبكات الالكترونية اصبح بامكان الناخبين والمرشحين ان يتعارفوا بمزيد من الدقة والوضوح دون حاجة الى اللقاءات او الاجتماعات. اما وسائل الاعلام الامريكية, فإنها وجدت في انترنت مصدرا ثريا من الاخبار الرسمية كالمؤتمرات الصحافية اليومية في البيت الابيض, ووزارة الخارجية والوثائق الصادرة عن الوزارات الفيدرالية الاخرى والقرارات الصادرة عن المحكمة العليا الامريكية, والاحصاءات حول التعليم والصحة وغير ذلك من مشاغل الحياة. وتسعى الصحف الامريكية منذ فترة الى الارتباط بالشبكات الالكترونية, فأصبحت الصحف والمجلات ذات الانتشار الواسع (مثل نيوزويك, وتايم ويواس نيوز اند وورلد ريبورت) تقدم الى مستخدمي تلك الشبكات, نشرات الكترونية من كل طبعتها, وقد لاقت هذه الطريقة تجاوبا مع الجمهور مما دى الى السؤال بجدية لمعرفة هل ان وسائل الاعلام الالكترونية ستحل محل الصحافة المكتوبة ووكالات الانباء وتقضي عليها الى الابد. اما في روسيا فقد بدأت الاستعمالات السياسية لشبكة انترنت خلال سنة 1991 اثناء المحاولة الانقلابية لنظام جورباتشوف عندما انفردت احدى شركات المعلوماتية الصغرى بتوزيع الانباء الداخلية بعد فرض الرقابة على مختلف وسائل الاعلام, وقد تفطنت السلطات فيما بعد الى هذه الظاهرة فأقرت نظاما يضبط شروط النفاذ الى شبكات الارسال. وفي فرنسا دعا سنة 1995 وزير الخارجية هيرفيه دوشاريت كل الدبلوماسيين لاستعمال مختلف وسائل الاتصال بما في ذلك شبكة انترنت قصد مجابهة الحملات التي وجهت ضد بلاده بعد اعلانها عن استئناف التجارب النووية والاستعانة بهذه الشبكات اولا كجهاز ربط بمركز المعلومات بوزارة الخارجية للاستفسار عن كل ما يستجد حول الموضوع, وثانيا كمحطة ارسال وتبليغ ذاكرا ان الوظيفة الرئيسية للدبلوماسية في هذا العصر هي التعبير المحكم والتبليغ والالمام بكيفية اتعمال الحاسوب ومختلف التقنيات الحديثة للاتصال. وبصورة عامة فقد اصبحت شبكات الاعلام العالمية تمثل قوة سياسية اكبر من قوة الحكومات في عالم يشهد تغيرات جذرية في العلاقات الدولية مما ادى ببطرس غالي الامين العام لهيئة الامم المتحدة الى التصريح بأن عضوا جديدا اضيف الى الاعضاء الخمسة عشر في مجلس الامن الدولي وهو يقصد بذلك شبكة ال سي.ان.ان الشبكة الاخبارية التلفزيونية الامريكية الشهيرة. ويكفي مطالعة مانشرته مجلة ذي ايكونوميست البريطانية الصادرة خلال الاسبوع الثاني من شهر ديسمبر 1996 للتعرف على مدى تأثير شبكة انترنت في نشاط المنظمات الاممية مثل منظمة الامم المتحدة وانعكاساتها السلبية على من لم يكترث بها او لايجيد التعامل معها. ج ـ في المستوى العربي والوطني ان الوعي بهذه الاستعمالات لوسائل الاتصال في المنطقة العربية اصبح حاضرا في الاذهان لدى الكثير من اصحاب القرار, باعتبار ان الثورة الاتصالية والاعلامية التي نعيشها اليوم تستدعي احكام التعاون والتنسيق بين اجهزة الدولة والتشكيلات الحزبية ووسائل الاتصال والاعلام باعتبارها مجالات متكاملة للابلاغ والمشاركة في الندوات والملتقيات التي تضم اهل الفكر والرأي, والتعريف بالمنجزات في كافة الميادين والتحرك الفاعل عبر مختلف الشبكات والمستويات. وقد اقترن القول بالفعل فتلاحقت في بعض البلدان العربية الاستشارات والندوات لاستشراف المستقبل وتشخيص الاليات الممكنة لمسايرة روح العصر, وفتح اسواق ثقافية جديدة للابداعات, ونسج علاقات متميزة مع البلدان الشقيقة والصديقة, من اجل تكريس الحضور العربي في التظاهرات الثقافية العالمية المختلفة والتعريف بالنتاج الثقافي وتوطيد عرى التبادل والتعاون في هذا المجال, ومد جسور الحوار الحضاري مع الشعوب الصديقة. وقد اقتحم الاعلام السياسي العربي شبكة انترنت باقتدار في كثير من المجالات, ومن طرف بعض البلدان وقد ساعد ذلك على تجاوز الاشكالات التقنية والطاقة المتاحة على موجات الاثير حيث اصبحت اصوات اذاعية من تونس وابوظبي وغيرها تسمع في اليابان وفي استراليا بعدا ن كان يعسر سماعها في مناطق اقرب من هذه القارات. ومن جهة اخرى فان امتداد الطرق السريعة للاعلام عبر الحدود البلدية سوف يكون له اثر كبير على تطوير الاعلام المحلي. ذلك ان وسائل الاتصال الحديثة من شأنها ان تساعد من خلال البنى التحتية ومن خلال المضمون, على تجاوز الكثير من الاشكاليات التي يعاني منها المواطن في المدن الكبرى او في المجموعات الصغيرة. فانشاء شبكات الاتصال من شأنه ان يكثف العلاقات التفاعلية بين المشتركين وان يوسع في النشاط المهني عن بعد, فتنجم عن ذلك فوائد كثيرة في مستوى التصرف وتسيير الادارة البلدية,وحل الاشكاليات الظرفية او حتى الراسخة, والاستجابة السريعة لطلبات المواطن,وتسديد الخدمات البلدية المتنوعة, واحكام تنظيم حركة المرور والتخفيف منها في اوقات الذروة, ومعالجة قضايا التلوث, وتسهيل عملية جمع الاداءات البلدية وصرف الموارد المالية وغير ذلك من الخدمات. كما ان جهاز المولتيميديا الذي يشمل مختلف الوسائط الاعلامية سيساعد المتساكنين من خلال الشاشة ومركباتها المختلفة على المساهمة في الحياة السياسية داخل الحدود البلدية ويعطيها بعدا اضافيا لم تعرفه من قبل. لقد كتبت الكثير عن مظاهر تطور الحياة السياسية في المستقبل ومدى ارتباطها الاساسي بالنطاق البلدي والمحلي. وسيكون هذا الجهاز هو أداة الوصل بين المتساكن والهيئات الاستشارية المحلية (فهو العضو الاضافي المجلس البلدي) المعتمد لدى كل عائلة والمفوض له في استطلاع رأي افرادها وتشريكهم في اتخاذ القرارات والاجراءات البلدية المتصلة بحياتهم اليومية, وهو شكل من اشكال المساهمة الذي يثير اهتمام المواطن اكثر من غيره ويشركه في تصريف الامور العامة والحياة الاجتماعية. وبصورة عامة فان التفتح على وسائل الاتصال الحديثة وخاصة منها التلفزيون الفضائي وفر للانسان في بلدان الجنوب علما ثريا ساعده على اكتساب المزيد من القدرة على التحليل والنقد العلمي, ومكن المواطن من المساهمة بصفة افضل في الحياة الاجتماعية ومن تطوير سلوكه بطريقة ارادية للتجاوب مع الاختيارات الوطنية المعاصرة. والمؤمل ان تتوفر للمواطن العربي, من خلال الاجهزة التفاعلية المقبلة, وسائل اضافية للتعبير عن الرأي وللاندماج بصورة افضل في التماشي الهادف الى النمو والرقي. 3 ــ دور القطاع العمومي في مجالات الاعلام ان الاعلام السياسي سوف يتأثر في المنطقة العربية الى حد كبير بما يجري على الساحة الاعلامية في مجالات الاعلام والاتصال والمعلومات. وسوف يعترف من لم يقتنع الى اليوم, بالواقع الجديد الذي سيفرزه مجتمع الاعلام بما فيه من اعتبارات واختيارات مخالفة لما سرنا عليه حتى اليوم, كما ان الخطاب السياسي سيتأثر الى حد بعيد بما ستفرضه عليه الوسائط الاعلامية الحديثة من انماط ومناهج للتعبير. ذلك ان هذه الوسائل والآليات الجديدة تستجيب الى حاجات التنظيمات الشعبية العريقة التي حققت نجاحها بالاعتماد اساسا على الاتصال المباشر لما يتميز به هذا الاتصال من فعالية ومقدرة على التأثير. الا ان ارتفاع حشود الجماهير الشعبية وتشعب القضايا الاجتماعية وارتفاع ضغوطات العمل وضيق اوقات النشاط الاجتماعي وغير ذلك من المبررات الموضوعية اصبح يدعو مختلف هذه التنظيمات الى البحث عن وسائط اعلامية جديدة, لها طابع تفاعلي اكثر جدوى من وسائل الاعلام المعروفة, ويسمح لها بتكثيف الاتصال في مستوى القاعدة, وبين الهياكل القاعدية والهياكل المركزية وبتوسيع رقعة اشعاعها في مختلف انحاء البلاد, ويساعدها على تطوير خطابها السياسي وجعله ملائما اكثر فأكثر لمقتضيات العصر. ثم انه يتعين علينا توخي الوعي والحذر في التعامل مع تقنيات الاتصال. ذلك ان فعالية هذه الوسائل وافادتها لمجتمعنا او اضرارها به سوف تتوقف حتما على الطريق التي سنستعملها بها. ولنا في التجارب الحديثة التي انتجتها البلدان المصنعة من حيث الوسائل والمضون عينات من النماذج التي يمكن انتقاؤها حسب خصوصيات كل مجتمع, فقد يتلاءم بعضها اكثر من غيره مع حاجاتنا وفي الوقت ذاته فانه ينبغي مخاطبة الرأي العالمي بالمنطق الذي يفهمه اكثر من غيره كما يتعين تسخير مخابر الدراسات الاستراتيجية ومصادر التمويل لتحسين الصورة العربية وتمرير الرسالة المدعمة لقيمنا واختياراتنا من خلال المسالك والقنوات النافذة في مختلف اشكالها والاعتماد في ذلك على القطاعين الخاص والعام حسب الظروف والاعتبارات فلكل مميزاته وخصائصه. ولا يذهب بنا الضن ان عهد القطاع العام قد ولى وانقضى بانتهاء مرحلة الاحتكار العمومي فقد اكدت اللجنة الدولية التي كلفتها منظمتي الامم المتحدة واليونسكو بدراسة قضايا الثقافة والتنمية برئاسة بيرير دوكويلار ان لوسائل الاعلام العمومية دورا حسما ينتظرها بعد اقبالها على مناهج جديدة متطورة مبنية على التعددية وتفسح المجال للمشاركة الجماعية وتستند على الضوابط الاخلاقية اللازمة. وانه من حق كل التنظيمات السياسية ان تقدم في نهاية هذا القرن على تقييم ما ساهمت به او ما لم تقدر على تحقيقه. ومن حقها ان تحصى مكاسبها او تعدد العراقيل التي اعترضت سبيلها وحالت دون نجاح مساعيها. لكنه من واجبها وهي تخطط للمستقبل ان تضبط برامجها دون ارتجال وان تستمد اختياراتها ما أكدت صحته التجارب والعلوم في داخل المنطقة العربية وفي خارجها, وأن تستند في عملها على الآليات والتقنيات التي فرزها هذا العصر الذي يتميز بالتحولات العميقة المتسارعة وبتغير الخارطة السياسية الدولية وبالتفتح على الخارج وبتنوع مصادر الخبر وبالاثراء المتزايدة للمادة الاعلامية التي يتفاعل معها الرأي العام وهو ما يطرح امام المجتمعات العربية تحديات اكبر ورهانات لم نعرفها من قبل. كما أن الاعتراف بالعولمة الكونية للاقتصاد لا ينبغي ان يفضي الى النيل من هويتنا الثقافية او من مقومات سياستنا الوطنية, فذلك هو المرجع الأساسي في توثيق الصلة مع الاطراف الصديقة والمجاورة وخاصة مع الطرف الاوروبي المتاخم للمنطقة العربية. وفي هذا الإطار تتضح ايضا حتمية التركيز على الطابع الشمولي لحقوق الانسان ومقاومة التطرف والإرهاب والتمييز العرقي والعنصري. كما أن مستقبل اي تحرك سياسي يبقى مرتبطا بمدى قدرته على استقطاب الشباب الضامن لديمومته وإشعاعه المتوصل. وذلك ما يبرر ضرورة السعي لتشريك الجيل الناشىء بمختلف فئاته وشرائحه في العمل القيادي بانتقاء الكفاءات والمساهمة في تكوينها الفكري وفي تدريبها على العمل السياسي بالحوار والمبادرة. ثم إن البناء السياسي يقتضي نشر الثقافة السياسية على أوسع نطاق باعتبار أن الدراسات والندوات الفكرية والحلقات التدريسية هي اليوم ركن من الأركان اللازمة في التنظيمات الحديثة. وذلك ما يستوجب تعميم التثقيف السياسي وتطوير مناهجه وآلياته بما يساعد على المزيد من استقطاب النخب والتفاعل معها وذلك بتوفير المناخ المشجع على حرية التعبير والمبادرة والنقد الموضوعي, وضمان التجانس بين مضمون الخطاب السياسي والممارسة الفعلية على الساحة وتنويع الفضاءات الفكرية والثقافية. وهذا الخطاب الذي تحتمه تحديات العصر لا يمكن تجسيمه من دون إعلام متطور وفضاء اتصالي ملائم لطرح امهات القضايا وبلورة الاختيارات المشتركة والتعبير عن مشاغل المواطنين وطموحاتهم في كنف الشفافية والمصداقية. ومن هذا المنطلق, فإن من واجبنا اعلام الجمهور بما حققناه من نجاحات ومكاسب وكذلك بما يعترضنا من صعوبات أو ما نمنى به من اخفاقات فالافضل لنا أن نخبر عن أنفسنا بوسائلنا ونتفادى آثار ما ينقله الغير عنا بكثير من الخلط والسطحية والتشويه. فالطريق السريعة للإعلام تمر عبر حدودنا والمعلومات تتدفق من حولنا والمستقبل لمن تطلع الى العلم وعرف كيف يوظفه لصالح مجتمعه ويدعم به أمنه ومناعته.

Email