مشروع مؤسسة الزكاة لاغاثة اللاجئين: بقلم - توجان فيصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

تداولت وسائل الاعلام مؤخرا انباء اجتماعات تتم برعاية المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين يجري فيها البحث في اقتراح تقدم به الامير حسن ولي عهد الاردن لانشاء صندوق أو مؤسسة للزكاة تقدم المعونة للاجئين باشراف المفوضية, وهذا في رأينا أمر خطير جدا وينبغي التوقف عنده والتعمق في دلالاته ونتائجه إلى ما هو أبعد من ظاهرة المزدان بكل الاقوال والفتاوى الجميلة والانسانية عن الاهداف النبيلة للزكاة وعن التكافل الانساني ورفع الظلم عن .. الخ. بداية لابد من التنويه إلى ان للاردن مصلحة واضحة في توفير اي مصدر مالي لاغاثة اللاجئين كونه احد الدول الرئيسية المضيفة لاعداد كبيرة من هؤلاء اللاجئين, وقد تلقى الاردن معونات مالية كبيرة على امتداد سنوات قيامه كدولة بعضها مباشرة من المفوضية أو من دول غربية أو عربية تحت بند مساعدته على استضافة هؤلاء اللاجئين وبعضها غير مباشر وتحت بنود اخرى ولكنه للغرض ذاته وضمن مستلزمات احتواء الآثار السياسية لهذا اللجوء. الا ان الاحداث السياسية الاخيرة وفي مقدمتها حرب الخليج الثانية والازمة الاخيرة التي كانت تؤدي إلى حرب ثالثة ومسيرة السلام واتفاقياته والاحلاف العسكرية الجديدة في المنطقة, وموقف الاردن من كل هذا, احدث وقفة اعادة تقييم للدور الاردني مما ادى إلى وقف هذه المساعدات عربيا ودوليا أو اختصارها إلى النذر اليسير الذي يأتي موسميا ومرتبطا بمشاريع محددة تثير الريبة لدى العرب وتوقف بالتالي الدعم العربي بأكثر مما توفره تلك المشاريع, ومنها ما سمي بمشروع حزمة الامان الاجتماعي الذي موله البنك الدولي مؤخرا والمتعلق بأوضاع اللاجئين ومخيماتهم بالذات. وفي ظل هذا الوضع أتت تهديدات أمريكا بحرب اخرى تشنها على العراق, وكان على الاردن ان يقبل افواجا اخرى من اللاجئين من شرقه هذه المرة, وكلنا نعرف انه لم يكن بامكان الاردن لاكثر من سبب لا مجال لبحثه هنا, ان يرفض هذا الدور دون ان يخل بمعادلة علاقته بأمريكا بالذات. ولم يرافق هذا الدور المطلوب اية معونات, بل ان كافة الادوار الاخيرة التي قبل بها الاردن بدءا بمدريد ووادي عربة أدت إلى عكس ما توقعته الحكومة الاردنية وروجت به للمعاهدة من فيض المعونات والقروض المسهلة والاستثمار, ومن هنا فان اول تخوفات الامير حسن من ضرب العراق جاءت في احتجاجه على عدم قدرة الاردن على استيعاب الاثار الاقتصادية لوجود هؤلاء اللاجئين الجدد على ارضه, ولم تلق احتجاجاته اي سمع لدى الجهات التي انتوت ضرب العراق وتهجير اهله, فكان التوجه الجديد نحو العالم العربي والاسلامي, وبالذات نحو دول النفط, لتولي امر التبعات المالية للاجئين ودفع التعويضات للدول المضيفة تحت بند الزكاة ومرافق صرفها. ولكن هل يجوز فعلا ان نقبل تحويل العبء من المكلفين به اساسا إلى ذات الامة التي يهجر ابناؤها ويشردون وهي الامة العربية والاسلامية؟ إن مثل هذا التجيير للمسؤولية من الجاني إلى الضحية ذو ابعاد ونتائج خطيرة اهمها: أولا: قبول العرب والمسلمين المساهمة في موازنة الامم المتحدة, دون ان يستتبع هذا زيادة في نفوذهم في تلك المؤسسة, بل على العكس من هذا, فان تلك المساعدة لا تحسب تبرعا للمنظمة الدولية بل يقال بأنها تذهب من جيوب المسلمين لمعونة مسلمين اخرين, باعتبار ان غالبية اللاجئين في العالم مسلمون, وهذا يأتي في حين تتملص الولايات المتحدة من دفع التزاماتها التي عن طريقها اكتسبت هذا النفوذ الاستثنائي في المنظمة الدولية, بل انها تتملص من تلك الالتزامات في الوقت الذي اصبحت المسيطر الوحيد على المنظمة الدولية وباعترافها في التقارير الاستراتيجية التي توجه أو تقيم سياساتها الخارجية. ثانيا: انشاء مثل تلك المؤسسة القائمة على الزكاة لاغاثة اللاجئين يساعد المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين على مزيد من التملص من اعبائها التي يفرضها عليها القانون الدولي, وهذا التملص بدأ منذ سنوات وبدأ بالذات بتقليص المعونات والخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين. ثالثا: انشاء مثل هذه المؤسسة أو الصندوق لا يزيد عن كونه تمويلا لسلسلة من اعمال العدوان العسكرية المباشرة وغير المباشرة, والتي تقوم بها دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة على دول عربية واسلامية, فكلفة هذا العدوان يشمل كلفة اللجوء البشري الناتج عنه, وحتى الآن كان المال العربي والاسلامي يسخر بطريقة مباشرة كما في دفع العرب المسلمين تكاليف حرب الخليج الثانية أو اجبار العراق على دفع اجزاء كبيرة منها من كلفة التفتيش والحصار من قوت اطفاله ودوائهم, أو بطريقة غير مباشرة عن طريق رهن الثروات والارصدة العربية الاسلامية لصالح امريكا والغرب ضمن مخططات سياسية وعسكرية, مما يتيح للبنتاجون مثلا توفير موازنة معلنة بمليار دولار لتمويل الحروب الاهلية في افغانستان, والتي نجم عنها تشريد مئات الالوف من اللاجئين المسلمين, ونجم عنها نقل الارهاب الذي تم التدريب عليه في معسكرات يمولها البنتاجون إلى دول اخرى عربية واسلامية في مقدمتها الجزائر ومصر والسودان والباكستان, وتكاد لا تخلو دولة عربية أو اسلامية من فلول هؤلاء الارهابيين المدربين في معسكرات البنتاجون وال سي آي أي. رابعا: قبول المسؤولية الاسلامية عن اللاجئين هو اعفاء للمسؤولية السياسية للمتسببين في اللجوء, وبهذا فهو خرق للقانون الدولي من جهة وتواطوء على تمييع اهم قضية تواجه العرب بالذات وهي قضية حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين والتي تنعكس اثارها على كامل الصراع العربي ــ الاسرائيلي ونتائجه, وفي مقدمتها قيام الدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على ارضه وبمقدراته الحالية والمتراكمة كمستحقات له على الصهيونية العالمية وعلى اسرائيل وعلى الدول التي ساعدت على تهجيره وقيام اسرائيل, وهذا ينعكس تلقائيا على حجم ومساحة و نفوذ اسرائيل الجغرافي والسياسي والديموغرافي والاقتصادي والعسكري في المنطقة العربية, وبأكثر من طريقة لا مجال لبحثها هنا. ولابد ان ننوه ان قبول العرب والمسلمين دفع كلفة اللاجئين من بين جلدتهم يتزامن للاسف وللعجب, مع ارتفاع وتيرة ومساحة المطالبة الصهيونية لدول العالم اجمع ببدل تهجيرهم وقتلهم, وبالذات لسويسرا التي جاءها الدور الان بعد ان اغتنت من سياساتها المصرفية, هل نسمح لذات الشيء الذي يحدث لسويسرا وارصدتها وثرواتها الان ان يحدث للثروات العربية, مع فارق يثير الذهول, وهو ان العرب والمسلمين هم الضحايا وليسوا المذنبين في قضايا التهجير ومصادرة اراض وممتلكات واموال هؤلاء المهجرين واللاجئين!! ام هل بلغ الامر ان تحصد اسرائيل وامريكا اموال كافة الدول الغنية سواء المذنبة منها بادعائها وادعاء الشرعية الدولية أو الضحية باعتراف ذات الشرعية, لمجرد ان هذا الغني اثار الطمع الصهيوني؟ ان مساعدة العربي للعربي المهجر أو المسلم للمسلم المهجر لا تتأتى بتبرئة ذمة الجلاد والمتسبب في التهجير, ولا يتأتى حل مشكلة اللاجئين عن طريق تسهيل تهجير المزيد منهم مستقبلا بتوفير المؤسسات والارصدة الاسلامية التي تتحمل عبء هذا التهجير بدلا من المؤسسة الدولية, بل ان مجرد وضع قرش واحد عربي مسلم تحت تصرف المصرفية زيادة عما يضطر العرب والمسلمون لدفعه كأعضاء في المنظمة الدولية هو بحد ذاته جريمة ترتكب بحق العرب والمسلمين, الضحايا الرئيسيون لسياسات تلك المنظمة وتبعيتها للولايات المتحدة ولشرعيتها المزعومة التي غدت سيفا سلطا على العرب والمسلمين وحدهم, ان استعمال الزكاة في الاسلام هي اولا في (سبيل الله) اي في الجهاد, قبل ان تكون (لابن السبيل) ثم ان اللاجىء ليس ابن السبيل وليس عابرا بتلك الارض قد ضل سبيله, والزكاة (للفقراء والمساكين) بمعنى توفير الحياة الكريمة عن طريق المشاريع التشغيلية والمشاريع التنموية في العالم الاسلامي, وهل نسي المسلمون ان الرسول صلى الله عليه وسلم اعطى فقيرا اتاه متسولا فأسا ليحتطب بها ولم يعطه مالا أو طعاما, اليس هذا ايضا ما تقول به النظريات الحديثة لمعالجة الفقر. اذا كانت معاناة اللاجئين شأنا انسانيا يريد المسلمون الاتقياء دفع زكاتهم لتخفيفه, فأمامهم صناديق التنمية العربية والاسلامية اما اذا كانت معاناة اللاجئين شأنا سياسيا أولا, وهي كذلك بالفعل, فأمام المسلمين الاتقياء والواعين فرص توجيه مال الزكاة هذا لسد باب الخطر السياسي الذي منه يأتي كل هذا التهجير والقتل والتنكيل بالمسلمين بشكل متصاعد ومتزايد, وكلنا يعرف اية دول وراء هذا وأية اطماع ويعرف المؤسسات والهيئات الدولية وغير الدولية, التي تسخر جميعها لخدمة هذه الدول دون غيرها. اذا كان مشروع مؤسسة الزكاة التي تستتبع المفوضية الدولية للاجئين مشروعا اردنيا, فهذا رأى اردني آخر ــ لم يفسح له المجال في رحاب تلك المفوضية ــ يقول بأن الاردنيين لا يقبلون أن يصب المال العربي المسلم في صناديق تلك المفوضية ليصطف ابناء بلدنا من اللاجئين متسولين على ابوابها, ومتسولين لمالهم هذه المرة, واذا كان المشروع عربيا واسلاميا فاعتقادي ان العالم العربي والاسلامي آن له ان يخرج عن وصاية المؤسسات الدولية وان يتوقف عن ضخ امواله لديها لتعيد الصرف عليه وكأنه يتيم قاصر, والاهم من هذا لانه اكد للعالم العربي والاسلامي انه يميز بين دموع العينين وفعل اليدين, اي بين الدعاوى الانسانية والحقائق السياسية والعسكرية على الارض.

Email