إسرائيل المستفيد الأكبر من الضربة الأمريكية للعراق: بقلم- فاطمة شعبان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستثمر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو كل فرصة ممكنة لتعطيل عملية السلام, واذا لم توجد هذه الفرصة, فهو يعمل على خلقها بادعاءات كاذبة , وخاصة تجاه الطرف الفلسطيني, وهو يجد في الازمة الامريكية ــ العراقية الفرصة المناسبة للتوغل في سياساته التعطيلية لعملية السلام, بتعزيز الاستيطان, وفرض شروط اضافية على الفلسطينيين وكسب الوقت من اجل فرض وقائع جديدة, تعمل على الغاء العملية من اساسها. ففي الوقت الذي لا يحتاج نتانياهو لاية اسباب جديدة لتعطيل عملية السلام, وهذا ما اثبتته المفاوضات الاسرائىلية ــ الفلسطينية الاخيرة في واشنطن, وكذلك المفاوضات التي سبقتها بين الرئيس الامريكي وكل من نتانياهو وياسر عرفات لذلك فان عملية السلام معطلة بصرف النظر عن الازمة الامريكية ــ العراقية. ولكن اذا كان هناك اسباب اضافية للتعطيل فان ذلك يكون افضل لسياسات نتانياهو. لذلك, اعاد نتانياهو في ظل الازمة القائمة التأكيد على مواقفه المعارضة لعملية السلام وعدم ثقته باتفاقات السلام مع العرب, واكد موقفه من ان اسرائىل تفضل الاعتماد على قدراتها الرادعة بدلا من الاتكال على معاهدات سلام مع جيرانها التي يصفها نتانياهو بانها (ديكتاتوريات) وقد استغل نتانياهو الفرصة ليعيد التأكيد على معارضته أن تفرض الولايات المتحدة حلا للأزمة العربية ــ الاسرائىلية معتبرا ان ذلك (لم يعد ينفع) الان. وقال ان (مفتاح السلام في المنطقة هو الامن, واتفاقات السلام منشودة ومهمة في حد ذاتها, الا انها لا توفر السلام (وهو بذلك يعيد انتاج ما كتبه في كتابه (مكان تحت الشمس) ويقول (عندما نكون محاطين بجوار ديكتاتوري فإن الضمان الوحيد أو بالاحرى الاساسي للسلام هو الردع, وهو ما نسميه الامن) . ومن هنا يعيد التأكيد على أهمية امن اسرائىل بصفتها (الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في منطقة شاسعة جدا) , وهو ما يعتبره حجة قوية بان اسرائيل (تل تقدم ابدا ومطلقا اي تنازل في شأن امنها لان ذلك يسير عكس السلام) وحتى تحافظ اسرائىل على أمنها يجب ان تحتفظ بــ (مناطق امنية) واسعة في الضفة الغربية وهي منطقة جبلية شبهها بــ (حصن واق) للدفاع عن الدولة العبرية ضد اي هجوم بري, وقال (من غير المعقول ان يحصل الفلسطينيون على 90 أو 95 أو 98 في المئة من مساحة يهودا والسامرة (الضفة الغربية) لانه اذا لم تكن لدينا مناطق أمنية مركزية على هذا الحصن الواقي فإننا لا نستطيع الدفاع عن البلاد) . ان استخلاص نتانياهو من الازمة الامريكية ــ العراقية, هو اعادة التأكيد على التعنت الاسرائىلي في عملية السلام, فللأرض اهمية استراتيجية لامن اسرائىل, ولان اسرائىل لا تستطيع ان تحيا بدون أمن, فإن اسرائيل تحتاج الى السلام مع الأمن, وبترجمة الأمن الى صيغة جغرافية, فان ذلك يعني السلام مع الاحتفاظ بالارض, فالارض بالنسبة لاسرائىل اهم من عملية السلام, وهو الدرس الجديد ــ القديم الذي يقدمه نتانياهو. ولا يترك نتانياهو فرصة لادانة الفلسطينيين واتهامهم بالسلوك (الارهابي) .. حيث ادان (تعبير الفلسطينيين عن تأييدهم للعراق) واتهمهم بــ (تمجيد الارهابيين الذي يفجرون الباصات ويغتالون النساء والاطفال) كما اتهمهم بــ (جلب الاسلحة عن طريق التهرب الى اراضيهم) . وقال (ان التأييد الفلسطيني للرئيس العراقي يهدد بتقويض عملية السلام المتعثرة) . ومن هنا. لا يستبعد ان تقوم اسرائىل باجراءات عقابية ضد الفلسطينيين في حالة اندلاع الحرب عقابا لهم على الموقف الذي يدعيه نتانياهو بتأييد العراق, مما يعني ان نتانياهو سيعمل على ان يدفع الفلسطينيون ثمن الازمة القائمة. ومن المؤكد ان اسرائىل كانت جزءاً من افتعال الازمة مع العراق باتهاماتها المتكررة للعراق بامتلاكه اسلحة الدمار الشامل, دون التقليل من المصالح الامريكية في ضرب العراق, ووقوفها جراء ذلك في مواجهة اكثرية دول العالم والمنطقة, ودور هذه الضربة في اعادة ترتيب اوضاع المنطقة. ولم يكن تصريح ريتشارد بتلر بان العراق يملك من الاسلحة ما يكفي لتدمير تل ابيب, بالتصريح البريء, فليس هناك اي مبرر لاختيار تل ابيب, فقد كان بتلر يستطيع ان يذكر اي مدينة عربية بصرف النظر عن صحة ما يقول عن هذه الامكانية العراقية, لكن هذا الاختيار لتل ابيب له مدلوله الذي لا يخفى على احد. لقد ولد هذا التصريح الذي ادلى به بتلر حالة من الذعر في اسرائيل, تمثلت في تدفق الآلاف لاستلام الاقنعة الواقعية من مراكز التسليم, والنقص في الاقنعة الواقية جعل اسرائىل تفتح جسرا جويا مع اوروبا وامريكا من اجل تلافي هذا النقص, في الوقت الذي تستعد اسرائىل للتعامل مع هذه الازمة من خلال حالة الاستنفار جراء توقع اسرائىل لتوجيه ضربات عراقية الى اسرائىل, رجحت التقديرات الاستخبارية الاسرائىلية قيام طيارين انتحاريين بغارات جوية على اسرائىل, مشيرة الى ان طائرة واحدة من نوع (سوخوي) او (ميراج ان 1) تستطيع ان تحمل كمية سلاح بيولوجي تساوي زنة ما يمكن لعشرة رؤوس حربية مركبة على صواريخ ان تحمله. ان هذه التوقعات الاسرائىلية, ورغم عدم واقعيتها, وتأكيد العراق عدم نيته بتوجيه ضربة الى اسرائيل, الا ان التأكيد الاسرائيلي يهدف الى الاحتفاظ بحق الرد على الهجمات العراقية, ولا يستبعد ان تكون الضربات الاسرائىلية ضربات وقائية, اي انها لا تحتاج الى ان يبدأ العراق الضربات, فهي تستطيع ان تدعي الضرب لمنع العراق من توجيه ضربات محتملة الى اسرائىل. وقد اكد اسحاق مردخاي وزير الدفاع الاسرائىل حق اسرائىل في الرد اذا تعرضت لهجوم وقال (علينا حماية البلد والدفاع عنها. واذا تعرضنا لهجوم فان الحكومة الاسرائىلية وحدها هي التي تقرر ما نفعل وكيف) كما قال بان اسرائىل (ستطلب من الولايات المتحدة ارجاء الهجوم على العراق اذا كانت الاستعدادات الاسرائىلية للرد على اية ضربة عراقية لم تكتمل بعد) وقد كان وزير الدفاع ويليام كوهين قد تراجع عن مناشدة اسرائيل (الاحجام عن الرد على أي هجوم عراقي) مؤكدا حق (اسرائىل في الدفاع عن نفسها) . ان اسرائىل التي تتوعد العراق بالرد على الهجمات العراقية المحتملة, كانت جزءاً من افتعال الازمة وانها الدولة الوحيدة صاحبة المصلحة الاكبر في ضرب العراق. ففي هذه الازمة وفي حال توجيه ضربة للعراق, لن تجد اسرائىل يدها مقيدة فالاسباب التي دعت الولايات المتحدة لدفع اسرائيل لعدم الرد على الهجمات العراقية في العام 1991 لم تعد قائمة. ففي ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تحتاج الى التأييد العربي لتوجيه الضربة الى العراق ولاضفاء المشروعية على سلوكها, ولان الاوضاع العربية اتجهت الى الاسوأ منذ ذلك الوقت, فان الولايات المتحدة تجد نفسها متحررة من الموافقة العربية على ضرب العراق, لانها تحاول ان تظهر نفسها بمثابة المنفذ لقرارات الامم المتحدة وان كان ذلك بأداة امريكية. وبالتالي تجد اسرائيل نفسها متحررة من الضغوط الامريكية التي مورست عليها في العام 1991 من اجل عدم الرد. ان المشاركة شبه المؤكدة لاسرائىل في حال توجيه الضربة العسكرية الامريكية للعراق, لا تتعلق بالرد على هجمات العام 1991 فحسب, بل ستعمل من خلال هذه المشاركة على تأكيد اهميتها الاستراتيجية ودورها الاقليمي في المنطقة بعد التقديرات الكثيرة التي انطلقت من تراجع دورها في المنطقة بعد تلقي ضربات العام 1991 دون ان يملكوا حق الرد. وما اعتبر تراجعا في قوة الردع الاسرائيلية في ذلك الوقت ستسعى اسرائىل لتعديله, من هنا ستسعى لأن تكون ضربات مؤثرة, وليست تفصيلا يضاف الى قوة النار الامريكية, وفي فرصة نتانياهو ليثبت فعالية الذراع الرادعة الاسرائىلية القوية والطويلة. وتجد هذه الفرصة الاسرائىلية المناخ المناسب في ظل حالة الشلل والضعف العربي, مما يؤكد تفوق اسرائىل, ويعيد لها هيبة الردع الذي يتحين نتانياهو الفرصة لاثباتها. ولان اسرائىل تجد الشروط المناسبة لها في حال وقوع الضربة العسكرية, فانها تعمل كل ما في وسعها للتحريض على ضرب العراق. فهذه الضربة من الزاوية الاسرائىلية تقوم على خدمة هدفين هما جوهر سياسة نتانياهو, الاول اعادة الاعتبار لقوة الردع الاسرائىلية وتأكيد تفوقها النوعي على دول المنطقة, والثاني ان التداعيات التي تفرزها الضربة تجعل امكانية الخلاص من الاتفاقيات مع الفلسطينيين قائمة, وفي أسوأ الحالات سيعمل على اشغال الولايات المتحدة في قضية اخرى في المنطقة, مما يعلق المطالب الامريكية تجاه اسرائيل من اجل تحريك عملية السلام. اذا كانت الولايات المتحدة هي المستفيد الاول من ضرب العراق على المستوى الدولي, فان اسرائيل هي المستفيد الاول والوحيد على مستوى المنطقة, لذلك ستعمل كل جهدها من اجل وقوع هذه الضربة. كاتبة فلسطينية*

Email