قضايا العرب الوهمية من فلسطين الى الوحدة العربية: بقلم - عادل لطيفي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما مر العالم العربي بفترة سياسية حرجة كلما تجددت انشغالات رجل الشارع العربي بقضايا اعتبرها مصيرية في وجوده وهي بحكم طابعها المصيري هذا مفتاح اي تقدم للشعوب العربية فتلاحق أحداث الصراع وزيادة المعاداة للسياسة الامريكية بالاضافة في الخليج من حين لآخر وما افرزه من التسوية السلمية مع الكيان الاسرائىلي الذي اكد التعاطف اللامحدود بين هذا الكيان وواشنطن, حركت اقلاما عديدة صبت اغلبها في التأكيد على الوحدة العربية وعلى كون القضية الفلسطينية هي قضية العرب المحورية فالمسألتان مثلتا الهاجس الاكبر للفكر السياسي العربي لعقود مما ادى الى تهميش اشكاليات ا كثر حيوية واكثر عمقا كما كان التعامل معها كان يتم بمنطلق دوافع عاطفية وجدانية اكثر من انطلاقه من دوافع عقلانية. حتى ان القضيتين اصبحتا من اكثر العوائق التي ساهمت في تجميد الفكر العربي وتحديد مجال فعله. منذ ظهور جذوره الاولى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر شغل التيار القومي العربي النخبة العربية المثقفة وحتى بعض الساسة فقد اعتبر رواد هذا التيار مثل اليازجي والكواكبي ان الوحدة العربية هي سبيل تقدم الشعوب العربية لكن هذه الدعوة كانت في الحقيقة منحصرة في المشرق العربي وبقيت بلاد المغرب بعيدة نسبيا عن اهتمام هؤلاء الرواد. بعد الحرب العالمية الثانية واستقلال عدد كبير من البلدان العربية زادت الدعوات الى ضرورة تحقيق الوحدة العربية وفي الواقع فان هذه المسألة ارتبطت بشكل تركيز الدولة الحديثة في العالم العربي فقد طرح السؤال حول امتداد الاطار الجغرافي والبشري لكل دولة وتأرجحت الاجابات بين الاقليمية والوحدوية وادى هذا الحصر الى جعل المسألة السياسية التي تهم مؤسسة الدولة تطغى على محتوى المشروع المجتمعي البديل الذي كان من المفروض ان تتركز حوله جهود الفكر العربي ويفسر المنحى الذي اخذه الفكر الوحدوي العربي عجزه في بلورة مشروع حضاري متكامل يتجاوز الجانب السياسي الضيق, فعقم مشروع الوحدة العربية نابع من تركيز اهتمامه على شكل الدولة العربية اي الاطار السياسي التنظيمي في حين همش المجتمع وهو الاطار الموضوعي الذي ينمو ويتجدد فيه اي مشروع حضاري وبالتالي فقد ادى التركيز المفرط على الوحدة العربية كسبيل وحيد للتحرر وتحقيق التنمية الى تغييب الواقع الموضوعي في سبيل افق مثالي غير مؤكد وعوضا ان تكون الوحدة دافعا للتحرر اصبحت على العكس من ذلك سجنا للعقل العربي. اما القضية الثانية التي اتخذت نفس الصبغة المصيرية فتتمثل في القضية الفلسطينية فمنذ الخمسينات تقريبا اعتبرت قضية فلسطين والقدس قضية العرب الام ولم يقتصر هذا الاهتمام على النخب المثقفة فقط بل تجاوزه الى مستوى النخب السياسية الحاكمة فاصبحت هذه القضية مقياسا لتقييم اي مفكر او تيار سياسي او نظام ما فتوزيع شهادات العمالة او الوطنية او التقدمية كان يتم من منطلق موقف الطرف المعني من هذه المسألة الام وكما هو الشأن بالنسبة لمبدأ الوحدة العربية فان تناول القضية الفلسطينية ادى الى تهميش المجتمع كاطار موضوعي لافراز اي مشروع سياسي وكفضاء نهائي لتجسيده. لقد ادى هذا التداخل وتهميش المجتمع الى اعتبار عديد من القادة العرب ابطالا وطنيين بمجرد اعلانهم مواقف ايجابية من المسألة الفلسطينية رغم تعارض سياسة هؤلاء القادة مع الهموم الداخلية لشعوبهم وقد اصبحت القضية الفلسطينية ستارا تخفي وراءه الانظمة العربية عجزها في تحقيق طموحات شعوبها في العيش الكريم وفي ضمان حقوقها. لقد ادى حصر الهم العربي في الوحدة العربية وفي القضية الفلسطينية الى تهميش الحاجات الموضوعية للمجتمع في حين وفر للنخب الحاكمة هامشا كبيرا من المناورة كانت تثيره كلما ظهرت اعراض ازماتها الداخلية وان كانت توجد فعلا قضية ام للعرب فلا يمكن ان تكون حسب رأينا سوى تحرير الفرد ككائن اجتماعي في اطار رؤية شاملة لتحرير طاقات المجتمع العربي الفكرية والاجتماعية باعتبارها الضامن للتشخيص العقلاني لعلة العالم العربي ولا لمبدأ الحرية من ان يكون محور اي مشروع لمجتمع بديل فالفرق الاساسي بين التاريخ الاوروبي والتاريخ العربي هو ان الاول بني على مبدأ الحرية الذي حرك الثورات الكبرى في العالم الغربي في حين تمثل السؤال المركزي للتاريخ العربي في معرفة الطرف الذي له احقية الحكم فكانت الدولة ومن ورائها البطل الرمز هي المحرك للتاريخ اما المجتمع فهو مجرد متفاعل. ان تحرير المجتمع والفكر العربي هو السبيل الحقيقي للوحدة والتقدم وليس العكس باحث تونسي*

Email