أبجديات: بقلم - عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما قرأت (صديق واحد في مدى حياة واحدة كاف, اثنان يصبحان أكثر من اللازم, ثلاثة أمر يكاد يكون مستحيلا) تساءلت ماذا يقصد, (هنري آدامز) بقوله هذا؟ وإلى أي درجة يمكن اعتباره موفقاً في رأيه؟ ودار حديث حميم بين مجموعة من الأصدقاء , فطرح هذا القول للنقاش, وكان ان اختلفت الآراء حوله وبتطرف شديد, وهذا أمر قد يكون متوقعا ازاء بعض القضاياالجوهرية في حياتنا, ولكن ألا ينبغي بداية, أن نتساءل من هو هذا الصديق الوحيد الذي قصده صاحب القول, واعتبره كافيا جدا لكل حياتنا؟ كلنا يعرف في لحظة الوعي والصدق ان الصديق هو مرآتنا الوحيدة التي نرى فيها حقائق نفوسنا وصور أخلاقنا الحقيقية أيًّا كانت, وفي كل الأحوال فهو المرآة الوحيدة التي لا نتمنى أن نكسرها ونحن نكتشف بشاعة دواخلنا كما لانود تلميعها حين نفاجأ بدفق الجمال يتوهج على حوافها. فأصدقاؤنا هم اختيارنا الوحيد الذي لانندم عليه, ولا نستشير أحداً قبل التورط فيه, ونظل على قناعتنا بأنهم الفضيلة الانسانية الحلوة التي نتمنى بقاءها كما هي, وعلى الحالة التي اكتشفناها فيها, ويوم نوغل في حقول أصدقائنا, فإنما لنحصد بذارا أجمل, لكننا اطلاقا لانفكر فيما يمكن أن يختبئ وراء الأغضان الذهبية من أخطار. ان خيانة الصديق هي آخر مايمكن أن يمر على البال, تماما كما لايمكن أن يمر بخاطرك أن ترى زنبقة على حافة تلة في صحراء بعيدة, أو ترى حنظلاً على ضفاف نهر جميل, فيظل الصديق حقل الزنبق النقي الذي نتوسده في كل لحظة بثقة عجيبة في أن الزنبق لن يجف ولن يذوي أبداً. وفي حياتنا يجتمع لنا في المرة الواحدة من الوجوه والأسماء والأصوات ما نعجز عن احصائه أو عده, فمنهم من نذكر ومن ننسى ومنهم من يغيبون عنا فلا ننتبه لغيابهم أصلاً, ووحدهم الأصدقاء تزدهر اللحظات بوجودهم وتغلق بوابات الفرح الحقيقي إذا غادروا حياتنا لأي سبب. قول (هنري ادامز) قد لا يكون صحيحا الا من وجهة نظره هو فقط, لان العمر قد يجمع صحبة حلوة يمضون ايام العمر معا بحلوها ومرها, يرتحلون في ثنايا الزمن معا, يتشاركون مقاعد الدراسة واحلام الشباب, ويتقافزون بين الايام ببهجة ومحبة, فيجمعون أوراقاً ويكدسون تذكارات تنبض بالمغامرة والمقامرة وبالضحك والاحزان تذكرات ليست كلها جميلة وضاحكة, ولكنهم رغم ذلك يحتفظون بسماتهم الخاصة, ولا يحاولون ابدا ان يسلخوا جلودهم حتى لا تضيع بصمات نفوسهم او تنكسر ملامح احلامهم الخاصة. هؤلاء الاصدقاء الذين تبقيهم الحياة في ذاكرة بعضهم البعض كثيرا ما تسعد بلقائهم في هذه الدنيا, فتشعر ان الحياة تزهر في كل الفصول, وعندما يقول لك بعض من تلقاه فتسأله عن اصدقائه: اضعنا كل شيء فكيف لا تضيع زهور الاصدقاء العتيقة تأسف له حقا! كثيرون وضعوا زهور الاصدقاء في انهار قلوبهم فظلت حقول الزنبق مشتعلة باللون والعبق في اعمارهم. اعرف اناسا مستعدين لان يدفعوا كل شيء لقاء صديق حقيقي, لكن الحقيقة ان هذا الصديق هو اللمسة الجميلة التي لا يمكنك اضافتها لحياتك بالمال, ان الهدايا وكلمات الاطراء وكل بطاقات التهنئة والحب لا يمكنها ان تكون رشوة او ثمنا مناسبا لصديق حقيقي. كلمة اخيرة: صديق تشتريه او (تستأجره) هو اسوأ انواع الزهور الصناعية التي يمكن ان تتورط في شرائها.

Email