السياسة الأمريكية تحتاج الى مراجعة: بقلم - د. علي الدين هلال

ت + ت - الحجم الطبيعي

اي سياسة خارجية هي مجموعة من القرارات والخطوات والاجراءات التي يتم تبنيها لتحقيق اهداف معينة, وبحيث تكون تلك: القرارات والخطوات والاجراءات بمثابة الادوات الكفيلة بتحقيق الاهداف ومدى واقعيتها من ناحية, ثم في مدى ملاءمة الادوات المستخدمة لتحقيق هذه الاهداف من ناحية اخرى . وفي ضوء ذلك, فمن الواضح ان السياسة الامريكية في المنطقة العربية والشرق الاوسط قد واجهت عددا من العثرات خلال عام 1997, والشهور الاولى من العام الحالي, الامر الذي يتطلب (المراجعة) واعادة النظر ويكفي التوقف عند عدد من (المحطات) و (الاحداث) الرئيسية لكي نصل الى هذه النتيجة. ففي عام 1997 ذهبت كل المجهودات التي بذلت من اجل التوصل الى تسوية سلمية للصراع العربي ـ الاسرائيلي والقضية الفلسطينية ادراج الرياح واصبحت المفاوضات وعملية التسوية (تترنح) تحت معاول السياسات الجديدة لحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو سواء فيما يتعلق بالاستيطان في الضفة الغربية او السعي الحثيث لتهويد القدس الشرقية, او التنصل من الالتزامات التي فرضتها اتفاقية اوسلو, وحصيلة المفاوضات مع سوريا وتحركت واشنطن على اكثر من محور: فقامت وزيرة الخارجية اولبرايت ومنسق عملية التسوية دينيس روس بزيارة المنطقة كما قامت اولبرايت باستقبال كل من نتانياهو وعرفات وتم الاتفاق على مفاوضات فلسطينية ـ اسرائيلية برعاية امريكية في واشنطن وكل هذه الجهود وصلت الى طريق مسدود, بل وسعى نتانياهو الى تقليص الدور الامريكي وابقائه في حدود معينة لايتجاوزها الامر الذي جعل الدولة العظمى الوحيدة في العالم تكتفي بدور (ساعي البريد) او (الملطف) للعلاقات بين الطرفين دون ان تكون لديها مبادراتها الذاتية او رؤيتها للحل. ومع استمرار سياسات الحصار الاقتصادي على الشعب الفلسطيني واغتصاب الاراضي فان تذمر الراي العام العربي اخذ في التزايد من الموقف الامريكي. وفي هذا السياق, فان ماحدث في المؤتمر الرابع للتعاون الاقتصادي لدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا, والذي انعقد في الدوحة, يصبح امرا مفهوما لقد جاءت الدعوة لهذه المؤتمرات في سياق تنشيط عملية التسوية في شقها الاقتصادي وخصوصا التركيز على دور القطاع الخاص, ولكن هذه المؤتمرات كانت تفترض وجود (عملية تسوية قائمة) اي استمرار الجهود الدبلوماسية والتفاوضية حول قضايا الاراضي والسلام وبحيث يكون التعاون الاقتصادي امرا متمما ومكملا لها ولسبب او لآخر فان واشنطن لم تستوعب ذلك وقامت بنشاط دبلوماسي لحث الدول العربية على المشاركة في المؤتمر على مستوى وزراء الخارجية والامر المدهش ان الولايات المتحدة كانت اكثر حماسة في هذا الموضوع من اسرائيل نفسها, والتي ترسل وزير خارجيتها للمشاركة ومع ان الولايات المتحدة استمرت في هذا السعي حتى الايام القليلة التي سبقت انعقاد المؤتمر, فانه لم يشارك فيه اي وزير خارجية عربي وامتنع عدد من الدول العربية ضم: السعودية ومصر والامارات والمغرب عن ارسال وفود رسمية, ومرة ثانية, لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق الهدف الذي وضعته. ويعد حوالي شهر من مؤتمر الدوحة شهدت طهران اجتماع قمة منظمة المؤتمر الاسلامي, الذي شاركت فيه كل الدول العربية على مستوى رفيع, وعلى النحو الذي اصبح فيه المؤتمر بمثابة (اعتراف) عربي واسلامي (باعادة تأهيل) ايران لكي تصبح جزءا من الاسرة الدولية, وبأن الاتهامات الموجهة لها من جانب الولايات المتحدة بدعم الارهاب الدولي, وبأنها دولة (خارجة على القانون) تجاوزتها الاحداث وجاء مسلك ايران في المؤتمر مدعما لذلك فقد اتسم بالاعتدال والتعقل واتخاذ موقف حاسم ضد الارهاب فتضمنت قرارات المؤتمر: حث الدول على الامتناع عن منح الارهابيين حق اللجوء السياسي والدعوة الى مؤتمر دولي تحت رعاية الامم المتحدة لبحث قضايا الارهاب الدولي وربما كان ما حدث في قمة طهران احد الاعتبارات التي دفعت بواشنطن الى اعادة النظر في سياستها تجاه ايران ومرة اخرى ادركت واشنطن ان سياستها تجاه ايران والمسماة بسياسة (الاحتواء المزدوج) لم تعد مقبولة او ممكنة. ثم اتت الازمة العراقية الاخيرة لتبين حجم المشكلة التي وضعت الولايات المتحدة نفسها فيها, فقد ارسلت مجموعة (الاشارات) السياسية الخاصة باستخدام القوة العسكرية ضد العراق ثم قامت بحشد قوة عسكرية بحرية وجوية كبيرة في الخليج وسرعان ما كشفت الاحداث ان هذا التوجه لا يحظى بتأييد اغلبية الدول الاعضاء الدائمين في مجلس الامن, بل انه اثار جدلا في اوساط الرأي العام الامريكي نفسه , كما ظهر في الحوار التلفزيوني الذي شارك فيه: وزير الخارجية والدفاع ( اولبرايت وكوهين) ومستشار الرئيس للامن القومي (بيرجر) مع طلاب جامعة اوهايو, ولكن الامر المهم هو الموقف العربي سواء على الصعيد الرسمي اوغير الرسمي فعلى الجانب الرسمي كان الصوت الاعلى يقول بضرورة اعطاء الجهود الدبلوماسية فرصتها كاملة, وان كون التهديد بالقوة هو نهاية المطاف وحتى الدول العربية التي استقبلت القوات الامريكية ـ بما في ذلك الكويت ـ كانت حريصة على تأكيد انها لن توافق على استخدام اراضيها لشن هجوم على العراق, وبغض النظر عن قدرة هذه الدول على ضبط حركة القوات الموجودة على اراضيها حالة الانتهاء الى قرار باستعمال القوة العسكرية فان قيامها باعلان ذلك, كان مؤشرا على تقديرها لتوجهات الرأي العام وعلى المستوى الشعبي العربي عموما فان الموقف الامريكي تجاه العراق لم يحظ بتفهم او تعاطف خصوصا في ضوء مقارنته بالموقف تجاه اسرائيل. وهكذا فان الاهداف المعلنة للولايات المتحدة في المنطقة تواجه مشكلات وتحديات جسيمة فعملية التسوية التي ترعاها واشنطن وصلت الى حالة الجمود وسياسة (احتواء) ايران لم تنجح, واعاد الاتحاد الاوروبي علاقاته بطهران وقام وزير الخارجية الايطالي بزيارة ايران في الاسبوع الماضي. كما ان سياسة اليد الحديدية مع العراق لم تلق تعاطفا عربيا او دوليا, وكل هذا لابد ان يدفع مسؤولي وزارة الخارجية الامريكية, واجهزة التخطيط الاستراتيجي الى (مراجعة) السياسة الامريكية في المنطقة و (مربط الفرس) في هذه المراجعة) هو الموقف تجاه اسرائيل والقضية الفلسطينية وطالما استمر الموقف السلبي الامريكي فسوف يكون من الصعب ان تتمتع هذه السياسة بالصدقية الجديرة بالدولة التي تنفرد بقيادة العالم. عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة *

Email