شكرا لغباء الاعداء:بقلم - أ. د. يحيى هاشم حسن فرغل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ان معركتنا مع الوجود الاسرائيلي المزروع بين أحشائنا.. معركة بعيدة الغور, لا تقاس بمعركة او اثنتين, ولا بمؤتمر او عشرات المؤتمرات ... وقد كانت الحروب الصليبية من قبل تمر بمثل هذه الحالات. ان معركتنا مع اسرائيل هي حلقة صغيرة من حلقات معاركنا مع أوروبا.. وها هو شاهد اسرائيلي هو رئيس العصابة الاسرائيلية نتانياهو, ينطقه الله بما يعبر عن ضمير العدو التاريخي القابع في احشاء أوروبا.. فيرجع الحركة الاسلامية ــ كما جاء في كتابه (الارهاب يعود شئنا ام أبينا) ــ الى ما يسميه: الحقد التاريخي الذي يضمره المسلمون ضد الغرب: يبدأ بالرسالة النبوية المحمدية نفسها, وبما يسميه: توحيد القبائل العربية على يد الرسول, وتشكيل أمة على أساس ديانة صراعية نضالية هدفها فرض قواعد الاسلام على الانسانية كلها. ويقول نتانياهو: (لو أن شارل مارتل ينتصر على العرب في بواتييه عام 732م كانت أوروبا كلها قارة اسلامية). ويعبر عن الحروب الصليبية بقوله (ان جزءا كبيرا من تاريخ الاسلام بعد تلك الهزيمة قد مضى في صراع المسلمين ضد استعادة الاوروبيين للاراضي الاسلامية, خاصة الأراضي المقدسة). ويرى: أن حملة نابليون على مصر تأتي في السياق نفسه.. ومثلها: حرب الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي.. والمقاومة ضد سيطرة البريطانيين على شواطىء الخليج, وسيطرة الفرنسيين على افريقيا الشمالية كلها, وسيطرة الايطاليين على ليبيا, وما يسميه هو: (دور أوروبا في تفكيك العالم الاسلامي تفكيكا نهائيا) . ويدرك نتانياهو ان العرب ينتظرون صلاح الدين جديدا يحرر القدس كما حررها صلاح الدين عام 1187 مدركا ايضا ان معاهدة السلام التي عقدها مع الصليبيين لم تكن الا (.. خدعة استأنف بعدها الحرب..) حتى تم تحرير أرض فسلطين نهائيا. ويلاحظ نتانياهو ضمن ما يرصده من حركة ما يسميه الإرهاب: أن المسلمين يمثلون اليوم انتشارا كبيرا في عدد من الدول الاوروبية, حيث يشكلون (جيتوهات) ــ وفقا لزعمه الساقط من ثقافته ــ يبلغ اعضاؤها الآلاف او عشرات الآلاف, وان هذا الوجود الاسلامي في أوروبا هو الساحة التي تسمح للإرهاب بالتحرك.., ويشير الى الجماعات الاسلامية في أمريكا على أنها تختبىء وراء استثمارات وأعمال دينية وخيرية... منتقلا الى التحذير من المؤتمرات الاسلامية التي تعقد على الأرض الامريكية, حيث تستفيد من حرية التعبير والعبادة التي يضمنها التشريع الامريكي.. ويصل الى التحذير من طموح هذه الحركات الاسلامية, وأنها لا تخشى الولايات المتحدة, لأنها سبق أن انتصرت على الاتحاد السوفييتي نفسه!! ليست تلك محاولة للوقيعة بين أوروبا والمسلمين كما قد يحلو للبعض ان يفهموا, ولكنه محض التحدث بلسان واحد للصهيونية ولاوروبا معا. ويقول بن جوريون (نحن لا نخشى خطرا في المنطقة سوى الاسلام) ويقول شيمون بيريز (لا يمكن تحقيق السلام (.. يعني الاسرائيلي) في المنطقة مادام الاسلام شاهرا سيفه, ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الاسلام سيفه الى الأبد) . إنها ــ حقا ــ معركة ممتدة الآفاق... إن أطماعهم لا حدود لها: عسكريا, أو سياسيا, او ثقافيا, او جغرافيا.. لقد أقدم أرناط صاحب الكرك في عام 578هـ على تدبير حملة لغزو الحرم النبوي الشريف, وأنشأ سفنا حملته ورجاله بالفعل الى شاطىء الحجاز حيث (عظم البلاء, وأعضل الداء, وأشرف أهل المدينة منهم على خطر عظيم, وصار الفرنجة على مسيرة يوم واحد من المدينة, ونزلوا على ساحل حوراء قرب ينبع, وكان صلاح الدين اذ ذاك على حوران, فلما بلغه الأمر بعث الى سيف الدولة بن منقذ نائبه بمصر, وأمره بتجهيز حسام الدين لؤلؤ الحاجب.. على أسطوله, وارساله خلف العدو, وسرعان ما منيت هذه الحملة بالفشل الذريع, اذ تعقب حسام الدين سفن الفرنجة, فأحرقها, وأسر من فيها, وتعقب الهاربين منهم بين الجبال, وأسرهم جميعا, وحملهم الى القاهرة, وكان لدخولهم يوم مشهود, وللعقاب الذي نزل بهم عبرة تذكر). تلك اطماع تمتد الى كل أرض عاش فيها اليهود من قبل.. وحجتهم للاستيلاء على الأرض المحتلة حاليا ستكون هي حجتهم للاستيلاء على أرض جديدة.. وأطماعهم في ليبيا ومصر لا تقل عن أطماعهم في قبرص وفلسطين.. وأطماعهم في المدينة المنورة لا تقل عن أطماعهم في القدس.. تلك عداوة راسخة عميقة الجذور في الماضي والمستقبل, أخبرنا الله عنها في قوله تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا..) وفي قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم..). ولنعلم أنها عداوة ينضم اليهم فيها كل اتجاه او جماعة منا تفضل انتصارهم على انتصار الاسلام, ولنعلم ايضا أنها معركة ينضم اليهم فيها: ركام التخلف والضعف الذي أصاب بلادنا قبل الغزو الاسرائيلي, ويصيبنا معه وبعده. ان الاستيطان الاسرائيلي.. وان الاطماع الاسرائيلية.. وان الغطرسة الاسرائيلية.. لهي وحدها القادرة على استفزاز المنطقة, واثارتها, وتقليبها, ودفعها للتعرف على ذاتها, والوصول الى الحل الصحيح لمشاكلها الحضارية الشاملة. ان المنطقة وقد وصلت الى هذه الدرجة القياسية من التخلف والضعف.. فإنها لا يمكن ان تتخلص منه الا بتحد قياسي من هذا القبيل.. كما أن المنطقة وقد غاصت اقدامها في وحل التخلف الذي جعلها مسرحا لهذا التحدي.. فإنها تحتوي على عوامل مكافئة لهذا التحدي, تنتظر الايقاظ. ان انواع الاستجابة لهذا التحدي التي دارت وتدور في تاريخ هذه المنطقة ــ على اختلافها, وتناقضها, وعدم جدواها غالبا ــ لهي نوع من التقلص المعوي الذي يمثل الاستجابة المضطربة لمعدة ألقي فيها سم خطير... ان السم الاسرائيلي الذي ألقي في المنطقة سم خطير.. لكن معدة المنطقة اقوى منه, كما يثبت ذلك النظر في مقومات المنطقة وتاريخها على السواء. اننا كما يجب ان نتفاءل, نرحب بهذا التقلص, كما نرحب بالاستجابات الفاشلة, لانها ــ اي هذه الاستجابات ــ تمثل عملية اخلاء لاستقبال الاستجابة الصحيحة في نهاية الأمر. ان الاستجابات التي تمت, وظهر فشلها كليا او جزئيا تمثل رصيدا مثمرا لمستقبل الاستجابة الاسلامية المنتظرة. لقد حصلت الاستجابة الوطنية, وحصلت الاستجابة القومية, وحصلت الاستجابة الاشتراكية, وها هي تحصل اليوم الاستجابة الليبرالية تحت سقف ما يسمى النظام العالمي الجديد.. والاستجابة التي لم يتم تجربتها بعد هي الاستجابة الاسلامية. (فاذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم, وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة, وليتبروا ما علوا تتبيرا). فالنصر على الغزو الاسرائيلي المتغطرس الذي لاتحده اليوم حدود.. سيكون لرجال المسجد, ليدخلوه كما دخله رجال من أمثالهم من قبل. هل نقول شكرا لغباء أعداء الله وغطرستهم؟ فهم عوامل الوصول الى الاستجابة الاسلامية وهي استجابة ــ ان تأخرت ــ فمن الحق ومن المصلحة معا, أن تتأخر. عندئذ تكون المنطقة قد انكشفت أمامها الترهات والشعارات والدعاوى الفارغة. استاذ العقيدة بقسم الدراسات الاسلامية جامعة الامارات*

Email