أبجديات: بقلم - عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتنافس المدارس فيما بينها كي تحظى بشرف المركز الاول في النشاط المدرسي, او في مسابقات البحوث العلمية, او مسابقات حفظ القرآن او مسابقات المكتبات... الخ, وهذا جهد محمود, والتنافس فيه مطلوب لصالح وفائدة ابنائنا الطلاب . ولكن التنافس والتباري من اجل تزيين المدارس والفصول الدراسية باللوحات والوسائل التعليمية يحتاج الى وقفة تربوية جادة ليس لاعتراضنا على المبدأ ولكن اعتراضنا على الاسلوب والطريقة فهذا الاشكال لابد من حله. ان الادارات المدرسية تسعى جاهدة لاظهار المدرسة بالمظهر اللائق رغبة منها في توصيل رسالة (ما) للمجتمع المحلي المحيط (اولياء الامور + المنطقة التعليمية) رسالة تتمحور حول جهد الادارة المستمر ونشاطها الدؤوب وتشجيعها للطلاب.. الخ ومن هنا تتضافر جهود الجميع لتحقيق هذا الهدف (التربوي) الذي يمكن تلخيصه في جملة بسيطة: (تلميع صورة الادارة المدرسية ونقل انطباع براق عن المدرسة) . وفي تناقضات هذا المبدأ تكمن المأساة, وفي قلب المأساة يسقط الكثير من الضحايا واولهم العملية التربوية, فالمعلم, فالطالب. والحكاية من البداية الى النهاية تتلخص في ان الموجه يريد والمدير يأمر والمعلم هو الذي يجب ان ينفذ, وبما ان المعلم لا يمكنه رفض اوامر رؤسائه فانه هو الآخر (يأمر) طلابه باعداد النشاط, والطلاب ليسوا بتلك المهارة التي تخولهم رسم الخرائط الجغرافية او كتابة القصائد وعمل المجسمات ولذا فهم بدورهم يأمرون ويضغطون على الاهالي ويهددونهم اذا لزم الامر بالرسوب اذا لم يوفروا لهم هذا النشاط, وبما ان الاهل لا يرغبون في رسوب ابنائهم, وفي الوقت نفسه لا يجيدون اختلاق هذا النشاط, فانهم وببساطة يتوجهون للسيد المبجل (الخطاط) الذي احتل ولفترة طويلة من تاريخ التعليم في مجتمعنا ركنا رئيسيا من اركان العملية التعليمية, ومن هنا راج سوق الوسائل وازدهرت تجارة الخطاطين. ثم جاء الى الوزارة من رأى في الوسائل المقدمة الكثير من الاخطار والتناقضات مع شكاوى الآباء المستمرة, فكان الامر بمنع هذه الممارسة التي اكتشفت الوزارة بعد رحيل العمر انها كانت خيط دخان وانها غير تربوية, وانه يتوجب على المعلمين توجيه طلابهم الى ضرورة الاعتماد على انفسهم وعلى مواهبهم, ومن كان بلا مواهب فماذا يفعل؟ لم يحاول احد ان يجد جوابا على هذا السؤال, فوقعت الطامة الكبرى على رؤوس الاخوة الكبار في المنزل او الآباء او ابناء الجيران واخيرا جاء الحل من عند الفلبينيات اللواتي اصبحن بديلا طيبا للخطاطين. وظل المعلم يسأل نفسه وقبله فعل التلميذ, ما الفرق بين لوحة يصنعها الخطاط واخرى يعاينها الأب او الخادمة؟ طالما ان علاقة الطالب بها لا تتعدى كتابة اسمه على طرفها السفلي الايمن او الايسر لا يهم. وفي كل ما قلنا ــ وهو جانب بسيط من العملية التربوية ــ يقف الطالب في قلب التناقضات ويتشربها قطرة قطرة, فيتلبس الكذب وخداع الذات والوصول الى الدرجات العليا على اكتاف غيره وجهود الآخرين, والمعلم يدري ولا يمكنه فعل شيء, لان ذلك مطلوب منه, ومجبر عليه. والمعلم بين اعباء الوظيفة الثقيلة, ومطالب النشاط, مطلوب منه ايضا ان يحضر اللقاءات التوجيهية مساء, والاجتماعات التدريبية, وان يقدم نقدا للمناهج التي يدرسها, وان يعد الامتحانات الموحدة, واخيرا ان يقدم بحوثا أو تقارير علمية حسب المادة التي يدرسها, وكأنه يشكو من الفراغ وقلة العمل, فلا عجب ان تسمع عددا كبيرا من المعلمين يتمنون اليوم الذي يتخلصون فيه من هذا الهم. اذا كان الطالب مظلوما, والمدير مطلوب منه, والمعلم غير ملام, فمن نسأل ومن نلوم في كل هذا الذي يحدث؟

Email