مدارس تفكر أمة تتعلم: بقلم- د. خليفة علي السعيدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في سنغافورة عقد المؤتمر العالمي السابع للتفكير, حيث حاضر في المؤتمر عشرون خبيرا عالميا في ميدان الذكاء لعل من ابرزهم ادوارد ديبونو والذي ألف اكثر من 56 كتابا في الذكاء, ترجمت لاكثر من 34 لغة. وكذلك هاورد جاردنر استاذ علم النفس في جامعة هارفارد واستاذ الاعصاب في كلية الطب جامعة بوسطن ــ له اكثر من اربعة عشر كتابا ومئات الابحاث في الذكاء وهو صاحب نظر الذكاء المتعددة. وروبرت سترنبرج استاذ علم النفس في جامعة ييل وله العديد من الكتب العلمية في الذكاء, وكذلك روبرت سوارتز الاستاذ بجامعة ماساشوستس في بوسطن. وفي هذا المؤتمر نظمت اكثر من 350 ورشة عمل ودراسة. ويهدف هذا المؤتمر الى تدارس اساليب تنمية التفكير في العالم من خلال وسائل مختلفة اهمها المدارس. وعلى مدار كل سنتين يستضاف في دولة ما, فالمؤتمر الاول عقد في عام 1982 في فوجي وفي عام 1984 في جامعة هارفارد الامريكية وعام 1987 كان في هاواي وعام 1989 كان في بورتوريكو, وعام 1992 عقد في استراليا وعام 1994 عقد في بوسطن. وشارك في مؤتمر سنغافورة اكثر من ثلاثة الاف مشارك ولم اجد من العرب الا القليل؟! النظام الذاتي افتتح فعاليات المؤتمر رئيس الوزراء فكان حفل الافتتاح رسما لسياسة سنغافورة الجديدة التي من اهم ملامحها انها تدور حول محور التعليم. واستعرض رئيس الوزراء تجارب العالم التربوية فقال (في الولايات المتحدة تجارب ناجحة بامكاننا الاستفادة منها بالرغم من عدم قناعة الامريكيين بنظامهم التربوي وعلق على مشروع الرئيس كلينتون القاضي بايجاد اختبارات ومستويات جديدة للتعليم الامريكي قبل 1999 وربط جميع الفصول الدراسية بشبكات المعلومات عام 2000. وكما علق على النظام البريطاني الذي يشكو كالامريكي من تدني مستوى التحصيل الدراسي, وذكر ايضا خطة الحكومة البريطانية الجديدة لتطوير التعليم الانجليزي. واما اليابانيون فان مناهجهم التعليمية كانت رائدة لنقل المجتمع الياباني من ازمة الحرب الى ما وصلوا اليه الان ولكي يستمر المجتمع الياباني في الصدارة فانهم يعدون لمناهج جديدة للمرحلة المقبلة حيث يعتبرون ان مناهجهم الحالية ليست مناسبة للمستقبل. واما سنغافورة كما قال رئيس وزرائها فانها ستستفيد من تطورات التعليم في العالم ولكنها ستأتي بنظام خاص بها والذي يتناسب مع مجتمعها. ا ن مجتمع سنغافورة المستقبلي سيقدم على خطة الحكومة الجديدة والتي تتلخص في اربعة كلمات هي (مدارس تفكر, امة تتعلم) وانا انقل هذه الخطة باختصار لكي نعلم ان نجاح اية امة من الامم انما يقوم بالدرجة الاولى على نظامها التعليمي؟! مدارس تفكر ان رؤية سنغافورة للتعليم ينبغي ان تتطور, بحيث تجعل مناهج المستقبل الجيل المقبل يفكر بطريقة افضل ويحقق شروط المواطنة ويتخذ القرارات الصحيحة لكي تستمر سنغافورة في نهضتها. وعليه فان وزارة التربية تقوم بمراجعة المناهج المطبقة ونظام الامتحانات لكي تدرس من خلالها مهارات التفكير وطرائق التعليم المستقبلية. وهذا يتطلب تقليص الدروس النظرية وتحويلها الى مشاريع يتعاون فيها المتعلمون والمعلمون. ولابد من الاستخدام المناسب لتقنية المعلومات (I.T) لكي نتعلم من خلالها مهارات التواصل مع الاخرين وتكون لدى المتعلمين مهارة التعلم الذاتي, وهذا بالتأكيد يتطلب حصول المتعلمين على المعلومات الاساسية والمواد الضرورية لمحافظتهم على المستويات العالمية الراقية. ان هذه المعلومات التي كنا نعمل على ان يحفظها المتعلمون لا تكفي لهذا العصر اذا لم تكن لديهم القدرة على التعلم الذاتي والتي ستميز النظام التعليمي المستقبلي. ان المدارس التي تفكر تدفعنا الى تدريب المتعلمين على التساؤل والبحث داخل وخارج غرفة الدرس كما ان هذه المدارس ستعيد تعريف دور المعلم لان من ادواره الجديدة تشجيع المتعلمين على طرح الافكار الجديدة. وهذا يتطلب من المعلم ان يعلم نفسه من جديد. كما هو حال اصحاب المهن الاخرى كالطب وهذا يتطلب منا ان نوفر لهم الوقت والامكانيات المناسبة. كما ان هذا النوع من التعليم بحاجة الى ان يطور اصحاب القرار التربوي قدراتهم في هذه الدولة. أمة تتعلم لقد اثبتت الدراسات الحديثة في علم تشريح المخ ان التعليم يبدأ مع اللحظات الاولى لحياة الانسان وهذا يدفعنا الى اهمية تدريب اولياء الامور على اهمية ايجاد البيئة التعليمية في المنزل قبل التحاق الابناء بالمدارس. كما ان امة التعلم تتطلب منا جعل التربية والتعليم ضمن فلسفة الوظائف والمهن كما هو شأن الشركات اليابانية والامريكية حيث يتعلم الموظف ويتدرب التلميذ. لقد انتهى العصر الذي يعتقد فيه ان اصحاب المراكز العليا هم الذين يفكرون وغيرهم ينفذون ما قيل لهم نريد ان نجعل اهل سنغافورة كلهم اهل تفكير يطرح كل شخص حسب مستواه الاسئلة التالية على نفسه كيف بامكانه ان يقوم بعمله بصورة افضل؟ ما هي اهداف وظيفته او مهنته؟ وكيف يستطيع ان يحقق هذه الاهداف بصورة افضل؟ اننا بحاجة الى ان يتدرب الطالب في مدرسته والموظف في مهنته على مهارات التفكير وهذه هي خطتنا لاعداد سنغافورة للقرن المقبل مدارس تفكر أمة تتعلم. قهوة سنغافورية بعد ان انهى رئيس وزراء سنغافورة خطابه الرائع الذي نال اعجاب الحاضرين طلب من جميع المشاركين التوجه الى خارج القاعة ـ والتي اتسعت لما يقارب ثلاثة الاف مشارك ــ لتناول قهوة الصباح وذلك على امل اللقاء بعد نصف ساعة للمحاضرة المقبلة. ولاني حظيت بالمقعد الاول قررت البقاء في مكاني وقلت في نفسي كيف اصل الى كوب القهوة في اقل من نصف ساعة في ظل هذا العدد الهائل من الناس واعود الى المحاضرة المقبلة؟ لاشك ان معظم الناس لن يتمكنوا من الجمع بين قهوة الصباح ومحاضرة البروفيسور هاورد جاردنر لكني فوجئت بان صالة المحاضرات الكبرى قد فتحت فيها ابواب من كل مكان ووقف مسؤولون عن القهوة على رأس كل باب لخدمة المشاركين وتمكنت خلال 20 دقيقة من الحصول على القهوة والعودة الى مكاني وكان هذا حال الجميع!! انه النظام مع التخطيط امة العرب! هذه دروس اسطرها من تجربتي التربوية من سنغافورة على امل ان تنال الاهتمام المناسب لكي نعد مجتمعنا للعصر المقبل. وكيل كلية التربية ـ جامعة الامارات*

Email